بدون عنوان

المشاركون من أساتذة وباحثين وطلبة تفاعلوا بالنقاش مع طروحات المحاضر

قدّم المؤرخ العربي هشام جعيط محاضرة اليوم تحت عنوان "التاريخ الإسلامي بين الرؤية الاستشراقية والرؤية من الداخل" على هامش ندوة مجلة "أسطور" للدراسات التاريخية التي يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي خصصت لموضوع "التحقيب في التاريخ العربي الإسلامي".

المؤرخ هشام جعيط

وتناول هشام جعيط في محاضرته دراسة السيرة النبوية، إذ قدّم عرضا بانوراميا لكتابه عن السيرة النبوية المنشور في ثلاثة أجزاء والذي يعد أهم كتبه. ووصف الدكتور عزمي بشارة في تقديمه المحاضر بكونه أحد أهم المؤرخين العرب، فهو مفكر ومؤرخ في الآن ذاته، وحتى أنثروبولوجي. وأوضح أن جعيط اقتحم مجالا جريئا عندما خاض، من موقع المؤرخ العربي المسلم، في موضوع التاريخ الإسلامي المبكر لفهم الشخصية العربية الإسلامية من خلال نشأة المدينة العربية عبر كتاب "الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية"، ولاحقا عبر دراسة السيرة النبوية بواسطة المنهج التاريخي، ورد فيها على سردية المستشرقين الغربيين عن السيرة النبوية.

وأشار جعيط في بداية المحاضرة إلى أن دراسته السيرة النبوية تنطلق من منهج "التاريخ المفكر فيه" في الرد على الآراء الاستشراقية، وتطرق إلى مفهوم الوحي في الكتابات الإسلامية ورؤيته المقارنة ما بينها. وأوضح أن الفكر العربي لا يحاول التعرف على الأديان الأخرى في الشرق الأقصى كالهند وإيران وانحصر تركيزه على ما قدمته المركزية الأوربية بخصوص المسيحية واليهودية. وأوضح أنه حاول في أول كتب ثلاثية السيرة النبوية أن يفتح للقارئ العربي نافذة على الديانات الشرقية الأخرى بوصفها ديانات وحي أيضا ويعرفه عليها.

الدكتور عزمي بشارة في تقديمه المحاضر

وفي تلخيصه لمجمل أفكار الجزء الثاني من ثلاثيته (في السيرة النبوية: تاريخية الدعوة المحمدية في مكة)، أشار المحاضر إلى أنه ركّز على تقديم الوسط الذي عاش فيه النبي محمد (ص) من خلال منهج أنثروبولوجي درس علاقات القرابة والزواج وكيف تأسست "مكة" حما من حمى العرب، ووضّح في هذا السياق مفاهيم من قبيل "الحرم المكي" وما المقصود بـ"الحرمة" عند العرب في تلك الفترة، والتي حصّنت مكة من دون أسوار ولا قلاع عكس غيرها من المدن. كما تناول بالمنهج ذاته مفاهيم "الحُمس" و"الإيلاف" و"القبيلة" و"العشيرة" و"السلالة"، ودحض في كل مرة آراء المستشرقين حولها، مقدما رؤية مغايرة تنطلق من القرآن أولا ومن الكتابات الإسلامية المبكرة.

وتحدث المؤرخ هشام جعيط في سياق تقديم أهم ما تناوله الجزء الثالث من ثلاثيته والذي صدر بداية بالفرنسية عام 2012 ثم باللغة العربية في عام 2014 تحت عنوان "في السيرة النبوية: مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام"، عن هجرة النبي محمد إلى المدينة، ورأى أن المدينة اختارته ضمن تقليد درجت القبائل العربية عليه بأن تختار شخصية تتسم بالموضوعية لتحكيمها بين طرفي الصراع - وهما في المدينة الأوس والخزرج - بما ينهي اقتتالهما. وهكذا استقر النبي محمد في المدينة وعمل على إدارة السلم فيها ضمن بنود "صحيفة المدينة" التي يؤكد جعيط أنها كانت صحيفتان ألصقتا معا وكتبتا في فترتين متباعدتين الأولى في العام هجري الأول والثانية في العام الثالث، ولم تكن صحيفة واحدة كاملة منذ كتابتها أول مرة كما ادعاه المستشرقون. ويركز على هذه النقطة للرد على ادعاءات هؤلاء المستشرقين بأن النبي محمد قد عدّ اليهود جزءًا من "الأمة" الإسلامية ما دامت الصحيفة كانت تستخدم عبارة "أمة المؤمنين". ويرى جعيط أن مفهوم الأمة في الصحيفة كان يقوم على الدين، واليهود بموجب هذا الفهم التاريخي للأمة يشكلون أمة أخرى غير أمة المسلمين وهم يتبعون القبائل العربية بحكم الموالاة فهم "موالي العرب"، وأن موقعهم في الصحيفة هامشي مرتبط بوجود تحالف للدفاع عن المدينة من العدو الخارجي، وبمجرد وقوع ما اعتبر خيانة لهذا الميثاق أصبحوا خارجه.

وتبع عرض المؤرخ هشام جعيط مناقشات مستفيضة لأهم أفكار ثلاثيته، ساهم فيها عدد من أساتذة معهد الدوحة للدراسات العليا ومن الباحثين في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وأساتذة من قسم التاريخ في جامعة قطر إضافة إلى طلبة من معهد الدوحة.

وقد تلت المحاضرة ندوة "التحقيب في التاريخ العربي الإسلامي" التي تعقدها مجلة "أسطور" ضمن سلسلة ندوات دورية في كل عدد من أعدادها، وستنشر أعمالها كاملة في العدد الثالث من المجلة. ومجلة "أسطور" هي مجلة نصف سنوية يصدرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وتعنى بنشر الدراسات التاريخية المحكمة والنصوص التاريخية الدفينة.