بدون عنوان

يعلن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمه إصدار مجلة نصف سنوية محكّمة للدراسات التاريخية المختصة بعنوان: "أسطور". وستكون هذه رابع مجلّة محكّمة يصدرها المركز؛ لتغطّي مجالًا جديدًا من حقول المعرفة التي تدخل ضمن الاهتمامات البحثية للمركز، بعد كلٍّ من مجلة "عمران" للدراسات الاجتماعية والإنسانية، و"تبيّن" للدراسات الثقافية والفكر والفلسفة، و"سياسات عربية" المتخصصة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامّة. ويساهم المركز بذلك في تهيئة الأطر الملائمة للتكامل النسبي في العلوم الإنسانية بمعناها الواسع.

 ويستوحي اسم المجلة الجديدة المشتقّ من لغة العرب ومصطلحاتهم إيحاءات العلاقة بين الدلالة اللغوية العربية والقرآنية للجذر "سطر" وكلمات Istoria وIstor وIstorein ذات الأصول اليونانية والتي منها انبثق مصطلح علم التاريخ في الغرب بصيغة History وHistoire. ولو أثارت هذه الاستيحاءات العديد من الأسئلة، فإنّ دلالة هذا الاسم تبقى قائمة على أساس لغوي ودلالي وتأصيلي، كما على أساس التمييز المفهومي - المصطلحي بين "أسطور" و"الأسطورة" و"الأسطرة" في الحقل التداولي العربي، أو دراسات النقد الثقافي والعلوم الاجتماعية.

 ومن المثير أنّ مفردة "أسطورة" عمّرت في لغتنا العربية العامّة، وفي الحقل الدلالي السردي بالمعنى المناقض للكتابة التاريخية العلمية التي أصبح هدفها تفكيك الأساطير، في حين أنّها حافظت على معنى كتابة التاريخ في اللغات الأجنبية.

لا يحلّ الاسم - أو العنوان الرمزي - المختار للمجلة الإشكال المعرفيّ الذي عاناه ويعانيه علم التاريخ عند العرب؛ فمسيرة التصحيح بدأت في عصر النهضة بشقّ طريق جديد في التأليف التاريخي. ومنذ ذاك الحين، يكبر الإنتاج التاريخي العربي الحديث والمعاصر وينهض وينمو، فيضاهي بعضه الإنتاج الغربي المتميز. والعودة إلى الأصل العربي القديم لجذر "سطر" و"الأسطرة" و"الأسطور"، إنّما هي لتأصيل فكرة الكتابة في الزمن التاريخي، وعن الزمن التاريخي لدى العرب والمسلمين، لذا نعتمد اسم "أسطور" للمجلة بالمعنى اللغوي الذي يطلقه القرآن الكريم "والقلم وما يسطُرون"، وبالمعنى الاصطلاحي الحديث لتأسيس "تاريخ جديد عربي" يتواصل مع الإنجازات العربية الأولى فلا يقطع معها، بل يجدّدها ويطوّرها ويؤسّس لإبداعات جديدة (انظر ملحق رقم1 لمعنى أسطور ودلالاته).

 تنطلق رؤية مجلة "أسطور" من أنّ التاريخ قد ينفرد عن سائر العلوم الأخرى بكونه علمًا في طور التكوّن الدائم، ويستوعب في هذه العملية منهجيات العلوم الأخرى كلّها ومقارباتها في منهجيته المفتوحة، بما فيها مقاربات العلوم الدقيقة أيضًا. تسعى المجلة في إطار هذه الرؤية إلى تحفيز البحث التاريخي العربي بمناهجه كافّةً، لكنّها تولي اهتمامًا خاصًّا بالبحوث التي تنطلق من طرح الإشكاليات والقضايا والأسئلة الجديدة أو تنطوي عليها، بما في ذلك المعالجات الإيستوريوغرافية الجديدة لتاريخ يبدو في الظاهر أنّه "منجز"، فينفرد علم التاريخ بكونه علم البحث والاستكشاف بغضّ النظر عن التوالي الزمني للحقب والأزمنة التاريخية. وهو ليس في ذلك تاريخ الماضي فحسب بل ينطوي أيضًا على فهم تاريخ المستقبل، من دون الخلط بينه وبين فلسفة التاريخ الغائية.

