نظّمت دورية عمران للعلوم الاجتماعية التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، بالشراكة مع كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، ندوة "الاستعمار الاستيطاني والأصلانية والصراع الفلسطيني ضد الصهيونية" أيام السبت والأحد والإثنين 19-21 آذار/ مارس 2022، في الدوحة.

شارك في الندوة 13 باحثة وباحثًا، وتناولت موضوع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بمقاربات نقدية، تستهدف الإطار النظري للاستعمار الاستيطاني وإشكاليات توظيفه، لفهم حالة إسرائيل والمشروع الصهيوني. وركز عدد من الأوراق البحثية المقدمة في الندوة على مقارنة الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بتجارب استعمارية أخرى، من أجل استجلاء آفاق نظرية جديدة. وتطرقت أوراق أخرى إلى الإشكاليات النابعة من دراسة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، انطلاقًا من أطرٍ منهجيّة متعددة ومتداخلة من حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية. وشمل برنامج الندوة مجموعة من الثيمات أهمها السوسيولوجيا التاريخية ومسألة تكوين الدولة الاستعمارية الاستيطانية، ودراسات الكولونيالية المقارنة وعلاقة القومية بالاستعمار، والمخيال الاستعماري - الاستيطاني وعلاقته بالعنصرية والعنف ورهاب الآخر، ومسائل الشرعية والسيادة وعلاقتها بالأصول الاستعمارية للقانون الدولي، وأخيرًا الدور الذي تؤديه مقاومة السكان الأصلانيين في دفع المشروع الاستيطاني الاستعماري إلى تطوير نُظُمِ سيطرته؟ أو إلى تعزيز مزج القومي بالديني.

في الكلمة الترحيبية، أشارت أمل غزال، أستاذة التاريخ وعميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، إلى أن هذه الندوة تُعدُّ استكمالًا لسلسلة "حوارات العصر: سجالات في الخطوط الأمامية للمعرفة الإنسانية" التي أطلقتها الكلية في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وهي ملتقيات سنوية تُهيء منبرًا لحوار أكاديمي في واحدة من قضايا العصر التي تشغل الرأي العام والمجتمع الأكاديمي، تستضيف لإطلاق الحوار في كل عام شخصية ذات مساهمة متميزة في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية، إلى جانب باحثين وأكاديميين متخصصين في القضية محلّ النقاش. وأشار مولدي الأحمر، رئيس تحرير دورية "عمران" للعلوم الاجتماعية، في كلمته الترحيبية إلى أن هذه الندوة تعدّ في جانبٍ منها تتويجًا لملف خاص أصدرته الدورية في العددين الثامن والثلاثين (خريف 2021) والتاسع والثلاثين (شتاء 2022) في موضوع الاستعمار الاستيطاني والصراع الفلسطيني ضد الصهيونية.

محمود ممداني محاضرا في الافتتاح

استُهلّت أعمال الندوة بمحاضرة افتتاحية، ترأسها رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا بالوكالة عبد الوهاب الأفندي، ألقاها أستاذ كرسي هربرت ليمان للحكم في جامعة كولومبيا محمود ممداني بعنوان "فلسطين/ إسرائيل من منظور ما بعد الفصل العنصري: الدولة - الأمة وحداثة ما بعد الاستعمار"، ركّز فيها على العلاقة بين الدولة - الأمة، والحداثة ما بعد الاستعمارية، والعنف المتطرف. فأشار إلى أنّ السردية الليبرالية المعيارية تنأى بتاريخ القومية عن تاريخ الاستعمار، لتسِم القومية بالحُسن، وتسم الاستعمار بالقبح، مبينًا أنّ كليهما وُلد صنوًا للآخر في عام 1492 في أيبيريا، لا في عام 1648، تاريخ توقيع معاهدة وستفاليا. وبدلًا من الاحتفال بالقومية بوصفها مركزية في ممارسة حق تقرير المصير القومي، أوضح الباحث أنّ انهمار العنف المتطرف في نهاية حقبة الاستعمار هو نتيجة سياسية ضرورية لعملية صناعة الأمة، التي تميز الأغلبية السيادية من جميع الأقليات غير السيادية، عبر تأسيسها تمييزًا إبستيميًّا وقانونيًّا بين أولئك المتحضرين وغير المتحضرين. وقد جرى تصدير هذا التمييز من الولايات المتحدة الأميركية إلى جنوب أفريقيا وألمانيا النازية، وأخيرًا إلى إسرائيل، وأُعيد تكييفه كل مرة باختلاف المكان والزمان.

