بدون عنوان

جانب من المشاركين في المؤتمر عبر تطبيق زووم خلال المحاضرة الافتتاحية
عزمي بشارة محاضرا في افتتاح المؤتمر الثامن للعلوم الاجتماعية والإنسانية
عزمي بشارة محاضرا في افتتاح المؤتمر الثامن للعلوم الاجتماعية والإنسانية
عزمي بشارة محاضرا في افتتاح المؤتمر الثامن للعلوم الاجتماعية والإنسانية
الدكتور عزمي بشارة
من المحاضرة الافتتاحية
من الجلسة الأولى
الجلسة الثانية
جانب من النقاش خلال الجلسة الثالثة

بدأت اليوم الأحد، 21 آذار/ مارس 2021، أعمال الدورة الثامنة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية الذي يعقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في موضوع "الدولة العربية المعاصرة: التصوّر، النشأة، الأزمة".

وقد استهلّ المؤتمر أعماله بمحاضرة عامة قدّمها المدير العام للمركز الدكتور عزمي بشارة، في موضوع "الدولة والأمة ونظام الحكم: التداخل والتمايز". ثم أعقبها جلسة أولى قدّم فيها الدكتور عبد الوهاب الأفندي، رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا بالوكالة، ورقةً بحثية بعنوان "ما بعد خرافة الدولة العميقة: (إعادة) موضعة السلطة في العصر الماكيافيلي الجديد"، اشتبك فيها نقديًّا مع مفهوم الدولة الحديثة من زاوية ما سماه "خرافة الدولة العميقة"، في إشارة إلى مفهومٍ استعارته الشعبويات اليمينية من سرديات ظهرت أول ما ظهرت في منطقة الشرق الأوسط. وأكّد الأفندي أنّ الدولة الحقيقية لا بد من أن تكون علنية وشفافة في تعاملها، ولو صح وجود جهة مغتصبة لسلطان الدولة تعمل في السر، فإنه لا يصح وصفها بأنها "دولة"، ولا بد من استخدام الوصف الصحيح، وهو عصابة اغتصبت سلطان الدولة. ومن ثمّ، انتقد بعض تجليات الماكيافيلية في الفكر السياسي الحديث، سواء في مزاعم ماكس فيبر من جهة أن العنف أساس الدولة وكذلك أساس السياسة، وزعمه أن احتراف السياسة هو صفقة مع الشيطان، أو في مقولات مايكل والزر وغيره المتعلقة بـ "الأيدي القذرة"؛ أي ادعاء أن السياسي يجد نفسه دائمًا مدفوعًا لارتكاب أهون الشرين. ورأى أن ذلك هو الوجه الآخر لخرافات الدولة العميقة، وتبرير لخلق مثل هذا الكيان، في حين أن دور الدولة يجب ألّا ينظر إليه في حق "احتكار العنف"، بل في مهمة إخراج العنف من الساحة السياسية، وإخضاعه لشرعية العدل والتوافق.

ثم عرض أدهم صولي وريموند هينبوش، وكلاهما أستاذ للعلاقات الدولية وسياسة الشرق الأوسط بجامعة سانت أندروز البريطانية، ورقةً بحثية بعنوان "الدولة العربية: النظرية والتطبيق"، قدّما فيها إطارًا نظريًّا لتشكّل الدولة وتطوّرها وتفكّكها في العالم العربي، مع تناول حالات إمبريقية، اعتمادًا على منهجية تاريخية مقارنة. وانتهى الباحثان في مقاربتهما إلى نتيجة أساسية مفادها أنّه يمكن وصف بناء الدولة في العالم العربي بالمنحنى الجرسي، بدلًا من المقاربة الخطية في مفهوم الدولة الفيبري أو الويستفالي، وأنه يمكن تفسير ذلك، جزئيًّا على الأقل، بأنّه على الرغم من أنّ بناة الدولة تعلّموا كيفية إنشاء أنظمة محصّنة عن طريق استراتيجيات احتكار السلطة، فإنهم لم يتمكّنوا من إنشاء مؤسسات شاملة، ضرورية لشرعنة سلطتهم، ومن ثمّ لبناء ائتلاف واسع من القوى الاجتماعية. وفي حين أنّ بناء النظام قد يمثّل خطوةً أولى ضرورية نحو بناء الدولة، يخلص صولي وهينبوش إلى أنّ الإصرار المفرط على بناء النظام، خاصّة مع وجود دافع للحفاظ عليه، أعاق إمكانية التقدّم نحو بناء الدولة العربية.

