استضافت وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في المحاضرة الرابعة من سلسلة محاضراتها الشهرية، يوم الثلاثاء 30 أيّار/ مايو 2023، سعد البازعي، أستاذ الدراسات المقارنة بجامعة الملك سعود، الذي قدّم محاضرة حملت عنوان "خالد الفرج: تكوّن المثقف الخليجي".

عُقدت المحاضرة في مقر المركز العربي في الدوحة، وأدارها الباحث عبد الرحمن الباكر. وقد استهل البازعي محاضرته بالتعريف بالكاتب والأديب خالد الفرج (1895-1954) بوصفه مثقفًا خليجيًا، إذ كان يحمل هموم منطقته، رغم أنه ولد في الكويت. وكان يملك من الحوافز ما قاده إلى الاشتغال والتفوّق في عدّة مجالات، مثل التعليم، والبحث، والتأريخ، والإدارة، والإعلام، والسياسة؛ ما أدّى إلى اجتماع سمات ما سمّاه "المثقف الخليجي" في الفرج. وبيَّن البازعي كيف نشأ الفرج في بيئةٍ لم تكن معالمها متبلورةً ولم تكتسب شكلًا سياسيًا ناضجًا بعد، قياسًا بما كانت عليه بلدان أُخرى في تلك المرحلة، وأنّ المثقف الخليجي كان يتشكل مع تشكل المنطقة، ومثاله الفرج، الذي مارِس أدوار اجتماعية. وأوضح أنه ممّا ساعد في تبلور شخصية المثقف في الفرج هو سفره إلى الهند، فمارس العمل التجاري هناك، وتعلّم اللغة الإنكليزية والأردية فيها، ثم أسَّس لاحقًا المطبعة العمومية، التي كانت في نظر الفرج أساسًا من أساسات النهوض، فأدت دورًا في تطوّر الصحافة في المنطقة العربية، مثل إنشاء صحيفتيّ "القصيم" و"ظهران". وتوقف البازعي عند نشاط الفرج الصحفي، وذكر أنه نشر في صحيفة "الأهرام" المصرية مقالات ضدّ الاستعمار، فلاحقته سلطات الاستعمار حتى أخرجته من البحرين، حيث كان عضوًا في المجلس الاستشاري.

أمّا في حديثه عن علاقة الفرج بالسياسة، فقال البازعي إنّ الفرج كان يسعى إلى التقرُّب من دوائر صنع القرار، فكان لقاؤه بالملك عبد العزيز بن سعود (1876-1953) دلالةً على ذلك، وهو الذي آمن بقدرته الناشئة، وعيّنه قائمًا على البلديات المحلية بالنظر إلى خبرته الإدارية.

وذكر البازعي أن خطاب الفرج وكتاباته اتخذت شكلين متداخلين، الأوّل هو نقد الأوضاع المحلية التي سادها ضعف مواجهة المستعمر الأجنبي ورفض الفساد الذي كان مستشريًا في بعض البلدان العربية، والثاني هو مهاجمة الاستعمار ورفض وجود المحتل الأجنبي أو الهيمنة الاستعمارية.

وشدَّد على أنّ السؤال عن تكوُّن المثقف الخليجي يستلزم الإشارة إلى أيّ نوع من المثقفين ينتمي الفرج، وكيف كان يرى دوره بوصفه مثقفًا، وكيف أسهم المجتمع وأنظمته السياسية آنذاك بتكوُّن هذا المثقف. كما أنّ السؤال عن المثقف الخليجي يستلزم طرح مفهوميًا لماهيّة المثقف، فعلى سبيل المثال، إنّ تعريف المثقف العضوي الذي اشتهر به الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي (1891-1937) يستند إلى أُسُسٍ من الصراع القطبي والحزبي الذي عرفته إيطاليا في فترة ما بين الحربين، وقد وجد طريقه إلى نظرياتٍ مختلفة حول معنى الثقافة ودور المثقف، لكن تطبيقه خارج سياقه أثار الكثير من الالتباسات، ولم يكن ملائمًا في كثير منها. كما كان هناك العديد من التعريفات الأخرى ذات الصلة، مثل التصنيفات التي وضعها عبد الله العروي للمثقفين: الشيخ، ورجل السياسة، وداعية التقنية، إضافة إلى العديد من التعريفات الأخرى المصاغة للمثقف. لذا، فإنّه من المهم مفهمة المثقف أوّلًا.

وخلص البازعي في محاضرته إلى أنّ هناك خمسة عوامل أدّت إلى تكوّن خالد الفرج بوصفه مثقفًا، الأول أنّ التعليم المبكر في مدرسة حديثة نسبيًا، وهي المدرسة المباركية في الكويت، كان له دور في تفتح الوعي عنده، فهو من أوائل من تخرجوا في مدرسةٍ حديثة. ثانيًا، أدى انتماء الفرج إلى أسرة ميسورة الحال من قبيلة الدواسر دورًا في وصوله إلى مناصب مهمة معينة. ثالثًا، أدّى سفره وإقامته في الهند، وتعلّمه للغات أجنبية، إلى انفتاحه على الآخر المختلف. رابعًا، كانت الأوضاع السياسية في الخليج وهيمنة المستعمر عاملًا حاسمًا في تشكيل وعي الفرج لما يجب عمله بوصفه ابنًا للمنطقة. خامسًا، كان الاستعداد الشخصي حاسمًا في جعل الفرج فاعلًا واعيًا في تطوّر المنطقة إلى ما هي عليه الآن.

عقب ذلك، شهدت المحاضرة إقبالًا وتفاعلًا واسعين، فطرح عددٌ من الحضور تساؤلاتهم حضوريًا عن محاور عدّة، شملت الاختلاف بين تكوّن المثقف الخليجي بين الماضي والحاضر، وبين تكوّن المثقف وتكوين المثقف في الخليج، ولحظة ظهور شخصية المثقف الخليجي وتقابلها مع الحداثة، والتناقض البنيوي بين الفعل الاجتماعي والفعل السياسي لدى المثقف الخليجي، والجانب الديموغرافي الاجتماعي الذي نشأ الفرج في ظلّه، وغيرها.