وقد تطرق الباحث في محاضرته إلى أربع قضايا: أولًا، انطلاقًا من النظر إلى الولايات المتحدة بوصفها لحظة تأسيسية في تاريخ الاستعمار الاستيطاني، قارنَ بين الغزو الاستعماري للهنود من جهة، والسيطرة العنصرية على الأفارقة من جهة أخرى، بُغية التمييز بين الغزو الاستعماري والسيطرة العنصرية بوصفهما طريقتين مختلفتين للإخضاع، لكل منهما نتيجة جذرية مميزة؛ ثانيًا، تساءل: ما الفرق بين المهاجر والمستوطن؟ ومن خلال تجربة جنوب أفريقيا، عالج قضيتين أخريين: الأولى، كيف يجب أن نفكر في الهوية السياسية؟ أهي تاريخية ومتغيرة أم طبيعية ودائمة؟ إن إضفاء الطابع التاريخي على الهوية يعني النظر إليها باعتبارها وُلدت من شكل معيّن من أشكال الدولة، ومن ثمّ فهي قابلة للتغيير. لكن النظر إلى الهوية باعتبارها طبيعية - أي إنها تعبير أزلي عن ذات ثقافية فطرية وعابرة التاريخ - يعني النظر إليها بوصفها مطلبًا دائمًا؛ رابعًا، عالج الباحث ما يُعدّ أبسط الأمور في عملية انتقال جنوب أفريقيا بعيدًا عن إرث الفصل العنصري: ضرورة الفصل بين الوطن والدولة، في حال أردنا البحث عن بديل من الدولة - الأمّة.

وأخيرًا، وبالإجابة عن سؤال: ما الذي يمكن نقله من التجربة الجنوب الأفريقية؟ أشار الباحث إلى أن حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، يُمكنها المساهمة في تحقيق عزلة إسرائيل على الصعيد الدولي، لكن هناك حاجة إلى القيام بالمزيد من أجل أن يزدهر البديل غير الصهيوني في إسرائيل نفسها. فالحاجة الآن، كما كانت الحال في جنوب أفريقيا، هي إلى ثورة معرفية تفتح الطريق أمام ثورة سياسية. ستأتي اللحظة الفارقة الفلسطينية عندما تقود الدينامية نفسها التي أدت إلى وحدة المضطهَدين إلى عزل المضطهِدين، ذلك عندما لا يكون المضطهَدون وحدهم من يسعون للتغيير السياسي، بل أيضًا كثير من المؤيدين الحاليين للنظام الصهيوني. يتطلّب الوصول إلى هذه المرحلة نوعًا جديدًا من الوعي السياسي داخل إسرائيل، وهو وعي يقوم على الاعتراف بأن مسألة ازدهار اليهود والحياة اليهودية لا يتطلّبان دولة صهيونية. أمّا فحوى الدرس الجنوب أفريقي، والعبرة التي يجب إيصالها إلى الإسرائيليين بأكبر قدر ممكن، فهي أن اليهود لا يحتاجون إلى دولة يهودية ليكون لهم مقام آمن في فلسطين/ إسرائيل. وأما الدرس الذي يجب أن تتعلّمه حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، فهو أنها في حاجة إلى البناء على المكاسب التي حققها التجمع الوطني الديمقراطي (بلد)، لا أن تعتبر أنها بديل منه. سيكون إنجاز ذلك بمنزلة توفير إطار سياسي لليهود الإسرائيليين المعادين للصهيونية، وحتى لغير الصهيونيين منهم.

