عقدت وحدة الدراسات الاستراتيجية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يوم الإثنين 17 نيسان/ أبريل 2023، محاضرة بعنوان "النساء ودراسات الاستخبارات: القوات الجوية المساعدة النسائية في المخابرات الجوية البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية"، قدمتها سارة-لويز ميلر، باحثة زائرة في كلية التاريخ بجامعة أكسفورد ومحاضرة في قسم الدراسات الدفاعية في كلية كينجز لندن، وأدار الجلسة مهند سلوم، أستاذ مساعد في برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا.
استهلت ميلر محاضرتها بالإشارة إلى أنّه غالبًا ما يجري الاحتفاء بشجاعة طياري سلاح الجو الملكي البريطاني المعروفين باسم "القلّة the Few"، والذين واجهوا سلاح الجو الألماني (لوفتوافه Luftwaffe) ودافعوا عن المملكة المتحدة خلال معركة بريطانيا (1940)، وبُذلت الجهود مؤخرًا للتعرف على الآلاف الذين دعموا عمليات سلاح الجو الملكي البريطاني من وراء الكواليس. وتأتي محاضرة ميلر في هذا السياق، بهدف التركيز على جهود مجموعة تغيبُ تقليديًا عن السرديات، ألا وهي القوات الجوية المساعدة النسائية في المخابرات الجوية البريطانية.
ثم أوضحت ميلر أنّ النساء نشطن في القوات البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى، ولم تكن ثمّة حاجة إلى الوحدات النسائية المساعدة في فترة ما بين الحربين، إلّا أنّ مشاركتهن تعززت خلال الحرب العالمية الثانية، بعد قيام الحكومة البريطانية بإعلان التعبئة، رغم أنها لم ترغب في بادئ الأمر في تجنيد النساء، فضلًا عن أنه لم يرُق عامة الناس ارتداء النساء للبزّة العسكرية، لكن الحكومة البريطانية اضطرت إلى ذلك بسبب كثرة الإصابات في صفوف الجنود الرجال. وأكّدت ميلر في هذا السياق، أنّه على الرغم من أن مشاركة النساء في القوات البريطانية جاءت بسبب أزمة نقص الرجال، فإنّ مشاركتهن لم تكن عددية فقط، بل يعزو البعض النصر في الحرب العالمية الثانية إلى دورهن الفعّال.
وبيّنت ميلر أنّ عمل القوات الجوية المساعدة النسائية كان يجري خلف الكواليس غالبًا؛ إذ كان دور النساء يتركز في جمع المعلومات الاستخباراتية ونشرها، والتي ساهمت على نحوٍ كبير في نصر قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية في عددٍ من المعارك والعمليات الجوية الفردية، وكذلك في تحقيق النصر النهائي في عام 1945. وقد عملت أولئك النساء في رادارات الدفاع الجوي والدفاع الجوي المتكامل، واستخبارات الإشارات والاتصالات والاستطلاع الفوتوغرافي ومعامل تحليل الاستطلاعات، ومختلف أشكال الاستخبارات الأخرى الضرورية لجهود سلاح الجو الملكي البريطاني في الحرب العالمية الثانية، والتي يُعزى النصر إليها، جزئيًا على الأقل.
وفي السياق ذاته، ذكرت ميلر أن تجربة مشاركة النساء، في القوات العسكرية في المملكة المتحدة، تتشابه مع الدول المعروفة باسم الكومنولث، والتي تضمُّ نيوزلندا وأستراليا وكندا وغيرها، والتي اتبعت النمط البريطاني، إلّا أنها تختلف عن بعض الدول الأوروبية الأخرى والاتحاد السوفياتي، التي كانت تؤدي فيها النساء أدوارًا متقدمة أكثر كقناصات وطيّارات، على عكس ألمانيا التي لم تُفعّل دور النساء إلّا قليلًا. وأشارت إلى أن مشاركة النساء تعززت في القوات البريطانية خلال حقبة رئيس الوزراء ونستون تشرشل، لاعتقاده أن الجنود الألمان يتبنون نظرةً دونية إلى النساء ويشعرون أنهن لا يُمثلن خطرًا مقارنةً بالرجال؛ ما رأى فيه نقطة ضعف يجب استغلالها، فعمل على تعزيز توظيف النساء في الاستخبارات.
وقد أعقب المحاضرة نقاشٌ ثريّ شارك فيه باحثون في المركز العربي وأساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا وطلبته.