أما الجلسة الثانية فاستُهلّت بمحاضرةٍ للدكتور علي الصالح مولى، أستاذ التعليم العالي المتخصص في قضايا الفكر العربي الحديث والمعاصر بجامعة صفاقس بتونس، تدور رحاها حول مصطلح "الدولة الهجينة"، وعنوانها "من ’الدولة الوطنية‘ مشروعًا إلى ’الدولة القطرية‘ واقعًا: بحث في مسارات تَشكّل ’الدولة الهجينة‘"، انطلق فيها من فرضية مفادها أنّ المآزق التي عَطّلت انتساب الدولة العربيّة المعاصرة إلى الزمن الحديث عِلّتها الأساسية أنّها دولة هجينة، وهي إذ تكون كذلك، تصبح مشاكلها جزءًا من وجودها وليست أخطاء تاريخية يمكن تبريرها وتجاوزها. وانتهى إلى أنّ عمليّات تهجين الدولة المتواترة مثّلت استعصاء حَرمها من التمتّع بفضيلة الانتساب إلى الزمن الحديث انتسابًا فعليًّا؛ على اعتبار أنّ جميع محاولاتها للاندراج في هذا الزمن عجزت عن الانتقال بها إلى مدار دولة القيم الحداثية. وقد أرجعنا الباحث في ذلك إلى أنّ سياسات التهجين التي تحكّمت في العقل السياسي العربي وهو يبني دولته أصابت في العمق عناصرها الهوويّة التكوينية، وأنّ هذه الدولة هجينة من جهة عناصرها البنائية التي جاء بها تفجير عشوائي للحدود بين البرادايمات والبنى. وأخيرًا، اقترح القيام بمراجعات معمّقة وجريئة للعقل السياسي العربي الذي أفرز الدولة القُطرية بدلًا من الدولة المدنية، بغرض تجاوز مآزق الدولة العربية المتخيَّلة والمنجَزة.

وقدّم الدكتور رفعت رستم الضيقة، أستاذ في قسم الدراسات العربية في جامعة ميشغان الأميركية، محاضرةً بعنوان "إشكالية إعادة إنتاج الحقل السياسي العربي بين السيادة والجماعة"، طرح فيها إشكالية إعادة إنتاج الحقل السياسي العربي، ليس من المنظور الجيوسياسي الشائع، بل من منظور فكري سياسي ينطلق من إعادة قراءة نظرية - تاريخية لمصطلحات محورية في لغتنا الفكرية السياسية، منها ما ينتمي إلى التراث الفكري الخلدوني، مثل مصطلحات العصبية، والملك، والخلافة، ومنها ما ينتمي إلى الفكر السياسي الحديث، مثل مصطلح السيادة عند توماس هوبز على سبيل المثال لا الحصر. وارتكزت المنهجية التحليلية للباحث على ثلاثة محاور؛ استند الأول إلى مقاربة إشكالية "تاريخية" الفكر السياسي العربي المعاصر، انطلاقًا من قراءة نقدية للكيفية التي يتمّ بها الربط بين التراث الفكري السياسي العربي - الإسلامي ما قبل الحديث وإشكالية الحداثة السياسية العربية المعاصرة. أما المحور الثاني فاستعرض الكتابات النقدية لمفهوم السيادة في الفكر الفلسفي السياسي الغربي، ويربط هذا النقد بطرح قراءة مغايرة لمصطلحات فكرية سياسية إسلامية، وبالتحديد مصطلح الخلافة، ومصطلح الجماعة في الحقل التاريخي الإسلامي. في حين تناول المحور الثالث إشكالية إعادة إنتاج الحقل السياسي العربي في اللحظة التاريخية الراهنة ما بعد انتفاضات الربيع العربي في إطار التقاطع الجدلي القائم بين السيادة الغربية في طورها "الإمبراطوري" المعولم وأشكال المقاومة الحقل السياسي العربي الراهن.