الادعاءات الدينية والقومية في إطار الصهيونية

شهد اليوم الثاني، الأحد 20 آذار/ مارس 2022، محاضرة عامة، أدارها رئيس تحرير دورية "عمران" مولدي الأحمر، وقدمها نديم روحانا، أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الصراع في جامعة تافتس، تحت عنوان "الصهيونية ومعضلة شرعيّة الاستعمار الاستيطاني: الرد بالدّين على المقاومة الفلسطينية"، بحث فيها حالة تفاعل المطالب القومية والدينية والاستعمارية الاستيطانية في إطار المشروع الصهيوني، كاشفًا عن الدور الأساس، الذي قام به هذا التفاعل في التعتيم على الاستعمار الاستيطاني، بوصفه إطارًا تحليليًا مناسبًا لدراسة الصراع بين الحركة الصهيونية والفلسطينيين. وقدّمَ الباحث ثلاث أطروحات رئيسة: أولًا، إن اعتماد المطالب القومية اليهودية على الادّعاءات الدينية يُستعمل للتعتيم على واقع المشروع الصهيوني في فلسطين، بوصفه مشروعًا استيطانيًا. ثانيًا، إن أحد أسباب تغلغل الدين في المجال العام الإسرائيلي، واعتمادية التيارات الصهيونية "العلمانية" المتزايدة على الادّعاءات الدينية، هو الحاجة إلى الشرعية في مواجهة المقاومة الفلسطينية المتصاعدة. ثالثًا، في الوقت الذي كان فيه التحول إلى فصل الدين عن الدولة أمرًا ممكنًا في سياقات استعمارية استيطانية أخرى، فإن التحول إلى العلمانية عصيّ في المنظومة الصهيونية، ولا يُمكن أن يحدث إلّا خارجها.

الاستعمار الاستيطاني: فلسطين وجنوب أفريقيا

تضمنت الجلسة الأولى من الندوة في يومها الثاني، والتي أدارتها أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت ريما ماجد، ورقتين. قدم الأولى سول دوبو، أستاذ كرسي سموتس لتاريخ الكومنولث في جامعة كامبريدج، تحت عنوان "الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وفلسطين/ إسرائيل: التلاقي والتباين"، ركّز فيها على مصطلح "الفصل العنصري" الذي شاع استخدامه على نحوٍ متزايد لربط الوضع السياسي في فلسطين/ إسرائيل بالوضع في جنوب أفريقيا. تناول الباحث الأدلة المقدمة على ذلك، من وجهة نظر تاريخية، مشيرًا إلى أنه رغم وجود العديد من أوجه الشبه بين الوضعين، فإن بينهما أيضًا اختلافات بنيوية مهمة، تتعلق بالأرض والعمل وسياسات الإدماج والإقصاء، فضلًا عن ديناميكيات المقاومة والقمع. وجادل بأنه في عام 1948 – وهو العام الذي أصبح فيه الفصل العنصري السياسة الرسمية لحكومة جنوب أفريقيا، والعام الذي شهد أيضًا ولادة دولة إسرائيل – بدا المجتمعان مختلفين تمامًا، ولم ينتميا إلى النوع نفسه من أنظمة المستوطنين، وكان يُنظر إليهما على نحوٍ مختلف تمامًا من منظور دولي. ومع ذلك، بينهما أوجه شبه عدة فيما يتعلق بالقمع الوحشي.

وفي موضوعٍ ذي صلة، قدّمَ إيلان بابيه، مدير المركز الأوروبي للدراسات الفلسطينية في جامعة إكستر، ورقة بعنوان "القانون الدولي والاستعمار الاستيطاني في فلسطين التاريخية"، حاجّ فيها بأن القانون الدولي قد أخفق حتى اليوم في تغيير الوضع القائم في فلسطين التاريخية. وعلى الرغم من تأثير خطاب القانون الدولي لحقوق الإنسان في الرأي العام العالمي، واتخاذ فئات من المجتمع اليهودي في إسرائيل موقفًا ضد انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة، فإن القانون الدولي لا يملك عمومًا ما يؤهّله للتعامل مع جذور المعضلة في القضية الفلسطينية، والتي تتعلق بالاستعمار الصهيوني وما يحظى به من حصانة دولية. ووضّح الباحث أن أسباب ذلك بعضها تاريخي، وبعضها الآخر ذو صلة بالحصانة الدولية التي تُضفى على دول الاستعمار الاستيطاني عمومًا. أما تغيير هذا الوضع، فيتطلب التركيز على مفهوم الشرعية الدولية التي كان لها دور أساس في إنهاء دولة الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.

الاستعمار الاستيطاني في فلسطين

عُقدت الجلسة الثانية في اليوم نفسه، وأدارها الطاهر سعود، أستاذ علم الاجتماع في جامعة سطيف 2 بالجزائر، وقُدّمت فيها ثلاث أوراق. الأولى لأشرف عثمان بدر، المحاضر في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بجامعة بيرزيت، بعنوان "الاستعمار الاستيطاني في فلسطين بين البنية والصيرورة: محو وإزالة أم تحكم وسيطرة؟"، حاولَ فيها الإجابة عن سؤال مركزي: ما المنطق الجامع الذي يقوم عليه الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، أهو "بنية" أم "عملية" مستمرة ومسار يخضع للمتغيرات؟ ومن خلال توظيف مفهوم ميشيل فوكو للسلطة وأنواعها، جادل الباحث بأن الاستعمار الاستيطاني في فلسطين عبارة عن مسار عملي، يخضع للمتغيرات على الأرض التي منها فاعلية المحكومين واللاعبين الدوليين والإقليميين الرئيسين، والسياقات التي تجري فيها العملية برمتها، علاوة على أن هذا المسار قائم على التجربة والخطأ، وأن المنطق الجامع له هو السعي للضبط والتحكم والسيطرة الذي يدار بمجموعة من السياسات، من أهمها المحو والاستغلال الاقتصادي وإدارة السكان.