تنبثق الحاجة إلى مجلة "أسطور" من حاجات الفكر العربي الماسّة إلى مجلةٍ تُعنى بطرح قضاياه وأسئلته في فضاء الكتابة التاريخية بمقاربات جديدة تتخطّى التركيز البحت على التواريخ السياسية إلى التاريخ الاجتماعي، بمعانيه الشاملة والنوعية الجزئية، بما في ذلك تواريخ المجتمعات المحلية والمهمّشة المكتوبة والشفهية والافتراضية، وعلاقات التاريخ بالبيئة والنوع الاجتماعي، والمجتمعات المحلية، والتاريخ المصغّر. وهو ما قد يقع في اتّجاهات التاريخ الجديد الذي هو على كلّ حال اتجاهات وليس مدرسة أو عقيدة في الكتابة التاريخية، أو منهجًا مدرسيًّا محكمًا.

تدعو المجلة الباحثين والمؤرّخين العرب على اختلاف اختصاصاتهم إلى التفاعل معها، والمساهمة في هذا المشروع، وتزويدها بدراساتهم وبحوثهم الجديدة والأصيلة، والتي تتّسم بالإبداعية في المقاربة والتحليل والبيانات، والرؤية والاستنتاجات، والقابلة للتحكيم العلمي.

تستقبل المجلة البحوث والدراسات والمقالات والمراجعات المعمّقة في ما يقع ضمن فضائها المختصّ التكاملي مع العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى، ولا سيّما في أحد الأبواب أو المحاور التالية:

 

I) تاريخ عالمي وتاريخ حضاري مقارن

وتتركّز فيه الأبحاث والدراسات في تواريخ الدول والحضارات العالمية القديمة: الصينية، والهندية، والفارسية والمشرقية (بلاد ما بين النهرين، وبلاد كنعان، ووادي النيل، واليمن...)، واليونانية والرومانية، والمايا والإنكا،...إلخ.


II) في تاريخ الحضارة العربية وتاريخ دولها ومجتمعاتها

يمكن اعتماد المحاور التالية:

-         دراسة البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية (الماكرو) (دراسة المدى الطويل وسمات الأزمنة وتحوّلاتها).

-         دراسة الجزئيات في مجتمعات معيّنة؛ المدينة والحارات والأحياء والأسواق والمواصلات وأنماط العيش وأساليب الحياة اليومية: الغذاء، والملبس، والمسكن... إلخ. إضافةً إلى دراسة الوحدات الاجتماعية، والمجتمعات المحلية.

-         دراسة الدول، كسلطات ومؤسسات وأجهزة سيطرة وهيمنة، وأساليب حكم وعلاقات سياسية – اجتماعية – ثقافية.

وهذا المحور يكتسب أهمية خاصّة، وتخصّص له مساحة كبيرة في المجلة، ويغطّي أزمنة وعصورًا شتّى (ما قبل الإسلام، والإسلامي الوسيط (ما قبل العثماني)، والعثماني، وأزمنة النهضة العربية الحديثة والتاريخ الراهن).


III) محور الأنتروبولوجيا التاريخية وعلم الاجتماع التاريخي

يشمل هذا المحور التاريخ الاقتصادي، والجغرافية التاريخية، وتاريخ المدن والثقافات، وتاريخ العمارة، وتاريخ الفنّ، وتاريخ العلوم، وتاريخ الأدب، وتاريخ الفكر، وتاريخ الأديان، وتاريخ البحار، وتاريخ البادية... إلخ. ويندرج ضمنه أيضًا العادات والتقاليد، والوحدات الاجتماعية المختلفة، والقوى الفاعلة والحركات الطلابية والطائفة والقبيلة والأسرة، والصحّة والأمراض والبيئة والمناخ، وتاريخ الذهنيات والنفسانيات... إلخ.


IV) تاريخ العالم الوسيط والحديث والمعاصر والراهن

-          تواريخ الشرق في آسيا: الشرق الأقصى (اليابان، والصين، وكوريا...)، وتاريخ جنوب شرق آسيا، وتاريخ جنوب آسيا: الهند وسيلان، وتاريخ آسيا الوسطى، وتاريخ آسيا الغربية: أفغانستان وإيران وقفقاسيا والأناضول.

-          تواريخ أفريقيا جنوب الصحراء.

-          تاريخ عالم البحر المتوسط.

