بدون عنوان

عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة السيمنار الأسبوعي بعنوان "منزلة الدين في فلسفة سورين كيركغارد"، وذلك يوم الأربعاء 4 كانون الثاني/ يناير 2017 بحضور باحثين في المركز العربي وأساتذة في معهد الدوحة للدراسات العليا، في إطار برنامج السيمنار الذي يعقده المركز أسبوعيًا. قدّم السيمنار الباحث كمال طيرشي، وهو باحث مساعد في المركز، تركّز بحوثه في فلسفة الدين والمقدّس والمقاربات الحديثة للظاهرة الدينية، إضافةً إلى مطارحة قضايا الدين وأنسنة اللاهوت.

انطلق الباحث من عرض الجذور الأولى لتبلور المنحى الديني عند سورين كيركغارد ومن خلاله تطرّق إلى المرحلة الأولى من حياة الفيلسوف وتشبّعه بالروح المسيحية وتأثّره بالتربية اللاهوتية الصارمة من خلال والده الذي عرّفه بمسيحية قاتمة، هذا إضافةً إلى تأثّره بالخطيئة التي عاناها والده جرّاء التجديف على الإله، فضلًا عن وقوع سورين في حب الفتاة رجين أولسن وتعلّقه بها ثم فسخة الخطوبة في أوضاع مأساوية لها ارتباط شديد بطبيعته النفسية والدينية التي سيّرته في هذا المنحى واضطرته إلى أن يغيّر نظرته إلى مفهوم المحبة والسعي إلى التضحية بحبه الأدنى بغية الفوز بالمحبة الربانية السرمدية على الشاكلة الإبراهيمية المدثرة بمفهوم الفداء. كما أشار الباحث إلى المدارج الكبرى للوجود بدءًا بالمدرسي الحسي الجمالي على الشاكلة الدون جوانية الساعية إلى الإشباع الحسي واللذة الآنية، منتقلًا إلى المنحى الأخلاقي حيث يكون الاختيار هو جوهر هذه المرحلة بحكم أنّ الأمر مرهون بالاختيار من ضمن الممكنات التي تحقق إرادة الفرد المنفرد في علاقته بالرب وكذا علاقته بالناس، لينتقل إلى المرحلة الدينية اللاهوتية حيث التجرد التام من الحسيات الدرنية والانتقال إلى اللحظة اللاهوتية الخالصة حيث تتواشج علاقة الفرد المنفرد في خلوته القيومية بالرب المخلص، ويكون الحب القلبي هو سر هذه العلاقة.

كما تطرّق الباحث إلى مفهوم التضحية السرمدية على الشاكلة الأيوبية والإبراهيمية وما للتضحية من دلالات إمكان الرجعى والفداء. وفي هذا السياق ناقش كتابين مهمين لسورين؛ أولهما كتاب خوف ورعدة وثانيهما كتاب الرجعى. هذا، وعرض الباحث المفاهيم الجوهرية للمسيحية الصحيحة مستحضرًا مفاهيم غامضة أوردها سورين في كتاباته؛ كمفهوم الخطيئة الأصلانية والقلق المسيحي والفرد والمنفرد ومفهوم اليأس.

كمال طيرشي

تناول الباحث في النهاية ثورة سورين كيركغارد على مسيحية عصره والتبشير بيسوع جديد؛ إذ يعتقد كيركغارد أنّ استمرار وجود الكنيسة هو قضية مرتبطة بالمال وأنّ صمت رجال الدين الموقّر عنه يمكن تفسيره ببساطة على أنه استجابة الدولة لتمويلهم، وأنّ إلغاء المسيحية تم عبر انتشار ملايين الأسماء المسيحية التي يهدف دهماؤها إلى التغطية على قضية أنّه لا يوجد مسيحي وأنّ المسيحية غير موجودة بتاتًا، وقد وجد كيركغارد في الوقت المناسب مشكلته مع الكنيسة القائمة في عصره ورجالها من القساوسة والرهبان؛ فالألف كاهن أو نحو ذلك في كل البلاد يعبثون بالمسيحية إذ جعلوا من الكنيسة مصدرًا لكسب الرزق، لكنهم لم يحذقوا أنّ المسيحية هي أولًا وقبل كل شيء هي الترفّع عن هذه الترهات. كما أشار الباحث إلى المحنة الكبيرة التي تعرّض لها سورين، وهي هجوم مجلة القرصان، وبداية هجومه على العالم المسيحي من خلال إصدار صحيفة اللحظة. وهي صحيفة أشرف عليها سورين وصدر منها تسعة أعداد.

وفي الختام، قام بالتعقيب على الأطروحة الدكتور بدران مسعود بلحسن. وهو أستاذ مشارك في مقارنة الأديان وفلسفة الدين، في برنامج مقارنة الأديان، في كلية قطر للدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة. وتلاه نقاش شارك فيه الحضور.