بدون عنوان

إحدى جلسات المؤتمر
المتحدثون في الجلسة الأولى من اليوم الثاني
جانب من الحضور في اليوم الثاني من المؤتمر
المتحدثون في الجلسة الثانية من اليوم الثاني
بعض المشاركين والحضور
المتحدثون في الجلسة الأخيرة من أعمال المؤتمر

اختتمت اليوم (السبت 27 نيسان/ أبريل 2019) أعمال المؤتمر السنوي السادس للدراسات التاريخية وموضوعه "الحكومة العربية في دمشق 1918 – 1920"، الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع بيروت. وتناولت الأوراق المقدمة في اليوم الثاني والأخير من المؤتمر نهاية الحكومة العربية بعد هزيمة معركة ميسلون، واستعرضت مساهمات العديد من الأطراف في الحكومة ومواقفها منها.

تطور الفكرة العربية (العروبة)

في الجلسة الأولى تحدث خالد زيادة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع بيروت، عن الحكومة العربية وتطورات الفكرة العربية حتى اندلاع الثورة العربية، حيث كانت "العروبة، أو الانتماء إلى العربية ... فكرةً عبّر عنها الأدباء والشعراء فحسب". ولاحظ زيادة أن مسيحيي بلاد الشام كانوا هم أول من أطلق تلك الفكرة. وفي إثر الانقلاب الدستوري في إسطنبول وبروز سياسات حزب الاتحاد والترقي "أصبحت العربية إطارًا سياسيًا عبّرت عنه الجمعيات العربية المطالبة بالاستقلال". واحتلت القضية العربية حيزًا في سياسات الدول الأوروبية.

ورأى زيادة أنّ قيام الحكومة العربية في دمشق أحدث تطورًا في صلب "الفكرة العربية، فتحولت من مجموعة من الأدبيات والبرامج السياسية ... إلى ثورة تسعى إلى إقامة مملكة عربية تمتد من الحجاز إلى بلاد الشام والعراق، وإلى دولة تقيم مؤسساتٍ ومجلسًا تمثيليًّا ودستورًا، وتعلن الاستقلال".

وأسهب زيادة في الحديث عن التيارات الفكرية العربية من خلال ثلاث شخصيات بارزة في تلك الحقبة، وهي: محمد كرد علي (الذي رأس أول مجمع للغة العربية في عام 1919) الذي "أضفى بُعدًا حضاريًا وثقافيًا (على العروبة) متجاوزًا الانتماء العرقي والإثني"؛ ومحمد رشيد رضا (أحد رواد الإصلاحية الإسلامية) "الذي أضفى على العروبة طابعها الإصلاحي". وساطع الحصري الذي "أضفى طابعًا علمانيًا على العروبة".

الأسباب الداخلية لهزيمة متوقعة

 كانت المشاركة الثانية للأكاديمي والباحث التونسي، فتحي ليسير، تناول فيها دور العوامل الداخلية لهزيمة ميسلون (24 تموز/ يوليو 1920) التي أدت إلى "اندراس أول دولة عربية عصرية في الشام"، وفق تعبير ساطع الحصري. ورأى ليسير أن الهزيمة أنهت "فصلًا مهمًا من فصول الحركة العربية الحديثة مدشّنة بذلك عهدًا جديدًا للحركة القومية العربية، اختلفت شروطه عن شروط العهد السابق".

وعرض ليسير المناقشات التي دارت بين قادة الحركة العربية "بمواقعهم المختلفة في تراتبية الزعامات غداة معركة ميسلون"، وطرح قضية المسؤولية السياسية والعسكرية للهزيمة، فلم يكتف بتحميل الاستعمار الفرنسي وحده مسؤولية تحديد اتجاه الأحداث ومجرياتها، بل دعا إلى "التساؤل عن جملة الأخطاء السياسية والعسكرية وغيرها التي قادت أو تسبّبت في هزيمة ميسلون". واعتمد الباحث في ورقته على مدونات أصليّة من رجال الحركة العربية من أمثال ساطع الحصري وأحمد قدري ومحمد كرد علي ومحمد عزّة دروزة وصبحي العمري.

