بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثامن والأربعون (ربيع 2024) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، وتضمّن دراسات متنوعة المواضيع عن الأبوية الاستعمارية في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي، والطب الحيوي في المغرب، وتحولات انتفاضات الربيع العربي في ليبيا والسودان ولبنان، ودراسة العلوم الاجتماعية لحركات الربيع العربي، إضافةً إلى دراسة مترجمة عن الانعكاسية في الممارسة الإثنوغرافية، وورقة عن اتجاهات الرأي العام العربي تجاه الهجرة، ومراجعتين لكتابين.

استُهِلّ العدد بدراسة لأشرف عثمان بدر وعاصم خليل، عنوانها "الأبوية الاستعمارية في ظل الحكم العسكري الإسرائيلي (1967-1977): الرعاية الاجتماعية مدخلًا"، بحثت في منظومة الأبوية الاستعمارية في العشرية الأولى للحكم العسكري الإسرائيلي، للضفة الغربية وقطاع غزة، ومرجعيتها القانونية والمالية، وأشكال مقاومتها، استنادًا إلى مادة أرشيفية جديدة لجلسات لجنة المديرين العامين في الوزارات الإسرائيلية، وسِجلّ الأوامر العسكرية الإسرائيلية. وقد بيّنت الدراسة كيف هدفت منظومة الرعاية الاجتماعية الإسرائيلية إلى تكريس سياسات السيطرة وضبط السكان الفلسطينيين واستغلالهم، والتدوير المالي وشراء المواد "المدعومة" من السوق الإسرائيلية، والظهور في الوقت نفسه بمظهر الراعي الحريص على مصالحهم.

أما دراسة فاروق الطاهري، "الطب الحيوي بوصفه طبًّا شعبيًا لدى المرضى النفسيين وعائلاتهم: دراسة في إعادة إنتاج الوصفات الطبية خارج المستشفى في المغرب"، فانطلقت من نظرة عامة للكيفية التي صار بها التشخيص الطبي وسيلةً من وسائل "تطبيب المجتمع"، ثم عبر تطور الطب الحيوي في شكل أدوية، وانتقال المجتمع في العقود الأخيرة إلى مرحلة "الصيدلة". ومن خلال البحث الميداني المنجز في مشفيي وجدة وتطوان للأمراض النفسية والعقلية، بيّنت الدراسة أن المرضى وعائلاتهم يعبّرون عن عقلانية موازية للعقلانية الطبية في خصوص الوصفات الطبية؛ ما يجعلهم يتلاعبون بالأدوية ويستخدمونها لخدمة مصالحهم المختلفة، من دون أن يعطّلوا الوصفة الطبية كلّيًا، وذلك من أجل ضمان الإبقاء على المواطنة الصيدلية للفرد المريض، وبذلك يجعلون الطب الحيوي طبًّا شعبيًا.

وقدّمت دراسة صالح أبو الخير، "تحولات الخطاب السياسي في ليبيا بعد عام 2011: دراسة في التأثير المركب للانتماء"، رصدًا لتحوّلات الخطاب السياسي في ليبيا، من خلال بحث الخطاب المنتمي إلى ثورة 17 فبراير، وكيفية محافظته على اتّساقه وتأثيره خلال الشهور الأولى للثورة، ثم تفسير التحوّل من خطاب وطني جامع إلى خطاب يُعبّر عن قضايا هووية وأيديولوجيات حزبية وعقائدية، وعلاقاته المركبة بانزلاق الواقع الليبي إلى الصراع، ثم إلى الحرب الأهلية.

وفي السياق ذاته، تناولت دراسة أحمد إبراهيم أبو شوك "تجمّع المهنيين السودانيين وسؤال التنظيم والقيادة في الثورة السودانية (2018-2019)"، جذور تجمّع المهنيين السودانيين التاريخية ونشأته وتطوّره والاستراتيجيات التنظيمية والقيادية التي اعتمدها خلال فترة الحراك الثوري الذي استمر مدة أربعة شهور. ثم ناقشت تراجع دوره خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط النظام وتشكيل الحكومة الانتقالية، وحللت الصراعات الحزبية داخل تحالف قوى الحرية والتغيير وردّات أفعال أنصار النظام القديم التي مهّدت الطريق لانقلاب 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2021 والحرب الجارية الآن في السودان.

