استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن برنامج محاضراتها الشهرية، رفيعة الطالعي، رئيسة تحرير مطبوعة "صدى" ببرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، التي قدّمت محاضرةً بعنوان "خيبة آمال النساء في الفضاء العام في الخليج"، وذلك يوم الثلاثاء 2 كانون الثاني/ يناير 2024، وأدارتها العنود عبد الله آل خليفة الباحثة في المركز.

استهلّت الطالعي محاضرتها بالقول إنّ لدراسة موضوع المرأة في بلدان الخليج ومشاركتها في الشأن السياسي أهمية خاصة؛ لأنه موضوع يتصل بالحقوق، وما تتعرض له المرأة من مظالم، وهي – بحسب التعريف – مواطنة كاملة المواطنة.

وأشارت إلى أنّ مشاركة النساء الخليجيات في السياسة لا تحدّدها السياسة، ولا المجتمع، ولا الثقافة، ولا الشريعة الإسلامية، بل تتسبّب عوامل عدة في تحديد وضعية هذه المشاركة ورسمها. وسردت الباحثة شواهدَ عدة عن ذلك، بعضها شخصي عايشته في خلال تجربتها في الترشح لانتخابات مجلس الشورى العُماني في تشرين الأول/ أكتوبر 2003، حيث قابلت عددًا كبيرًا من النساء المترشّحات، فلاحظَت أنّ المجتمع أكثر تقديرًا للرجل، الذي ينظر إلى صفات مختلفة فيه على أنّها محمودة، أما إذا اتصفت بها النساء فيُنظر إليها على أنّها مكروهة. وعبّرت الباحثة عن أسفها لعدم فوز أيّ امرأة في انتخابات مجلس الشورى العُماني الأخيرة، ما يشير إلى أنّ وضع المرأة يزداد سوءًا في بلدان الخليج العربية، رغم تحقيق عدد من الإنجازات في بعض المستويات، مثل التعليم والرعاية الصحيّة.

وفي السياق ذاته، أشارت الطالعي إلى أهمية المساواة القانونية بين الرجل والمرأة، في المجال السياسي وسواه، وأوضحت أن ثمة خللًا كبيرًا في المنظومات القانونية لدول الخليج في هذا المجال، إذ تتضمّن قوانين لا تساوي بين الرجل والمرأة، وتُعطي الرجال حقوقًا لا تسمح بها للنساء.

وفيما يتعلّق بوضعية النساء الخليجيات في الفضاء العامّ، أشارت الباحثة إلى عدة مسارات تتحكم في ذلك. أوّلها المسار الرسمي الحكومي، الذي تتبنّاه الدولة تجاه المرأة، ومكانتها في سياسات الدولة ومواقعها المختلفة، وهو مسار وصفته الطالعي بأنّه "متردّد". وفي هذا الصدد، أشارت المحاضرة إلى أنّ الاهتمام بموضوع المرأة في الخليج بدأ بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، حيث بدأت دول الخليج في تنقيح مناهجها وسياساتها بما يتماشى مع رؤية الولايات المتحدة الأميركية تجاه موضوع الإرهاب واحترام "الأقليات"، ومنها النساء. ومع ذلك، ذكرت الطالعي أنّ نسبة النساء في الحكومة أو مجلس الوزراء أو مجالس أخرى في معظم دول الخليج، لا تتجاوز اليوم 20-25 في المئة، وهي نسبة لا تتناسب مع عدد النساء مقارنة بإجمالي عدد السكّان، باستثناء دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تصل نسبة تمثيل النساء في المجلس الاتحادي إلى 50 في المئة.

وكانت المرأة في سلطنة عُمان الأولى خليجيًا من حيث منح حق الترشّح والتصويت، وذلك في عام 1994، وفازت امرأتان في الدورة الثانية من انتخابات مجلس الشورى العماني (1994)، وانتُخِبتا في الدورة التي تلتها أيضًا. أمّا في قطر فحصلت النساء على حق الترشح والتصويت في الانتخابات البلدية في عام 1999، وفي البحرين في عام 2002، ثم تلتها الكويت في عام 2005، والمملكة العربية السعودية في عام 2015.

أمّا المسار الآخر الذي يقيّد مشاركة النساء في الفضاء العام فهو مسار اجتماعي ثقافي يتبنّاه المجتمع. وتتداخل في هذا المسار أمور عدّة، منها طبيعة النظرة إلى المرأة، وقدرتها على القيادة، ومنها الأدوار الجندرية النمطية التي تجعل دور النساء يتمركز حول الأسرة، وهو ما يمكن أن يُثنيَهنّ عن متابعة مسارات في السياسة أو الحياة العامّة، ومنها التوجّهات المحافظة ضمن الدول الخليجية كافّة، والضغوط الاجتماعية والعائلية، وقلة فرص التشبيك؛ نظرًا إلى أنّ أغلب الفضاءات يجتاحها رجال، وقلة التمثيل في المناصب العامة، وهو ما يُمكن أن يُلهم الفتيات والنساء الأخريات، وقلّة الوعي والخبرة السياسيَين لدى بعض النساء بسبب قلة وجودهنّ في المناصب السياسية، والبيئة السياسية المحافظة، وتقييد الحرية وإمكانية التعبير، والعوامل الاقتصادية، فكثير من النساء لا يستطعن خوض حملة انتخابية لأنّهن لا يجدن دعمًا اقتصاديًا، لا سيّما من قبائلهنّ، على غرار ما يجده الرجال.

إلى جانب هذين المسارين، أشارت الباحثة إلى أن هناك مسارين متعارضين: مسار شبابي طامح إلى التغيير، انطلاقًا من رؤية مختلفة عن الرؤية التقليدية، ومسار يريد إبقاء الوضع على ما هو عليه.

واختتمت الباحثة محاضرتها بالحديث عن العدالة بوصفها قيمةً يجب الدفع تجاهها؛ فلكي لا تكون السياسات في الدولة متردّدة تجاه المرأة، ينبغي أن تتوافر سياسات مراعية للنوع الاجتماعي، وهي مهمة لأنّ تأثيرها كبير في المشاركة السياسية للمرأة في الخليج، وهي توضَع لمعالجة عدم المساواة بين الجنسين، وتعزيز حقوق المرأة، وخلق بيئة سياسية أشدّ شمولًا وإنصافًا. ويجب زيادة تمثيل النساء في المناصب السياسية، وتقديم الدعم القانوني والمؤسسي لها، وبناء قدراتها ومهاراتها، وهو مشروع يجب أن تتبنّاه الدولة نفسها بوصفه إحدى السياسات الاستراتيجية، لإحداث تغيير سياسي واجتماعي.

شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعَين، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة من المحاضرة، شملت نسبة الكوتا النسائية في البرلمانات العربية، والمرأة بوصفها واجهة في المناصب السياسية، ومدى إمكانية أن تفلح القوانين في فرز بيئة حاضنة للمرأة بوصفها فاعلًا حقيقيًا، والصراع التنافسي داخل أماكن العمل بين الرجل والمرأة، وثقافة المرأة عن نفسها، ونسبة الفساد السياسي بين الرجل والمرأة، وحضور النساء الكمّي والنوعي في السياسة، وافتقار الحالة الخليجية إلى أدبيات نقدية تقييمية عن المرأة الخليجية في السياسة والفضاء العام، والحركات النسوية الخليجية، وإعادة إنتاج الأدوار النمطية للمرأة، والمشاركة غير المؤسسية للمرأة، وغيرها.