واعتبر ليسير أنّ "كارثة ميسلون خلّفت أزمة في الضمير والوجدان العربيَين ترجمها وعكسها إنتاج فكري وشعري غزير ما زال ينتظر إلى اليوم من ينعطف عليه من الباحثين بالفحص والدرس والتدبّر".

أثر النخبة الدستورية في الدستور السوري (1920)

انطلقت ورقة الأكاديمي والباحث السوري، أحمد قربي، من فرضية تأثُّر دستور عام 1920 بعوامل عدة أهمها "التكوين الفكري للنخب التي شاركت في كتابته، والسياق الدستوري السائد في بداية القرن العشرين، فضلًا عن الوضع السياسي لبلاد الشام عقب تحررها من الحكم العثماني".

في المحور الأول، أظهر الباحث تأثير النخب السياسية في دستور 1920 في مجالات، منها الوجود القومي للأمة العربية، والرابطة الوطنية البديلة التي شكلتها الأمة السورية لدى النخب آنذاك، وتعزيز حاكمية الأمة عبر الحكم الدستوري النيابي، إضافة إلى تقييد بعض صلاحيات الملك، وفصل الدين عن الدولة بخلاف ما جاء في الدستور العثماني من أن دين الدولة هو الإسلام".

أما في ما يخص العامل الثاني، فحلل قربي نصوص دستور عام 1920، وأوضح تأثير الثقافة الدستورية السائدة في شكل الدستور وترتيبه ولغته وبعض مضامينه، خصوصًا تلك المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم، والقواعد المنظمة لسلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية.

الحكومة العربية في عيني رشيد رضا

في الجلسة الثانية، تحدّث الأكاديمي والباحث اللبناني، فاروق حبلص، عن "خيبة الأمل الأولى التي أصابت السوريين في محاولتهم إقامة حكم عربي مستقل في سورية". وسلّط الضوء على مؤسسات الحكم (المؤتمر السوري العام - حكومة دمشق العربية - ديوان الملك فيصل) التي نشأت في سورية بعيد انفصالها عن الدولة العثمانية. واعتبر أن من أبرز أسباب فشل محاولة الاستقلال: إهمال الحكومة إنشاء جيش وطني يحمي الاستقلال؛ وأسلوب تعاطي الملك والوزراء مع مؤسسات الحكم وإدارتها بالمحسوبيات؛ ومحاولات الملك فيصل المتكررة تجاهل المؤسسات والقفز من فوقها. هذا كله وفّر الأجواء للعملاء لاستدعاء المحتل ليدخل بلادهم. وعرض الباحث هذا كله من خلال ما كتبه رشيد رضا، أحد أبرز السياسيين السوريين وأركان الحكم آنذاك، وعضو المؤتمر السوري الأول، باعتباره شاهدًا على ذلك العصر.

آل الأمير عبد القادر الجزائري والحكومة العربية

خصَّص الأكاديمي والمؤرخ الجزائري، أحمد بوسعيد، ورقته البحثية لاستقراء مواقف أعلام الأسرة الأميرية الحسنية المتباينة من انبعاث الحكومة العربية في دمشق، واضطلاع بعض أفرادها بدور سياسي فاعل، ذلك أنّ أسرة الأمير عبد القادر الجزائري كانت قد "حظيت بمكانة مرموقة في ظلِّ الحكم العثماني لبلاد الشام، وانعكست على مواقفها من المتغيِّرات الحاصلة بعد انحسار الوجود العثماني". ورأى بوسعيد الذي تتبعَ مواقف تلك الأسرة وحصرَ اتجاهاتها، أنّ الأسرة كانت في مواقف متباينة، منها الموافق لتيار المدّ القومي العربي، ومنها المتحفِّظ. وبيّن الباحث مرجعية الأسرة الأميرية الحسنية في المستجدات السياسية ومظاهر نفوذ بعض أحفاد الأمير عبد القادر في بلاد الشام، ومدى قدرتهم على التأثير في الحراك السياسي الاجتماعي. ورصد المواقف المتباينة "من إعلان تأسيس الحكومة العربية في دمشق، بين مؤيِّد مرحِّب، ومتحفِّظ على ظروف التأسيس ودعم البريطانيين المريب اللامتناهي لها".