-           تواريخ الغرب: أوروبا الشرقية والوسطى والغربية، ودراسة نماذج من الحقب الأوروبية والأميركية والتحوّلات فيها:

  • العصور الوسطى: الأولى والوسيطة والمتأخرة (تاريخ الإقطاع، والكنيسة، والدوقيات والممالك الأوروبية).
  • من العصر الوسيط إلى الحديث (تاريخ الرأسمالية وتحوّلاتها...).
  • تاريخ التحوّلات والقفزات الثوريّة (العلميّة والسياسيّة).
  • في الأفكار والنظم السياسية: الليبرالية، والديمقراطية، والاشتراكية، والفكر الدستوري.
  • تواريخ العالم الجديد: التاريخ الأميركي للقارتين الأميركيتين الشمالية والجنوبية، وتاريخ أستراليا ونيوزيلندا.
  • في الثورات وأنظمة الحكم الانتقالية والمستقرة.
  • في تاريخ الكولونيالية: عصر الإمبراطوريات، والاستعمار، والاستعمار الجديد...

 

V) وثائق ومحفوظات

-         مناهج وتحقيقات نقدية The Critical Editions of Documents and historical Papers

-         عرض وتحقيق مخطوطات (Manuscripts, MSS) من التراث العربي – الإسلامي.

-         عرض وتحليل وثائق غربية من أرشيفات الدول المستعمرة (بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا، والنمسا، وإسبانيا...)، إضافةً إلى وثائق أرشيفات عثمانية وعربية، وغيرها.

-         عرض مذكّرات مختلفة، ورحلات رحّالة.

-         بحوث في مناهج البحث والتحقيق والنقد التاريخي للوثائق والمعلومات.


VI – التاريخ الشفوي: تاريخ المهمّشين (التاريخ غير المكتوب)

 نظريات التاريخ الشفوي ومقارباته، من المنظور المنهجي التكاملي، وإفراد باب لشهادات شفوية، يمكن أن تتحوّل إلى وثائق تاريخية صالحة للتأريخ لفئات وأشخاص وجماعات لم يتيسّر لها نقل صوتها أو دورها للتاريخ المكتوب، ويمكن أن يقوم المؤتمر الشفوي الدوري الذي يعتزم المركز عقده سنويًّا بتغذية هذا الباب.


VII – مراجعات تحليلية لكتب تأسيسية وجديدة.

تعتزم المجلة إصدار عددها الأوّل خلال عام 2014. وتستقبل المساهمات المتعلقة بالمحاور المذكورة حتى موعد أقصاه نهاية تموز / يوليو 2014، على أن تتقيّد، توحيدًا لمعايير التحرير والتوثيق، بـمواصفات الورقة البحثية التي يعتمدها المركز وأن يكون البحث أصيلًا وخاصًا بالمجلة وغير منشور - جزئيًّا أو كليًّا - في أيّ وسيلة إلكترونية أو مطبوعة. وتستقبل المجلة مساهمات الباحثين والكتّاب والاستفسارات المتعلقة بها على العنوان الالكتروني التالي:

ostour@dohainstitute.org

 

ملحق(1)

"أسطور" اسمًا، لماذا؟


يشرح ابن منظور في لسان العرب معنى سَطَرَ وأسطَر، فيقول: "سَطَرَ، السَّطْرُ والسَّطَرُ: الصَّفُّ من الكتاب والشجر والنخل ونحوها؛ قال جرير: مَنْ شاءَ بايَعْتُه مالي وخُلْعَتَه، ما يَكْمُلُ التِّيمُ في ديوانِهمْ سَطَرا والجمعُ من كلّ ذلك أَسْطُرٌ وأَسْطارٌ وأَساطِيرُ؛ عن اللحياني، وسُطورٌ. والسَّطْرُ: الخَطُّ والكتابة، (...). وقالوا الذي جاء به أَساطير الأَوّلين، معناه سَطَّرَهُ الأَوَّلون، وواحدُ الأَساطير أُسْطُورَةٌ، كما قالوا أُحْدُوثَةٌ وأَحاديث.