أمّا طارق دعنا، الأستاذ المساعد في برنامج الماجستير في إدارة النزاع والعمل الإنساني بمعهد الدوحة للدراسات العليا، فشرح في ورقته "الإنتاج العسكري - الأمني واقتصاد الحرب في سياق الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي"، العلاقة العضوية بين التطور في مجال الإنتاج العسكري - الأمني الإسرائيلي وبنية الاستعمار الاستيطاني في فلسطين. مجادلًا بأن بنية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي تنمو وتتوسع استنادًا إلى اقتصاد الحرب، الذي لا يشكّل أحد مرتكزات مفهوم القوة في الأيديولوجيا الصهيونية فحسب، وإنما أيضًا أداة مركزية في تشكّل الدولة والمجتمع في إسرائيل.

أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة فكانت بعنوان "إعادة التفكير في شرط الحكم غير المباشر: تحولات أشكال الحكامة الكولونيالية الإسرائيلية وأنماط مقاومتها"، قدّمها الباحثان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هاني عواد ومريم هواري، وجادلا فيها بأن نظام الحكامة الاستعماري - الاستيطاني في الضفة الغربية وقطاع غزة ومقاومته، شهدا ثلاث مراحل متعاقبة، تميزت كل واحدة منها بنوع محدد من أشكال الحكم الكولونيالي المباشر أو غير المباشر. وقد جرت مقاومة كل واحد منها كذلك بنمط محدد من أنماط الفاعلية السياسية الجماعية، ذات الطابع المركزي أو اللامركزي. واستنتج الباحثان أن شكل الحكامة الاستعمارية - الاستيطانية الإسرائيلية، ومنطقها الناظم، لا يتوقفان على الإرادة الكولونيالية فحسب، بل كذلك على تفاعلها مع المقاومة الفلسطينية.

المخيال الاستعماري - الاستيطاني وعلاقته بالعنصرية ورهاب الآخر

شهد اليوم الثالث، الإثنين 21 آذار/ مارس 2022، محاضرة عامة، أدارتها عميدة كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بمعهد الدوحة أمل غزال، وقدمها لورينزو فيراسيني، الأستاذ المشارك في جامعة سوينبرن للتكنولوجيا، بعنوان "الإسلاموفوبيا ومعاداة الساميّة والصهيونية والاستعمار الاستيطاني"، بحث فيها حالة علاقة الإسلاموفوبيا بمعاداة الساميّة، في سياق التحوّل الأخير الذي شهدته أوساط اليمين الأوروبي الراديكالي نحو مواقف مؤيدة لإسرائيل، مبتعدًا بذلك عن معاداته التقليدية للساميّة. وبقطع النظر عمّا لهذا التحوّل من تجلّيات أميركية وأسترالية، يؤكد الباحث على الدور التأسيسي الذي تؤدّيه المخيالات الاستعمارية والاستعمارية الاستيطانية في تغذية العلاقات الدينامية بين ظواهر الرهاب من هذا النوع، ومن ثم خلص إلى أن تعبيرات الإسلاموفوبيا الحالية يمكن اعتبارها معاداة ساميّة بديلة.