رشيد رضا وجدل الفكر والسياسة

سلّط الباحث والمؤرخ الأردني، بسام البطوش، الضوء في ورقته على علاقة محمد رشيد رضا بالحكومة العربية. فحلل إشكالية جدل الفكر والسياسة التي يرى أنها "حكمت تلك العلاقة، ومجمل مسيرة حياة رشيد رضا، ومواقفه وأدواره ومساهماته، في عموم الحركة النهضوية والإصلاحية العربية". وهذا ما يظهر بوضوح، بحسب الباحث، في تحولات رضا الفكرية والسياسية في إطار الفكرتين العثمانية والعربية، وموقفه من الدولة العثمانية، في مراحل وأطوار تاريخية متعددة، في سلسلة مواقفه من الثورة العربية الكبرى، وقيادتها الهاشمية، وما تولد عنها من نتائج وأنظمة سياسية في سورية والعراق والأردن. وحلل البطوش موقف رضا من المشاريع السياسية والفكرية المتصادمة في الجزيرة العربية ومجمل البلاد العربية، ثم رصد التحولات في سياق يتصل بانشغالات رضا بالمسألة السورية، والبعد الوطني السوري في مرحلة ما، وانخراطه في العمل الحزبي والسياسي في سلسلة من الأحزاب والجمعيات السورية في مصر وسورية. وهذا ما مهد "لانخراطه في الحكومة العربية في دمشق، عبر المؤسسة البرلمانية".

الضباط العراقيون ودورهم في الحكومة الفيصلية

في الجلسة السادسة والأخيرة من جلسات المؤتمر، عرض المؤرخ العراقي سيار الجميل الأبعاد التاريخية لنخبة ضباط عراقيين تسموا بـ "الشريفيين" في إثر التحاقهم بالثورة العربية الكبرى، وظلوا تحت إمرة فيصل بن الحسين مؤسس الحكومة العربية في دمشق في عام 1918. وسلّط الضوء على مكانة تلك النخبة التي جمعت ألمع العسكريين العراقيين من العثمانيين الأواخر. فعرّف بتلك النخبة، وحدد "معناها التاريخي وكيف استمدت شرعيتها السياسية من أيديولوجيا جمعية العهد التي غدت حزبًا قوميًا مؤثرًا". وتقصى الجميل سرّ انجذاب تلك النخبة لفيصل من أجل القضية العربية، واستفادة فيصل من تجاربهم الميدانية والأمنية والفكرية، ولا سيما الألمانية.

وعالج الجميل أدوار الضباط والقادة العراقيين على مدى حياة الحكومة العربية القصيرة، ومن أبرزهم: محمد شريف الفاروقي ونوري السعيد وياسين الهاشمي وجعفر العسكري ومولود مخلص وعلي جودت الأيوبي وجميل المدفعي. ثم شرح العلاقات اللوجستية بينهم وبين سواهم من العراقيين من خلال جمعية العهد.

وذكر الجميل أنّ عدد النخبة الشريفية كان بين 300 و400 عراقي أغلبهم من العسكريين العثمانيين الذين غدوا قادة الجيش العربي (الشريفي) الذي حرر الحجاز وسورية، ودخل دمشق وأسس حكومةً عربيةً مستقلة، فضلًا عن مشاركة بعض المثقفين المدنيين العراقيين في تلك الحركة.

