نظمت وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يوم الثلاثاء 16 أيار/ مايو 2023، ندوةً بعنوان "صراع الجيش والدعم السريع ومستقبل الأزمة في السودان"، قدّمها كل من: عبد الوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا ونائب الرئيس للشؤون الأكاديمية، وحامد علي الأستاذ المشارك وعميد كلية الاقتصاد والإدارة والسياسات العامة في معهد الدوحة، وأحمد أبو شوك أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر، وحمزة بلول وزير الإعلام السابق في السودان. وناقشت أسباب تفجّر الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتداعياته على المشهد السياسي والأمني في السودان.

جذور الأزمة

بدأ أحمد أبو شوك أعمال الندوة بتوصيف جذور الأزمة ومسبباتها الحقيقية، باعتبارها أزمة مركّبة لا تنحصر في كونها بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل يتداخل فيها المكوّن المدني مع العسكري، وتتقاطع مع أبعاد إقليمية ودولية. وناقش نشأة الجيش السوداني، باعتباره مكونًا رئيسًا من مكونات الدولة الحديثة في السودان ما بعد الاستقلال. لكن في مرحلة لاحقة بدأت عمليات التجنيد والتعيين لجنود لديهم انتماءات سياسية محددة، بما يخالف ما نصّ عليه قانون القوات المسلحة، باعتبارها قوات نظامية قومية التكوين وغير حزبية. بناءً عليه، حدثت عملية الاختراق من الداخل، فساهمت المؤسسة العسكرية في انقلابات مدعومة من أحزاب سياسية.

أما عن قوات الدعم السريع فأشار أبو شوك إلى أن قيادة المؤسسة العسكرية هي التي خلقتها، موضحًا أن الأخيرة نشأت نشأةً قبلية بهدف مساندة القوات المسلحة في صراعها مع الحركات ذات النزعة المطلبية المسلحة في دارفور، فأصبحت قيادتها ذات طابع قبلي، ولم يمرّ معظم المنخرطين فيها بعمليات التدريب والتعيين التي شهدتها المؤسسة العسكرية.

ثم انتقل أبو شوك ليصف تناقضات المشهد السياسي، مفكِّكًا قوى الثورة (المكوّن المدني) وعلاقتها بالمكوّن العسكري، ودور القوى الإقليمية والدولية في تأزيم الأوضاع وتصاعد التناقضات، مشيرًا إلى أن الاتفاق الإطاري لم يكن السبب الوحيد لتفجّر الأزمة، بل كان القشة التي قسمت ظهر البعير.

نحو مشروع وطني لبناء دولة ديمقراطية في السودان

تناول حامد علي أطروحات من شأنها أن تتعامل مع تداعيات الأزمة ومآلاتها، مقدِّمًا بذلك مهمات المرحلة التالية، التي بدأها بضرورة إعادة بناء الجيش الوطني باعتباره العمود الفقري للدولة، مشيرًا إلى وجود تشوّهات في منظومة القوات المسلحة من جراء تدخّلها في الشأن السياسي، واستخدام ميليشيات في حروبها الداخلية.

وتحدّث عن ضرورة التصدي للأزمة الإنسانية في ظل التقديرات الأممية حول تأزم الأوضاع، وضرورة إيصال المساعدات وتوفير الأمن ووقف جميع الانتهاكات وتوفير سلاسل الإمداد عبر التنسيق مع دول الجوار والمجتمع الدولي، وعودة النازحين إلى مناطقهم ومدنهم ستكون من أولويات الحكومة الانتقالية ومن مهماتها. ثم عرّج على ضرورات الإصلاح الاقتصادي بوصفها أولوية يجب أن تُمنح لتأهيل القطاع الزراعي ورفع القيود عنه. وأشار إلى حتمية تحقيق العدالة الانتقالية وغرس مبادئ العدالة على أسس عقلانية بعيدًا عن التطرف والاستقطاب. وختم متناولًا أهمية ترميم العلاقات الخارجية والحاجة إلى مراجعة بعض الاتفاقيات القائمة بما يخدم المصلحة العامة، ويساعد في تحقيق مكاسب ملموسة في مجالات التنمية والازدهار الاقتصادي والدعم للفئات الأضعف والأشد تضررًا.

الميليشيات وعسكرة الحراك المدني

أشار عبد الوهاب الأفندي إلى أن المواطن السوداني، في الفترة المسماة الديمقراطية الفائتة، لم يعد قادرًا على التكلّم. وطوّر في هذا السياق نظرية حول سرديات الأمن وانعدامه، التي تدفع بقوة نحو عملية الاستقطاب السياسي وكذا في العسكرة، فالدعوة إلى الانتقام وإشاعة الخوف تؤديان إلى خلق حالة دفاعية وإلى حالة من "المزايدة في التطرف"، في ظل حالة التخويف والتهويل.

وأوضح محاذير الاتفاق الإطاري، على أنه أكد أيضًا عدم وجود بديل منه، مع ضرورة الاستمرار في العمل على بناءٍ ديمقراطي حقيقي، ودستور يحدّ من سلطة الحاكم ويضمن لكل الفئات أمنها، بما يتسق أيضًا مع ضرورة إخراج الجيش من المشهد السياسي.

وأشار الأفندي إلى أن الاتفاق الإطاري وفق الصيغة التي قُدّم بها، أعطى حميدتي وقوات الدعم السريع حصانة من الإصلاح الداخلي الذي يخضع له الجيش، بحيث أُعطيت عشر سنوات حتى تدمج في الجيش، وفي ظل الوعي بأن قوات الدعم السريع تمكّنت خلال أربع سنوات من زيادة قوّتها، وأصبحت مهيمنة، فكيف يمكن أن "نتوقع أن يكون لها منازع بمضيّ عشر سنوات!". بناءً عليه، عبّدت صيغة الاتفاق الطريق للحرب، وأعطت مؤشرًا على انهيار الدولة في السودان في حال غياب ديمقراطية حقيقية قادرة على خلق توافق وطني.

المسار السياسي لانهاء النزاع في السودان

في المداخلة الأخيرة، أشار حمزة بلول إلى خلفيات بدء الحوار السياسي عقب انقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر، وعرّج على أهم القضايا التي حسمها الاتفاق السياسي مقارنًا باختصار الاتفاق الإطاري بالوثيقة الدستورية 2019، ومعايير اختيار القوى الموقّعة الاتفاق، وصولًا إلى أهم مخرجات ورش هذا الاتفاق، بما فيها التوافق على أسس الإصلاح الأمني والعسكري، حيث استعرض بلول بعض النقاط الواردة في ورقة مبادئ وأسس الإصلاح، وأشار إلى الاختلافات حول المدى الزمني للدمج وتشكيل القيادة العسكرية. وتناول كيفية إنهاء الحرب والعودة إلى منصة التأسيس، أي "الاتفاق الإطاري".