وقد تواصلت أعمال المؤتمر مع جلسة ثالثة تناولت إشكالية الدولة والهوية من مناظير متباينة؛ إذ قدم الدكتور عبد اللطيف المتدين، أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، محاضرةً بعنوان "سياسات الهوية واستقرار الدولة في المغرب العربي"، استعرض تأثير الهويات الفرعية في استقرار الدولة ومدى التحدي الذي تطرحه في وجه الهوية الوطنية، وعلاقة ذلك بحق الأفراد في التميز وإبراز عناصر هوياتهم المحلية والدفاع عنها. ومن أجل ذلك، حدد الباحث الأبعاد القانونية والسياسية والاجتماعية للهوية، والعوامل التي تؤثر في الإحساس بالانتماء إلى أمة أو شعب أو جماعة ثقافية؛ ثم بيّن كيف أصبح اختلاف الهويات في مجتمعات بعض دول المغرب العربي سببًا لاندلاع الصراع لا حافزًا على التكامل والتعايش، حيث يسود في بعض هذه الدول صراع بين هويات فرعية نشطة وهوية وطنية غير واضحة. لأجل ذلك، يفترض المتدين أنّ عدم قدرة الدولة على حسم الصراع حول الهوية اللغوية والثقافية يؤثر سلبيًا في الاستقرار السياسي والاجتماعي، وأنّ الصراع حول الهوية اللغوية والثقافية يؤثر في الاستقرار السياسي والاجتماعي في دول المغرب العربي، وأنّ التنوع الثقافي غير المنظَّم من شأنه أن يذكي الولاءات المحلية، ويزيد من الحشد الأيديولوجي لإبراز الهوية الأمازيغية والسمو بها إلى مراتب الهيمنة في هذه الدول. كما أبرز أنّ الاستقرار السياسي والاجتماعي يحتاج إلى تجانس لغوي بين المواطنين، في حين قد يكون التعدد اللغوي غير المحصور جغرافيًا داخل الدولة سببًا في نشوب صراع اجتماعي وسياسي حول الهوية.

وعلى خلاف هذا الطرح، تناول الدكتور خالد أوعسو، وهو أستاذ باحث في قضايا الهجرة والحركات الاجتماعية، الموضوع من زاوية مغايرة، إذ قدّم في محاضرته التي حملت عنوان "المغرب الراهن: الدولة والهوية الوطنية، سياق التأسيس والتجاوز" مقاربةً سوسيوسياسية سعت إلى فهم الترابطات الحاصلة بين الاعتراف بالهوية الوطنية وميلاد الدولة الحديثة، بوصفها الإطار الحاضن لانبثاق تصور جديد يرسم الحدود بين الثقافات من خلال تشكيل جماعة الانتماء أو إعادة تشكيلها. ومن هذا المنطلق، وقف أوعسو عند الأنموذج المغربي عبر العودة إلى مرحلة الحماية باعتبارها مرحلةً تأسيسية انبثق من رحمها تصور محدد للهوية الوطنية رافق لحظة الإحساس بوجود خطر يهدد تعايش المغاربة. وأكّد على تمفصل الشرطين الداخلي والخارجي وإسهامهما في تقعيد هذا التصور الذي تمت أجرأته سياسيًا وعمليًا مع إلغاء معاهدة الحماية من خلال الآليات القانونية والدستورية، وكذا عبر السياسات العمومية والمؤسسات الأيديولوجية.

وتتواصل أعمال الدورة الثامنة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية حتى يوم الخميس 25 آذار/ مارس 2021، يقدم فيها 34 باحثًا بحوثهم في موضوع "الدولة العربية المعاصرة".