ويُختم باب "دراسات" في هذا العدد بدراسة لبول طبر عنوانها "انتفاضة 17 تشرين 2019: هل نجحت في اختراق بنية النظام اللبناني؟"، وفيها يتناول خصائص هذه الانتفاضة في لبنان، من خلال مقارنتها بحدثين أساسيين في تاريخ لبنان الحديث؛ الأول هو ثورة الفلاحين في جبل لبنان في الفترة 1858-1860، والثاني سلسلة الحركات الشعبية والمطلبية في الفترة 1964-1975. واعتمادًا على عمل ميداني، تُحدد الدراسة خصائص انتفاضة 17 تشرين، وتُعيّن حدود اختراقاتها بنية النظام اللبناني، وعلى رأسها غياب البرنامج السياسي الموحد للمنتفضين، فضلًا عن فقدان الإطار التنظيمي المشترك بين جميع القوى المنتفضة.

أمّا باب "مناقشات"، فتضمّن ورقة بعنوان "حركات الربيع العربي تحت مجهر العلوم الاجتماعية: فرضيات واستنتاجات" لعبد المجيد السخيري، هدفت إلى عرض أربعة أطر نظرية أساسية تجاذبت حقل دراسات "الربيع العربي"، وانكبت على تحليل حركاته وتفسيرها، سواء أكانت من ضمن موجتَيه الأولى (2011) أم الثانية (2018/ 2019). وركزت الدراسة في ذلك على الفرضية الثورية، والفرضية الشعبوية، ثم الفرضية الانتقالية أو فرضية التحول الديمقراطي، ثم فرضية الحركات الاجتماعية، لتتجه إلى تركيب خلاصات واستنتاجات عامة في ضوء ما سيظهر من تقاطعات بين مختلف المقاربات.

وفي باب "ترجمة"، نقرأ ترجمة غريس أبو خالد لدراسة مزنة المصري وسمر كنفاني ولميا مغنية وإيلينا ناصيف وإليزابيث صالح وزينا صواف "الانعكاسية في الممارسة الإثنوغرافية وإنتاج المعرفة: أفكار من المنطقة العربية"، التي تدعو إلى العودة إلى الانعكاسية بوصفها مفهومًا أوسع نطاقًا وأكثر علائقيةً، وتقترح برنامجًا منهجيًا لتحقيق ميزة الانعكاسية النقدية والأخلاقية والسياسية والحفاظ عليها، وذلك من خلال مناقشة قيمة الانعكاسية باعتبارها مسعًى إثنوغرافيًا تفاعليًا وتعاونيًا كفيلًا بإنتاج مزيد من المعرفة العلائقية والتشاركية حول المواقع الميدانية الضاغطة على نحو متزايد في المنطقة العربية وخارجها.

وأعدّ مجد أبو عامر لباب "تقارير"، ورقة بعنوان "فيمَ يفكر من يفكر في الهجرة؟ إجابات من المؤشر العربي (2011-2022)"، بيّن فيها، استنادًا إلى استطلاعات المؤشر العربي الثمانية التي نفذها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات دوريًا في 14 بلدًا عربيًا خلال الفترة 2011-2022، أنّ ربع مواطني المنطقة العربية يرغبون في الهجرة بنسبة شبه ثابتة على مدار الاثنتي عشرة سنة الأخيرة، مع ارتفاعها لدى الشباب مقارنةً بالفئات العمرية الأكبر سنًا، ولدى الرجال مقارنةً بالنساء، ولدى الحاصلين على مستوى تعليمي ثانوي فما فوق مقارنةً بالحاصلين على مستويات تعليمية أدنى. ووجدَ الباحث أنّ تحسين الأوضاع الاقتصادية ما زال العامل الأهمّ في تفكير مواطني المنطقة العربية في الهجرة، وأن نصف الراغبين في الهجرة يفضلون الهجرة إلى بلدانٍ أوروبية ودول الخليج العربية.

أخيرًا، اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة خطري العياشي لكتاب أسس التمثلات الاجتماعية: المصادر والنظريات والممارسات لساندرين غيمار، ومراجعة محمد المخلوفي لكتاب البحث السردي في العلوم الاجتماعية: نظريات وتطبيقات لحسن احجيج.

أمّا لوحات العدد، فجاءت من أعمال الفنانة البصرية الفلسطينية ريم مصري، التي تبحث العلاقة بين الأرض والذاكرة والهوية الذاتية من خلال تفكيك العلاقة مع المناظر الطبيعية وإعادة بنائها والبحث في دلالاتها.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.