عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الأحد 5 شباط / فبراير 2023، محاضرة عامة بعنوان "المساعدات الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: إعادة اختراع إرث الحرب الباردة في ضوء الحرب في أوكرانيا وتحديات أخرى"، نظمتها، على هامش ورشة عمل بحثية، وحدة الدراسات الاستراتيجية ووحدة دراسات الدولة والنظم السياسية في المركز، وقدّمها الدكتور روبرت سبرينغبورج، الزميل البحثي بالمعهد الإيطالي للشؤون الدولية والمدير السابق لمركز الشرق الأوسط للعلاقات المدنية العسكرية. وأدارها الدكتور عمر عاشور، مدير وحدة الدراسات الاستراتيجية ورئيس برنامج الدراسات الأمنية النقدية في معهد الدوحة للدراسات العليا.

من محاضرة "المساعدات الأمنية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"في البداية، أوضح سبرينغبورج أنّه ينطلق من كتاب جديد حرّره مع هشام علاوي، في موضوع المساعدات الأمنية، جاء خلاصة لمشروع علمي ضم مجموعة من الباحثين المختصين في الموضوع من المنطقة العربية وخارجها، وضعوا فصوله بغرض بيان طبيعة نموذج المساعدة الأمنية المعاصرة من الغرب إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA)، خاصة أن عديد الأسئلة تثار حول هذه المساعدات، وما يتصل بأدوارها التي تتخطى في أحيان كثيرة دعم الجيوش إلى مساحات سياسية، بات يُنسب إليها بقاء الاستبداد والعديد من أسباب الصراع في المنطقة.

وأضاف أن نموذج المساعدات الأمنية في الشرق الأوسط لم يخرج من إرث الحرب الباردة، وعلى نحوٍ يؤهل المنطقة لمواجهة تحديات اليوم. واستعرض في هذا السياق تاريخ المساعدات المقدمة للمنطقة، خاصة منها تلك التي رافقت معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، وتحوّل مصر عن الكتلة الشرقية، والمساعدات التي اتصلت بأمن الخليج، خاصة بعد حرب الخليج الثانية. وبيّن المقاربات النظرية لسؤال تعثّر نموذج المساعدات وتأثيره في معادلة العلاقات بين مانح المساعدة ومتلقّيها.

كان ذلك النموذج يراهن في تطوره على إمكان تجاوز "حشد القوات الغربية على الأرض"، واستبداله بنهج جديد يقوم على "بناء قدرات الشركاء"، لكن اكتنفت هذا المسار صعوبات كبيرة، أهمها الانفصال والتباين الكبير بين مانح المساعدة الأمنية ومتلقّيها من البلدان الشرق أوسطية. على رأس ذلك بالطبع مفارقة أنّ مانحي المساعدات ينتمون بالأساس إلى ديمقراطيات راسخة تدعم نظمًا دكتاتورية عتيدة، ويعززون بهذه المساعدات قوة هذه النظم على نحوٍ يمكّنها من امتلاك أسلحة ذات قدرات تدميرية عالية. واستعرض سبرينغبورج تطورات هذا المسار، وحالات توضح كيفية بروز التساؤلات حول فاعليته. وأكد أن ما وُجّه من نقدٍ كان يمهّد لعملية متعددة الأوجه لمراجعة أنماط المساعدات الأمنية، وتقديم وسائل جديدة تقيها القصور. وأشار إلى ضرورة استخلاص بعض الدروس المستفادة من المساعدات العسكرية/ الأمنية الغربية لأوكرانيا فى إطار الحرب عليها، علّها تسهم في بيان مداخل لتحسين نتائج المساعدة الأمنية وأثرها في مقدّميها ومتلقّيها.

شهدت المحاضرة إقبالًا واسعًا وتفاعلًا مع ما قدّمه المحاضِر على صعيدَي النظرية والممارسة. وطرح عدد كبير من الباحثين والأكاديميين وطلاب الدراسات العليا في مجالات الدراسات الأمنية النقدية والعلوم السياسية تساؤلاتهم وجاهةً، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي للمركز (فيسبوك وتويتر ويوتيوب).

وفي الختام، أكّد عمر عاشور أنّ ثمة اتجاهًا متصاعدًا لدراسة موضوع المساعدات وتأثيره الكبير، وشدد على أهمية أن يتفاعل الباحثون العرب مع ما يُطرح حول هذه المساعدات من مختلف أوجهها، وتأمُّل نتائجها، على نحوٍ مقارن لحالات النجاح أو الفشل أو الحالات المختلطة، وعلى صعيدَي العلاقات العسكرية - العسكرية، أو فيما يخص كفاءة الجيوش والميليشيات المتحالفة معها، وعلى صعيد الأوضاع السياسية الداخلية في البلدان التي تهيمن على الحكم فيها المؤسسات الدفاعية والأمنية. وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون وأساتذة في المركز العربي ومعهد الدوحة وطلبته.