تفكيك الاستعمار وإعادة الاعتبار للحقوق الوطنية

في اليوم نفسه، أدارت آية عمران راندال، الأستاذة المساعدة في برنامج الماجستير في حقوق الإنسان في معهد الدوحة، الجلسة الثالثة، التي قدمت فيها دانا الكرد، الأستاذة المساعدة في قسم العلوم السياسية في جامعة ريتشموند، ورقة بعنوان "العودة إلى الحقوق الوطنية في ’الصراع‘ الفلسطيني - الإسرائيلي"، تطرقت فيها إلى توسّع آفاق الخطاب حول مستقبل فلسطين، من خلال جعل الإطار "الديكولونيالي" أكثر حضورًا في الوعي الشعبي، إثر انتفاضة الفلسطينيين في عام 2021. ومع ذلك، أشارت الباحثة إلى أن هذا التحول في الخطاب لا يعكس النقاشات الجارية في الأوساط السياسية وبين المثقفين؛ إذ يتحدث بعض المناصرين عن الفصل العنصري ويدافعون عن "مقاربة قائمة على الحقوق"، في حين يتحدث المثقفون اليساريون عن الاستعمار الاستيطاني وإنهاء الاستعمار. ومن ثمّ، يُهدد خليط المصطلحات والمطالب هذا، والذي غالبًا ما يتسرب إلى الخطاب الشعبي، بتشويه جوهر النضال الفلسطيني، الذي يتمثل ببساطة في النضال من أجل السيادة.

أمّا فرانشيسكو أموروزو، عضو المركز الأوروبي لدراسات فلسطين في جامعة إكستر، فعالج في ورقته "تفكيك الاستعمار الاستيطاني: أفكار في الحياة العادية والتطبيع وسياسة الاعتراف" الاستعمار الاستيطاني، لا بوصفه بنية اجتماعية فقط، بل بوصفه مشروعَ مُهيمنٍ في المقام الأول. وجادل بأنه في إمكان معالجةٍ مثل هذه التغلّب على قيود التنظير لتفكيك الاستعمار (وممارسته). وجادل الباحث بأن الدول الاستيطانية تنتج أنظمة مهيمنة من الحياة العادية، تُرسّخ الاستعمار الاستيطاني داخليًا وخارجيًا؛ فمنذ قيام دولة إسرائيل، اهتمت الحركة الصهيونية بتطبيع إسرائيل دوليًا وإقليميًا. وإذا كانت الحياة العادية داخل إسرائيل تدعم إعادة إنتاج السلب الاستعماري الاستيطاني، فإن السعي للتطبيع قد يكشف عن رؤى مهمة عن عدم استقرار الأنظمة الاستعمارية الاستيطانية. ويخلصُ الباحث أنه إذا كان الاستعمار الاستيطاني تاريخيًا هو الاستراتيجية الأكبر والأكثر فاعلية في مناهضة الثورة، فإن الانقسام الثوري هو الذي في إمكانه فقط أن يفسد المسار الاستيعابي والتطبيعي لسياسات الاعتراف الاستعمارية الاستيطانية.

مواجهة السرديات الاستعمارية: أسئلة الأصلانية والمحلّانية

عُقدت الجلسة الرابعة والأخيرة في اليوم نفسه، وأدارها صقر النور، الباحث الزائر في جامعة برلين الحرة، وقُدّمت فيها ورقتان. الأولى لحميد دباشي، أستاذ كرسي هاكوب كيفوركيان بقسم الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا، بعنوان "أين فلسطين في العالم؟"، تساءل فيها: أين فلسطين في العالم، لا العالم الفيزيائي فحسب، بل العوالم الأخلاقية والخيالية القوية سياسيًا، التي اعتدنا على تمييزها بالعوالم الاستعمارية، أو ما بعد الاستعمارية، أو حتى العوالم التي فككت الاستعمار؟ مشككًا في مشروعية هذه التصنيفات إذا لم يكن فيها مكان لفلسطين، كونها بذلك لا تمثل أمةً أو شعبًا، أو فضاءً مشحونًا بالعواطف، يقع وطنُه تحت احتلال مستعمر استيطاني.

أخيرًا، فحصت ميكايلا سحار، المحاضرة في تاريخ الأفكار في كلية ترينتي بجامعة ملبورن، في ورقتها "عودة المحلّاني: الأصلانية والاستعمار الاستيطاني والمفارقات المتعددة في السرديات التذكارية الإسرائيلية - الأسترالية لحملة فلسطين" أحد الأمثلة على النزعة المتمثلة في سعي إسرائيل لوضع نفسها في صف عدد من النضالات الأصلانية، من أجل التحايل على طبيعتها الاستعمارية - الاستيطانية، تحديدًا في المناسبات التذكارية التي تتعلق بمئوية "حملة فلسطين"؛ وهي حملة عسكرية خاضها جنود أستراليون في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية. وتجادل الباحثة بأن السياسات الإسرائيلية الرسمية لإحياء هذه الحملة، والدور الحديث والمركزي للجنود الأصلانيين فيها، كانت استراتيجية خبيثة للدولة الإسرائيلية، وُضعت لإلغاء سردية الفلسطينيين وأصلانيتهم في أرضهم.