بدون عنوان

إبستيمولوجيا جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) موضوعًا للعدد 36 من دورية عمرانصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد السادس والثلاثون (ربيع 2021) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية. وتضمّن العدد ملفًا خاصًا بعنوان "إبستيمولوجيا الجائحة"، إضافة إلى دراسة مترجمة، ومراجعتي كتابين صدرا مؤخرًا حول جائحة كورونا.

استُهِلّ العدد بدراسة لمحرر العدد، دارم البصام، بعنوان "إبستيمولوجيا الجائحة: في ’معرفة المعرفة‘ (الجسد والثقافة والمجتمع)"، تهدف إلى تطوير سوسيولوجيا تبصرية للتعامل مع ظاهرة الجائحة ضمن نسقها التعقدي التكيفي وسياقها المجتمعي؛ إذ إن هذا المخبر الحي الذي ولّده الوباء يحتاج إلى تفكير مغاير يتجاوز الحواجز الإبستيمولوجية التي تفرضها رؤيتنا المسبقة للعالم، ويتخطى إملاءات براديغمات المنطق العلمي المألوف، كما أن المقطع التاريخي الحالي يشكّل قطيعة مع ذلك المنطق، وهو بمنزلة بوابة بين عالم وآخر، ما يجبرنا على إعادة ترتيب المخيال حول ما هو اجتماعي. وتتسم الدراسة باتساقٍ داخلي وتسلسلٍ منطقي في محاورها، حيث تناقش: أولًا، الجائحة والمخيال السوسيولوجي. ثانيًا، تجسير الفجوة في التحليل السوسيولوجي. ثالثًا، إبستيمولوجيا الجائحة: المعمار النظري البديل. رابعًا، إبستيمولوجيا الجائحة: مستوى الإحاطة في إطار سوسيولوجيا الممارسة.

واشتمل العدد، أيضًا، على دراسة بعنوان "جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وإبستيمولوجيا الكوارث: التجميع والتصميم والاحتراز"، للأستاذ الفخري في العلوم السياسية بجامعة كولورادو، فرانسيس أ. بير، والأستاذ في قسم دراسات التواصل بجامعة نورثوسترن في إلينوي، روبرت هاريمان، يريان فيها أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أحدث خللًا في العالم بأسره. وبحسبهما، فإن المعرفة "المعتمدة" (أي المُتّفق على صحتها) تشكّل جزءًا من العالم الذي شهد هذا الاضطراب؛ إذ تتحدى هذه الجائحة الحداثة التي لم يعُد في وسعها الاكتفاء بإدارة المخاطر وإنكار مسؤوليتها عن الكوارث الحالية والوشيكة. وفي هذا الصدد، تسعى إبستيمولوجيا الكوارث للتعلم من كارثة كانت المعرفة نفسها إحدى ضحاياها. وتُعدّ العلوم والتكنولوجيا والهندسة والطب والعلوم الاجتماعية والإدارة الحكومية جزءًا من نُظم تفكير تدرّجية غير مترابطة، لا تقدّم إلّا إجابات جزئية ومؤقتة عن الأسئلة المطروحة حاليًا. لذلك، تقترح هذه الدراسة نقطة انطلاق مؤقتة نحو إعادة ترتيب العلاقات بينها، تشمل عملية استكمال العلوم العادية (المعتمدة)، من خلال بحث موجّه نحو "التصميم" و"الاحتراز".

أما دراسة دومينيك فانك، أستاذ دراسات العلوم والتكنولوجيا بمعهد العلوم الاجتماعية في جامعة لوزان بسويسرا، وعنوانها "جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في المجتمعات الغربية والعلوم الاجتماعية"، فتسلط الضوء على أحد البحث في العلوم الاجتماعية، وتتناول بتفاصيل دقيقة الطرائق التي تعاملت بها المؤسسات الحكومية الغربية وعلوم الطبيعة والمجتمع مع هذا الاضطراب الشامل الذي هزّ أركان مجتمعاتها. وتُبرز الدراسة بعمق أنّ التعقيدات اليومية اللامتناهية التي أحدثتها الجائحة في حياة مجتمعات رأسمالية - صناعية وديمقراطية – حضرية، وبيروقراطية، وفردانية، هي وليدة متخيّل الحداثة الذي تبنّته منذ عدّة قرون، وردود فعل هذه المجتمعات الجماعية والفردية والتكنولوجية والأخلاقية والبحثية تجاه حجم التحديات التي واجهتها. وخلال كلّ هذا التوصيف، حرصت الدراسة على إظهار موقع العلوم الاجتماعية في هذه العملية الواسعة والخلفيات الإبستيمولوجية للأسئلة المتعدّدة التي طرحتها على نفسها وعلى علاقتها بالمجتمع وبمراكز القوة فيه.

في حين ناقشت دراسة بنعيسى زغبوش، أستاذ علم النفس في قسم العلوم الاجتماعية بجامعة قطر، المعنونة بـ "الإنسان وجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19): نحو أفق إشكالي جديد في سياق تداخل موضوعات الأبحاث وتقنياتها المنهجية"، بنية التفكير التي طبعت البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وهي ثنائية البيولوجي - العصبي/ الثقافة أو الفطرة/ الاكتساب، إذ أصبحت هذه الثنائية موضع مساءلة إبستيمولوجية بعد أن تدخّل عامل ثالث بقوة من أصول طبيعية، ليُحدث بيئة اجتماعية جديدة تجاوزت التأثير في الفرد في حدّ ذاته إلى علاقاته وسياقات وجوده؛ ما يدفع إلى تغيير المعادلة المعرفية ذاتها: إنه فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وتطرح الدراسة سؤالًا رئيسًا مفاده: هل يمتد هذا التأثير إلى البنية المعرفية والسلوكية والوجدانية للإنسان؟ فتجيب بأن هدفها ليس تقديم أجوبة محددة، بل إثارة النقاش حول هذا الوضع العلمي الجديد الذي تحوّل فيه الفيروس إلى بعدٍ ثالث في المعادلة: عصبي - بيولوجي/ ثقافة/ فيروس.

كما تضمن العدد ترجمة عومرية سلطاني لنص مهم لبول ريكور كتبه في منتصف ثمانينيات القرن الماضي بعنوان "هل الأزمة ظاهرة حديثة على نحو خاص؟"، حاول فيه بصفة مبكرة نسبيًا: أولًا، الإمساك بمفهوم الأزمة بتشعباته "الجهوية" كما يقول، وثانيًا، التساؤل عمّا إذا كانت أزمة الحداثة قد دشنت عصر ما يسميه الأزمة "المعممة". وبشموليتها، يبدو أن الأزمة التي خلقتها جائحة كورونا قد كشفت بالفعل عن مستويات عدة كانت مجهولة من أزمة التجربة العملية للحداثة التي سادت حتى الآن.

وأخيرًا اشتمل باب مراجعات الكتب على مراجعتي كتابين، هما: "فلنُغير السبيل: دروس فيروس كورونا" من تأليف إدغار موران وصباح أبو السلام، أعدّها عبد الكريم عنيات؛ و"تونس في مواجهة جائحة كوفيد-19" لمجموعة من المؤلفين وتحرير حمادي الريس، وأعدّها الحبيب درويش.

وجاءت لوحة غلاف العدد واللوحات ضمن صفحاته من أعمال الفنان التشكيلي الفلسطيني شريف سرحان.


** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.