اضطلعت الأمم المتحدة، على مدى 78 عامًا، منذ تأسيسها، بأدوار مهمة في قضية فلسطين. ويعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين من أكثر الأحداث دلالةً في تاريخ فلسطين الحديث؛ نظرًا إلى ما ترتب عليه من مآسٍ من جرّاء قيام دولة إسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في تقرير مصيره. ونظرًا إلى أهمية هذا الدور وبمناسبة يوم الأمم المتحدة، الذي يوافق 24 تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، نظّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة بعنوان "الأمم المتحدة وفلسطين"، يوم 24 تشرين الأول/ أكتوبر، وشارك فيها خبراء عملوا في هذه المنظمة الدولية.

افتتح الندوة البروفيسور مايكل لينك، المقرّر السابق الخاص للأمم المتحدة المعنيّ بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967، بمداخلة بعنوان "الأمم المتحدة وانتصار السياسة على القانون الدولي في حالة فلسطين". وشدد لينك على أنه لا يوجد احتلال في العالم الحديث قد خصص له القانون الدولي مساحة شبيهة بتلك التي يحظى بها موضوع فلسطين، ولا توجد قضية في الأمم المتحدة صدر حولها عدد القرارات التي اعتمدتها المنظمة بشأن فلسطين، وأشار إلى أن المفارقة تكمن في نجاح إسرائيل، بدعم قوي من الولايات المتحدة الأميركية، في تهميشها القانون الدولي باطراد. وخلص إلى أن الحالة في فلسطين خير مثال على أن القانون الدولي أقرب إلى السلطة منه إلى العدالة؛ ما يستدعي مواصلة العمل من أجل تغيير هذه المعادلة.

وقال لينك إنه أحد موقّعي عريضة وقّعها أكثر من 800 أكاديمي وباحث في القانون الدولي عبر العالم، للتحذير من احتمال ارتكاب إسرائيل جريمة إبادة جماعية في غزة، موضحًا أن الإبادة تعتبر ربما "جريمة الجرائم"، وتقوم بالأساس على وجود نية لتدمير شعب معين كليًّا أو جزئيًّا، وتستوجب أدلة على وجود نية الإبادة وأعمالها. وأوضح أن البرهنة على ارتكاب جريمة الإبادة في حق الفلسطينيين في غزة تستوجب التحلي بقدر من "الصبر الاستراتيجي" الذي تحلّت به المنظمات الحقوقية الدولية والفلسطينية، عند مثابرتها على توثيق جريمة الفصل العنصري (الأبارتهايد) سنوات، مكّنها من عرضها على نحو لا يدع مجالًا للشك في ارتكاب هذه الجريمة.

وفي مداخلة بعنوان "القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة بين الغياب والتغييب"، تطرق الدكتور عبد الحميد صيام، المحاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في جامعة رتغرز في ولاية نيوجرسي الأميركية، إلى العلاقة بين القضية الفلسطينية والأمم المتحدة من منظور تاريخي. وشدّد على العلاقة الجدلية بين الوضع العربي العام والقضية الفلسطينية من زاوية الحضور والتأثير في الجمعية العامة ومجلس الأمن. وأوضح أنه حينما تضافر العرب وتوحدوا بعد حرب أكتوبر 1973، انتعشت القضية الفلسطينية، واعتمدت قرارات تاريخية، وحينما تفرقوا وتشتتوا انعكس ذلك سلبيًا على القضية وتهميشًا لها في الأمم المتحدة.

وأوضح صيام أن القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة قد مرت بخمس مراحل متتالية: 1. مرحلة تدمير فلسطين وإنشاء إسرائيل، وقد استمرت بين عامي 1947 و1952؛ 2. مرحلة الغياب نسبة إلى غياب البند المعنون "قضية فلسطين" عن الجمعية العامة ومجلس الأمن بين عامي 1952 و1973؛ 3. مرحلة النهوض الفاعل والقرارات التاريخية التي اعتمدتها أجهزة الأمم المتحدة بين عامي 1973 و1981، التي تقر بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرّف؛ 4. مرحلة رد الفعل على الأحداث بين عامي 1981 و2003، وفيها أصبحت الأحداث هي التي تجر المجموعة العربية نحو الأمم المتحدة وليس العكس؛ نظرًا إلى ضعف المجموعة منذ اتفاقية كامب ديفيد حتى توقيع اتفاقيتَي أوسلو ووادي عربة؛ 5. مرحلة التغييب التي تستمر منذ عام 2003، والتي ضعفت خلالها القضية في الأمم المتحدة بضعف العرب، بعد حرب الخليج الثانية والانقسام الفلسطيني وثورات الربيع العربي.

أما المتحدث الثالث، الدكتور غسان الكحلوت، مدير مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فقد سلّط الضوء على طبيعة العمل الإنساني للأمم المتحدة في حالة الحرب عمومًا، وفي إطار الحرب على غزة خصوصًا. وأوضح أن العاملين في الحقل الإنساني في غزة وبقية مناطق الحرب، سواء عملوا مع الأمم المتحدة أو مع المنظمات غير الحكومية، هم غير مطالبين بالموت والاستشهاد، بل هم موظفون قبل كل شيء، يعملون في إطار ما يُعرف بـ "بروتوكول الأمن والأمان" الذي يحرص على إخلائهم متى أصبح خطر الموت محدقًا بهم.

وفي معرض الحديث عن عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى "الأونروا"، شدد على أهمية العمل الذي تضطلع به المنظمة منذ تأسيسها في عام 1949، ويرى أنه على الرغم من الانتقادات التي تُوجّه إليها، فإنها قدمت العديد من الخدمات الأساسية وساهمت في صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

وأضاف أن العمل الإنساني يخضع للقرارات السياسية، وأن الحكومات هي الممول الرئيس لعمل المنظومة الإنسانية الدولية. وأكد على خذلان صانعي القرار في الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني في غزة، وفشله في توفير الحماية للمدنيين والممرات الآمنة والهدنة الإنسانية.

وشهدت الندوة تفاعلًا مع الجمهور الذي ركّز على فشل الأمم المتحدة في تطبيق قراراتها من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضمان حقوق الشعب الفلسطيني.