الفلسطينيون والحكم العربي في دمشق

بحث الباحث الفلسطيني بلال شلش في ورقته حضور الفلسطينيين (النخب والعوام) ومواقفهم من الحكم العربي في دمشق، وكيفية تبلور هذا الموقف وتجذّره في ضوء المخاطر والتحولات السياسية التي شهدتها المنطقة عمومًا، وفلسطين خصوصًا بعد الاحتلال البريطاني، والإعلان عن المشروع الصهيوني. وبيّن شلش "الإسهام المؤسس لبعض الفلسطينيين في مؤسسات الحكم العربي ودوائره المختلفة، مدفوعين بالأمل بدولة عربية واحدة تعيد للعرب مجدهم، وبخشيتهم على بلادهم من مخاطر المشاريع الاستعمارية". أما باقي الفلسطينيين من النخب والعوام، فبين شلش تطور مواقفهم في اتجاه إعلان فلسطين بصفتها سورية الجنوبية، تعبيرًا عن رغبتهم في الوحدة، وحاجتهم إلى ممثل يؤمل أن يساهم في إسنادهم ضد المشروع الاستعماري البريطاني ورأس حربته المشروع الصهيوني. وأسس شلش بحثه على مصادر أولية مختلفة، أرشيفية، وكتب ويوميات ومذكرات، لتغطي مواقف عموم الفلسطينيين "للاستماع إلى صوت هتافهم في الاحتفالات العامة كموسم النبي موسى، وفي عرائضهم إلى لجنة كينغ-كراين في حزيران/ يونيو- تموز/ يوليو 1919". وختم بالإشارة إلى تأثير الحكم العربي في وقوع "تحولات في الفكر السياسي الفلسطيني وموقفه من المشروع الاستعماري البريطاني"، والذي تُوّج بإعلان الكفاح المسلح والثورة ضده بوصفهما خيارين إستراتيجيَين للتحرير.

جبل لبنان وسياسة اللامركزية

في الورقة الأخيرة المقدمة إلى المؤتمر، سلّط الأكاديمي والباحث اللبناني، سيمون عبد المسيح، الضوء على "أحداث ومواقف طمستها مسارات الانتداب الفرنسي وتوجهاته ما بعد ميسلون، وتم تعميم أيديولوجيات انقسامية قريبة إلى الحس المشترك منها إلى الحقيقة التاريخية العلمية. ورأى أنّ هذه الحقيقة تتجسد في تطور موقفين: "موقف مجلس الإدارة اللبناني من اتفاق مع الأمير فيصل وحكومته في دمشق، وسياسات الأمير فيصل بوصفها ثورة إصلاحية في تاريخ الرؤية السياسية في الإسلام، والتعددية في الإدارة الحكومية السورية".

وتناول عبد المسيح موقف الفرنسيين من مجلس الإدارة في جبل لبنان فور احتلالهم المنطقة الغربية. وعرض وحلل "التركيبة التعددية لحكومة الركابي والحكومات التي تلتها وإداراتها التربوية والقضائية والعسكرية. وبروز اتجاهات تمييز بين الدين والسياسة". وتوقف عند خطابات الأمير فيصل وسياساته.

أنهى عبد المسيح بحثه بتحليل حادثة مجلس إدارة جبل لبنان في 10 تموز/ يوليو 1920 وأسبابها المتعلقة بالمماطلة الفرنسية، ومحاولة الفرنسيين إقناع الوفد الثالث بالتخلي عن بيروت وطرابلس، والخلاف بين قائد الجند اللبناني والمستشارين العسكريين الفرنسيين، ودور البستاني ورشيد نخله في تأمين التفاوض بين بعض أعضاء مجلس الإدارة وحكومة فيصل.

في ختام فعاليات المؤتمر أعلن خالد زيادة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - فرع بيروت عن قرار لجنة المؤتمر عقد المؤتمر السابع في عام 2020 في الدوحة - قطر، بعنوان "ثورة العشرين في عامها المئة: سرديات الدولة الوطنية والصراع على الذاكرة".