بدون عنوان

تواصلت اليوم، الأحد 3 كانون الأول/ ديسمبر2017، أعمال الدورة الرابعة لمنتدى "دراسات الخليج والجزيرة العربية" التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في معهد الدوحة للدراسات العليا. وجرت جلسات المنتدى في اليوم الثاني ضمن مسارين، عالج المسار الأول سلوك القوى الإقليمية والدولية الفاعلة تجاه منطقة الخليج ذات الأهمية الجيوسياسية، في حين خُصص المسار الثاني لدراسة تأثير قناة الجزيرة، وبحث دور وسائل التواصل الاجتماعي في الأزمة الخليجية.

كيف تعاملت القوى الإقليمية والدولية مع الأزمة الخليجية؟

افتُتحت أعمال اليوم الثاني، بجلسة حول "المواقف الإقليمية من الأزمة الخليجية"، بمحاضرة للباحث مراد يشلتاش بعنوان "الإستراتيجية التركية في منطقة الخليج: الآفاق والتحديات"، أكد فيها أن ردة فعل تركيا على أزمة الخليج المفتعلة من طرف السعودية والإمارات معتدلة، وأن تركيا حاولت طرح سياسة خارجية واقعية وأكثر توازنًا تجاه المنطقة، وأنّها سعت، أثناء الأزمة، للاضطلاع بدور الوسيط من أجل التغلب على الشقاق الدبلوماسي الحالي بين دول الخليج. ومن ثمّ فإن قرار تركيا إرسال قواتها لتأسيس أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها بعد تصديق البرلمان، يعتمد بقوة على الرؤية الإستراتيجية الجديدة للسياسات الإقليمية التركية التي تقوم على إعادة صوغ واقعية للمصلحة القومية.

وأضاف يشلتاش أن قرار البرلمان الذي سمح بنشر القوات العسكرية التركية خارج البلاد قد استند إلى اتفاق موقّع بين تركيا وقطر في عام 2015، إلا أن توقيت تصديق البرلمان التركي وموافقة الرئيس رجب طيب أردوغان السريعة أثارَا أسئلة عدة بشأن الدوافع الحقيقية للتدخل التركي في الأزمة. فأولًا، ومن وجهة نظر رسمية، يأتي ذلك في إطار التعاون مع المؤسسة العسكرية القطرية، إلا أن الأهم وفق ما عبّر عنه أردوغان هو "المساهمة في أمن منطقة الخليج بأكملها، من دون استهدافٍ لأي دولة بعينها".

من جانب آخر، تناول الباحث لوتشيانو زاكار في ورقته العلاقات الإيرانية – القطرية، واصفًا إياها بأنها لم تكن في أفضل حالاتها بعد الثورات العربية عام 2011، خاصة أن طهران تشارك الرياض في اتهام قطر برعاية بعض الجماعات المتطرفة في سورية. وقال إنّ العلاقات القطرية – الإيرانية، بعد الأزمة الخليجية، شهدت تغيرًا عبّر عنه الرئيس الإيراني حسن روحاني برغبته في تعزيز العلاقات بين الدول الإسلامية في المنطقة، واعتبر الحصار على دولة قطر غير عادل.

أسست طهران على نحو سريع اتصالات مع الدوحة لتسهيل النقل في المجال الجوي لدولة قطر، كما عرضت طهران منتجاتها للتعويض عن المنتجات السعودية والإماراتية. وقد وقّع الطرفان الإيراني والقطري اتفاقًا للنقل، لتعزيز التبادل التجاري بينهما. وإذا كانت الأزمة بالنسبة إلى قطر تفيد إيران على المدى القصير، فإنها ستؤثر في علاقة إيران بدول الخليج على المدى الطويل.

وفي الجلسة ذاتها، اهتمّ الباحث زاهد شهاب أحمد في ورقته "دوافع الموقف الباكستاني في أزمة الخليج" بتفسير الموقف الذي اتخذته باكستان إزاء الأزمة، إذ أوضح أن "إسلام آباد اختارت الخيار الأكثر أمانًا وهو دور الوسيط، استجابةً منها لإدارة برلمانها، وأن وزارة الخارجية الباكستانية أصدرت بيانًا تؤكد فيه رغبة البلاد في تعزيز الوحدة بين البلدان الإسلامية". مضيفًا أن الحياد في الأزمة القطرية - الخليجية "يُعد مثالًا آخر على مساعي باكستان للحفاظ على الحيادية وعلى علاقات متوازنة بشركائها الأساسيين في العالم الإسلامي".

ركزت الجلسة الثانية على مواقف القوى الأساسية في النظام الدولي، وكيفية إدارة تلك القوى أزمة في منطقة ذات أهمية جيوسياسية، إذ قدّم الباحث جون ديوك أنطوني بحثًا بعنوان "مستقبل العلاقات الأمريكية -الخليجية في ضوء أزمة الخليج"، أوضح فيه أن الوضع في بلدان مجلس التعاون الخليجي يرتبط بمخزونها من مصادر الطاقة، وتأثيرها الجيوسياسي، ارتباطًا وثيقًا بالنمو والاقتصاد العالمي، وأنّ هذه الظواهر تمثّل أمورًا حاسمة لفهم صنع السياسات في الولايات المتحدة تجاه دول الخليج.

