انطلقت يوم الأحد 3 كانون الثاني/ يناير 2021 أعمال الدورة الثانية من المدرسة الشتوية، التي ينظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بعنوان "الدولة وتحولاتها"، والتي تعقد في الفترة 3-11 كانون الثاني/ يناير 2021، عبر تطبيق زوم ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة للمركز.
وتعالج هذه الدورة موضوع الدولة وتحولاتها من خلال نماذج مخصوصة من الوطن العربي وخارجه، وتطرح جملة من الأسئلة المركزية على غرار: ماذا يعني أن تكون دولة ذات سيادة في زمن تصاعد التدخل الأجنبي المباشر؟ أيتعلق تعريف السيادة بالحدود الجغرافية فقط أم يجب أن يعني شيئًا آخر أكبر؟ وهل يمكن أن تكون الدول الضعيفة ذات سيادة حقيقية؟ وما المتغيرات الأهم في تفسير مسارات تشكل الدول في الوطن العربي وخارجه؟ وكيف يفسر ذلك التطور السياسي لهذه الدول وسيادتها اليوم أو غياب هذه السيادة؟
استهلت أعمال اليوم الأول من المدرسة الشتوية بكلمة قدمتها الدكتورة دانا الكرد الباحثة في المركز العربي، رحبّت فيها بالمشاركين والحضور، وعرضت فكرة المدرسة الشتوية وأهدافها وموضوعها. كما أشارت إلى رسالة المركز العربي ودوره في ردم الهوّة المعرفية بين الباحثين العرب ونظرائهم الغربيين، مشيرةً، إضافة إلى تجربة المدرسة الشتوية، إلى مؤتمر طلبة الدكتوراه العرب في الجامعات الغربية، ودورية "المنتقى" الصادرة عن المركز باللغة الإنكليزية، والتي تقوم بترجمة ونشر أبحاث الباحثين العرب المتميّزة، وذلك ليتسنّى للباحثين الناطقين بالإنكليزية التعرّف إلى الإنتاج البحثي العربي، والتفاعل مع نظرائهم من المنطقة حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك. وفي ختام كلمتها، عرضت الكرد جدول المدرسة الشتوية في دورتها الثانية، ودعت الباحثين إلى تبادل خبراتهم البحثية والاستفادة منها، وإثراء النقاش حول المواضيع ذات الاهتمام المشترك.
وقد ترأس الجلسة الافتتاحية الدكتور محمد المصري الباحث بالمركز العربي، والذي رحب فيها بالمشاركين، وأكد أهمية هذه التجربة بالنسبة إليهم في توفير قراءات نقدية معمقة لبحوثهم من قبل الخبراء والأكاديميين المختصين. وقدّم الدكتور وجيه كوثراني أولى المحاضرات وعنوانها "عندما تتحول القيادة الطائفية إلى وسيط بين المواطن والدولة: النموذج التاريخي المستحيل، معطيات من التجربة اللبنانية"؛ إذ حاول فيها تفكيك مداخلة الدولة المستحيلة، من خلال التركيز على العوامل الداخلية المتعلقة بالفاعلين السياسيين، وممارساتهم، ومضامين الثقافة السياسية التي ينطلقون منها. وبناء عليه، قسّم التاريخ اللبناني إلى مراحل تاريخية بدءًا من التاريخ العثماني، مرورًا بمحطالت مصيرية في تاريخ لبنان كإعلان دستور 1926 وميثاق الاستقلال عام 1943 وميثاق الطائف عام 1989، وصولًا إلى تحليل المرحلة الراهنة والتغيرات التي عرفتها بنية النظام الطائفي في لبنان، مشيرًا في ختام محاضرته إلى أنّ الطائفية تزداد صلابة في الحالة اللبنانية.
تلت المحاضرة أولى جلسات المدرسة الشتوية، والتي قُدمت فيها ورقتان بحثيتان؛ الأولى للباحث أراش عزيزي بعنوان "الشيوعيون الإيرانيون والعراقيون: الحرب الباردة وقيود السيادة"، عالج فيها التحالف بين الشيوعيين الإيرانيين والعراقيين تاريخيًا، بالعودة إلى مرحلة الحرب الباردة، مركزًا على ثورة تموز 1958، وفترة الانقلاب المناهض للشيوعية في العراق عام 1963. عقب مداخلة عزيزي، قدّم كل من أمال غزال، باعتبارها أستاذة معقبّةً، وأران روبرت والش، باعتباره الطالب المعقب، ملاحظاتهما المنهجية والشكلية والموضوعية، وذلك قبل فتح باب النقاش أمام الحضور لتقديم مداخلاتهم وأسئلتهم.
أما الورقة الثانية، فهي للباحثة روهيني سين بعنوان "بناء الدولة بعد الاستعمار وإلغاؤها: كشمير بوصفها منطقة صراع على السيادة"؛ عنيت هذه الورقة بتفكيك تصور العلاقة بين القانون والأرض والدولة من خلال التركيز على أشكال ومواقع السيادة المختلفة. وبالتركيز على نموذج كشمير، حاولت الباحثة تفكيك المرحلتين الاستعمارية وما بعد استعمارية لمساءلة إمكانية تأسيس دولة حديثة، رغم العنف الذي مارسته الدولة الاستعمارية/ ما بعد استعمارية في المنطقة. وعقب المداخلة، قدّم عبد الوهاب الأفندي، باعتباره أستاذًا معقبًا، وبشرى نور أوزغولر أكتيل، باعتبارها الطالبة المعقبة، ملاحظاتهما المنهجية والشكلية والموضوعية، وذلك قبل فتح باب النقاش أمام الحضور لتقديم مداخلاتهم وأسئلتهم.
والجدير ذكره أن المركز العربي ينظم المدرسة الشتوية سنويًا، حيث عقدت الدورة الأولى شتاء 2020. ويأتي عقد المدرسة الشتوية في دورتها الثانية تكريسًا للنجاح الذي حققته دورتها الأولى، التي أسّست لتقليد أكاديمي جديد في الوطن العربي؛ حيث تلقت اللجنة التنظيمية للمدرسة الشتوية 50 ملفَ ترشحٍ من باحثين وأكاديميين من مختلف أنحاء العالم. وبعد عملية تحكيم وتقييم دقيقة، اختارت اللجنة 10 باحثين سيقدمون بحوثهم خلال أيام انعقاد برنامج المدرسة الشتوية الذي يهدف إلى توفير قراءةٍ معمقة ونقدية لبحوث المشاركين ودراساتهم في موضوع الدولة، وذلك عبر جلسات يقدم المشاركون خلالها بحوثهم ثم يعقّب عليها عدد من الخبراء والمختصين.