وسَطَرَ يسْطُرُ إِذا كتب؛ قال الله تعالى: ن والقلم وما يَسْطُرُونَ؛ أَي وما تكتب الملائكة؛ وقد سَطَرَ الكتابَ يَسْطُرُه سَطْرًا وسَطَّرَه واسْتَطَرَه. وفي التنزيل: وكلّ صغير وكبير مُسْتَطَرٌ. وسَطَرَ يَسْطُرُ سَطْرًا: كتب، (...) والأَساطِيرُ: أَحاديثُ لا نظام لها، واحدتها إِسْطارٌ وإِسْطارَةٌ، بالكسر، وأُسْطِيرٌ وأُسْطِيرَةٌ وأُسْطُورٌ وأُسْطُورَةٌ، بالضمّ. وقال قوم: أَساطِيرُ جمعُ أَسْطارٍ وأَسْطارٌ جمعُ سَطْرٍ. (...) يقال سَطَّرَ فلانٌ علينا يُسَطر إِذا جاء بأَحاديث تشبه الباطل. يقال: هو يُسَطِّرُ ما لا أَصل له أَي يؤلّف".

ونستنتج أنّ المفردة واشتقاقاتها المختلفة تدور جميعها حول الكتابة والتأليف، وأنّ الأسطور هو الكتاب. بل إنّ ابن منظور يربط ما بين سطّر وسيطر بسبب ما تفعله الكتابة من فعل السيطرة، " والمُسَيْطِرُ والمُصَيْطِرُ: المُسَلَّطُ على الشيء لِيُشْرِف عليه ويَتَعَهَّدَ أَحوالَه ويكتبَ عَمَلَهُ، وأَصله من السَّطْر لأَنّ الكتاب مُسَطَّرٌ، والذي يفعله مُسَطِّرٌ ومُسَيْطِرٌ." (لسان العرب مادة سطر).

ويرى بعض الباحثين أنّ "هذا الذي نسمّيه اليوم بلغتنا العربية المعاصرة مسجّلًا ومدوّنًا ومكتوبًا، كانوا يسمّونه بالعربية القديمة (أو بأرومتها التي انبثقت وتفرّعت عنها) سطورًا وسطرًا وواحد فعله أسطورًا وأسطورة. وهذا على ما يبدو كلام حميري قديم؛ فالسيوطي يذكر في "الإتقان": "وأخرج جويبر في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى (في الكتاب مسطورًا) قال: مكتوبًا. وهي لغة حميرية فيسمّون الكتاب أسطورًا".

ولكن، هل من علاقة بين الأسطورة والأسطور؟ وبين أسطور، كما وردت في لغة العرب القديمة، ومفردات Istoria وIstor وIstorein ذات الأصول اليونانية التي منها انبثق مصطلح علم التاريخ في الغرب بصيغة History وHistoire؟

يُجمع المؤرّخون الغربيون على أنّ مفردة Istor هي الجذر الإغريقي لكلمة histoire وHistory، وتعني "الشاهد" أو البصير والمبصر. وهذا المفهوم للبصر مصدرًا أساسًا للمشاهدة أي للمعرفة، يقود بدوره إلى التعبير عنها بتحقيقات ومباحث، أي بكتابات على طريقة ما فعله هيرودوت في تاريخه Istories، أي تحقيقاته.

هل اقتبس الإغريق المفردة عن إحدى أقنية التفاعل الثقافي واللغوي في دائرة العلاقات الحضارية المتوسطية الجامعة بين اليونان والشعوب السامية المشرقية؟

مهما كان الجواب أو يكون، فإنّ العودة إلى الأصل العربي القديم لجذر السطر والأسطرة والأسطور، إنّما هي لتأصيل فكرة الكتابة في الزمن التاريخي، وعن الزمن التاريخي لدى العرب والمسلمين، وبعد أن التبس معنى علم التاريخ واستشكل عند العرب زمنًا طويلًا، فعدّ علمًا "للخبر" المقطوع عن مسار التحوّلات، أو علمًا "للتوقيت" فحسب، أو علمًا مساعدًا لعلوم الشريعة، أو ديوان عبرٍ وخطابة وسياسة. ولعلّ ذلك سببه اعتماد كلمة التاريخ "علمًا" لأخبار الماضي واستذكارها وتوقيتها في سنوات. وهي كلمة دخلت في عهد الخليفة عمر للإشارة إلى التوقيت (أرخ)، ولم تلبث أن استخدمت بدءًا من القرن الثاني للهجرة للإشارة إلى "كتب الأخبار" بوصفها "كتب تاريخ".