أما الموقف الروسي إزاء الأزمة، فقد عالجه سيرغي ستروكان ببحثه الذي جاء تحت عنوان "العلاقات الروسية - الخليجية واستعادة التوازن المفقود"، إذ اعتبر أن زيارة الملك سلمان التاريخية تُعدّ الأهم في العلاقات الثنائية خلال السنوات الماضية، وأنها تؤشر إلى أنّ العلاقات السعودية - الروسية بدأت توضع على الطريق الصحيحة بعد مسيرة سلبية امتدت فترةً طويلةً، وأنّه يجب على روسيا ألّا تهدر الفرصة في تطوير العلاقات بدول الخليج، وأن تستثمر التطور الحالي بغرض حل الأزمات الإقليمية الحادة؛ كالأزمة السورية مثلًا.

وقد بحث جيرماس كيتنر في "العلاقات الألمانية - القطرية وأزمة الخليج" التي شهدت تطورًا متناميًا في السنوات العشرين الأخيرة، واتسم موقف برلين من الأزمة الخليجية بالوضوح وهو ما عكسه موقف وزير خارجيتها غابريل زيغمار الذي دعا إلى ضرورة رفع الحصار وحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، لا سيما أن برلين لا تمتلك وجودًا عسكريًا في الخليج، وأنّ منطقة الخليج لا تمثّل وجهة رئيسة لصادراتها. وبناءً عليه، فإن دوافع موقف ألمانيا كانت نابعة من التهديد المتنامي المتمثل بانتقال عدم الاستقرار من العالم العربي إلى أوروبا الغربية، إذ انتقل إلى ألمانيا بعد الأزمة السورية نحو مليون لاجئ سوري.

واختتمت الجلسة بورقة الباحث أحمد قاسم حسين، وهي بعنوان "الاتحاد الأوروبي الأزمة الخليجية: السياق ومواقف الفاعلين"، ‏وقد أوضح فيها أن التغير في العلاقات الأطلسية، وإن بحدوده الدنيا، قد يكون بمنزلة محفّز لاتحاد أوروبي أكثر تماسكًا مع دورٍ دوليٍ أكثر وضوحًا وفعاليةً، وهو ما انعكس على طريقة إدارة بروكسل للأزمة الخليجية. وخلص الباحث إلى ‏أن الأزمة الخليجية دفعت صنّاع القرار في بروكسل إلى إعادة تقييم الدور الأوروبي على نحو ملائم لخطورة الأزمة، وبحسب ما يتطلب من عملٍ، لتحديد سياسية أمنية ودفاعية أوروبية مشتركة لا ترتبط بالقارة الأوروبية، بل تتعداها إلى مناطق التماسّ، خاصة منطقة الخليج العربي.

تأثير الجزيرة ودور وسائل التواصل الاجتماعي

في الجلسة الأولى من محور الإعلام التي تناولت موضوع تأثير الجزيرة في عصر الإعلام وثورة المعلومات، تطرق الباحث حيدر بدوي صادق إلى كيفية نجاح الجزيرة في التصدي لقوى الهيمنة في العالم؛ من خلال ورقته التي حملت عنوان "في قلب العاصفة: كيف غيرت قناة الجزيرة الخليج والعالم؟"، ‏وقد بحث في مسألة قصفها بالقنابل؛ من جهة كونها قوةً تغيّر المشهد السياسي، إضافةً إلى دورها في تغطية ثورات الربيع العربي 2011، ذلك أنّ الجزيرة، بحسب رأيه، أعطت لكل الأطياف السياسية مساحة للتعبير، تماشيًا مع شعارها المتمثّل بأنها "صوت من لا صوت له".

وتطرق الباحث هيو مايلز في ورقته "قناة الجزيرة والثورة الإعلامية في العالم العربي"، إلى ثورة المعلومات التي شهدها العرب في تسعينات القرن العشرين وبداية القرن الحالي، وهو ما أدى إلى الأحداث التي مهدت للربيع العربي في عامي 2011 و2012، نتيجة الوعي السياسي الذي ساهمت فيه وسائل التواصل الحديثة.

وفي الجلسة ذاتها، عرض محمود غالاندر ورقته حول "تفسير الموقف من الجزيرة: نموذج جديد لتحليل منظومات الإعلام العربية"، إذ استخدم الباحث‏ نموذج وليام رولز لتفسير عمل وسائل الإعلام. وأشار غالاندر إلى دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إضافة إلى عاملي الثقافة والدين، في تحديد إستراتيجيات التواصل.

في جلسة أخرى حول التواصل الاجتماعي والأزمة الخليجية، تطرقت الباحثة مريم الخاطر لموضوع "البروباغندا الإعلامية والتجييش الإلكتروني في الأزمة الخليجية: دراسة حالة في تويتر"، ‏وخلصت إلى أن الحملة التحريضية على دولة قطر غدت صراعات سياسية خليجية - خليجية في عصر الثورة الرقمية، وأنها أفرزت، بأدوات الحروب الرقمية، بروباغندا دعائية سوداء هي الأولى من نوعها بين الإخوة الخليجيين.

‏‫وقد بحث أندرو ليبر وألكسي أبراهامز موضوع "وسائل التواصل الاجتماعي وهيمنة الفكر الاستبدادي: دراسة في الأزمة الخليجية"، إذ أوضحَا ممّا توصلَا إليه في تحليل للمحادثات السياسية من خلال "تويتر" في الخليج العربي أن وسائل التواصل الاجتماعي قد تعمل بطريقة أكبر فتكون مثل أداةٍ بيد المستبدين للترويج للهيمنة الفكرية.

وفي السياق ذاته، تحدث عبد الرحمن محمد الشامي عن "دور الصحافيين القطريين في شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأزمة الخليجية"، ‏‫مؤكدًا أن الحصار المفروض على قطر منذ الخامس من حزيران/ يونيو 2017، يُعدّ "مرحلة تحول مهمة في تاريخ الإعلام الخليجي عامة والقطري خاصة".