بدون عنوان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات السيمنار الأسبوعي، في 21 كانون الأول/ ديسمبر بعنوان "ديناميات الصراع السياسي الاجتماعي في اليمن". قدّم السيمنار أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، والأستاذ الزائر بجامعة قطر فؤاد الصلاحي الذي ألّف مجموعةً من الكتب والدراسات المهتمّة باليمن، أهمها: الدولة والمجتمع المدني في اليمن، وثلاثية الدولة والقبيلة والمجتمع المدني.


بدأ الصلاحي محاضرته بطرح مجموعة من التساؤلات التي عدّها مشروعة؛ بشأن طبيعة الثورة اليمنية التي رأى أنّها "انتفاضة شعبية"، وأهدافها، وطبيعة القوى المحركة، وطبيعة التدخلات الخارجية إقليميًا ودوليًا في إطار استقطابٍ تتزايد معه المخاطر السياسية، فضلًا عن التساؤلات بشأن مسار تشكّل الدولة في اليمن. وهو ما حاول الإجابة عنه في هذه المحاضرة من خلال قراءة فاحصة لدلالات الربيع اليمني ودينامية الشعب والمجتمع؛ في سياقٍ تتداخل فيه مصالح الداخل والخارج إقليميًا ودوليًا، ما يعزّز الحاجة إلى تحليل سوسيولوجي يُفسّر عوامل تشكّل ثورات الربيع العربي وسياقاتها المجتمعية ويشرحها، بحسب رأيه، وفقًا لخصوصيات الجغرافيا وطبيعة القوى السياسية المدينية وأوضاع تشكّلها.

يرى الصلاحي أنّ اليمن شهد، خلال القرن العشرين حتى شباط/ فبراير 2011، خمس ثورات تعددت قواها الطبقية وتنوعت أساليب النضال الشعبي، لكنها جميعًا استهدفت تحقيق بناء الدولة الوطنية وفق هوية سياسية تُعبّر عن جغرافية موحّدة، ونظام سياسي يمثل اليمنيين يعكس تطلعاتهم الحضارية، ليصل إلى استنتاج أنّ اليمنيين اتصفوا على الدوام بالفاعلية السياسية والاجتماعية بدلًا من التوصيف الذي يقلّل من ثورية هذا الشعب، استنادًا إلى نمط عيشه في تجمعات قبلية وزراعية محافظة وفق منظومة التقاليد المتّبعة تاريخيًا. ويتناسى هؤلاء، أو يتجاهلون، ما شهد اليمن من متغيرات خلال القرن العشرين؛ وفق العوامل الخارجية (وجود بريطانيا في الجنوب، والهجرة الواسعة إلى خارج اليمن)، ثمّ تزايد مسارات التعليم ونموّ المراكز الحضرية وظهور فاعل للحركات السياسية بتعدد أيدولوجياتها اليسارية والقومية والإسلامية وتنوعها، فضلًا عن الحركات التقليدية. ومن ثمّ، نفهم قيمة الثورة الشعبية (أو الانتفاضة الشعبية) ودلالتها التي ظهرت في سياق ربيع عربي تكلّلت ثوراته بالنجاح مطلع عام 2011؛ إذ شكّلت هذه الثورات حدثًا غير مسبوق في تاريخنا الحديث والمعاصر، من حيث دينامية الشعب وطليعته الثورية، متمثلًا بالشباب الذين أظهروا إدراكًا ووعيًا كاملين بعمق الأزمات البنيوية التي سادت مجتمعاتنا، وتزايد مخاطرها سياسيًا واجتماعيًا، وقد تبلور وعيُهم بعدم فاعلية الروافع التنظيمية التقليدية (الأحزاب) التي كانت تعكس صورةً باهتةً لأنظمة الحكم وممارساتها وخطابها السياسي.

فؤاد الصلاحي

يرى الصلاحي أنّ الشباب اليمني المدعومين باصطفاف شعبي واسع قد أظهر حضورًا للطلبة والعمال والفلاحين وفقراء القبيلة والريف والمرأة، علاوةً على دعمٍ حزبيٍّ محدود في بداية المسار الثوري. وقد أدهش المشهد كثيرًا من المراقبين داخل اليمن وخارجه، وكان تعبيرًا عن تنامي الوعي السياسي بمشاهد الظلم والفساد، واستملاك الدولة من جماعات لا همّ لها سوى الإثراء السريع؛ فعملت عن قصدٍ، من خلال سلسلة متصلة من الاحتجاجات والوقفات المناهضة للنظام، على تغييب فاعلية القانون ومؤسسات الدولة والإفراط في العنف والقمع تجاه النقد الصحفي والممارسات الجماهيرية.

ويخلص الصلاحي إلى أنّ أهم إيجابيات الربيع اليمني، على الرغم من المعاناة اللامحدودة للشعب، تشكُّل روح وطنية جديدة ترنو إلى التمسك بأهداف الحركة الوطنية التي ظهرت في ثلاثينات القرن الماضي، وقد تجسدت في ثورة أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر، والتمسك بالجمهورية والدولة والمواطنة، والرغبة العميقة في الانعتاق من موروث سياسي وثقافي مزّق الوطن، وكان مبررًا للحروب والاقتتال الأهلي.

يختم الصلاحي بأنّ الشارع اليمني والعربي أصبح قوةً تعبيريةً وتغييريةً فاعلةً لم يعُد لأيّ قوة سياسية رسمية أو حزبية القدرة على تجاوزه. ومن ثمّ، أصبحت المدن وشوارعها مجالًا لاستخدام العنف الرمزي الهادف إلى تغيير النظام، أو اهتزاز مكوناته ومرتكزاته، وإضعاف مشروعيته في المجتمع. وقد عبّر عن تفاؤله بدور الثورات الشبابية الشعبية، وأَمل أنْ ينتصر اليمنيون لحاضرهم ومستقبلهم؛ وهو ذاته انتصارٌ لاستعادة كرامتهم وإنسانيتهم.

قام بالتعقيب على السيمنار الدكتور إبراهيم فريحات الأستاذ في برنامج إدارة النزاع والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، وفي إثر ذلك جرى نقاش عامّ شارك فيه جمهور الحاضرين.