صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العددُ السابع والستّون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. وفي العدد دراسات متنوعة في الثقافة والتاريخ والاستقطاب في مجال السياسة. وتضمّن توثيقًا لأهم محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز محطات التحول الديمقراطي في الوطن العربي، ومراجعة كتاب عن الحركة الاحتجاجية في الجزائر.
يميّز منير الكشو، في دراسته بعنوان "بين الثورة والديمقراطية: الخلفيات الفلسفية لفكر اليسار الراديكالي الفرنسي"، بين الخطاب السياسي لليسار الراديكالي في فرنسا، الذي يضع قيمة المساواة الاقتصادية والاجتماعية في مرتبة أعلى من قيم الحرية والعدالة والمواطنة، وبين اليسار الفرنسي المعتدل الذي يرى أن تحقيق المساواة يتطلب إطاحة النظام الرأسمالي وإلغاء اقتصاد السوق. ويناقش أنّ اليسار المعتدل الفرنسي، على خلاف نظيره في ديمقراطيات أخرى، حافظ على تماسكه مع اليسار الراديكالي، حيث تقاسم معه قناعة أنّ التحرر الحقيقي يستوجب اجتثاث جذور الاستغلال والاستلاب، رغم أنه تبنّى سياسات براغماتية واحترم الديمقراطية عندما تولّى الحكم. ويشير الكشو أيضًا إلى الاختلافات الجوهرية بين ثقافة اليسار الراديكالي الجديد وثقافة اليسار الماركسي. ويتطرّق إلى المرجعيات الفلسفية التي تشكّل الأساس لخطاب اليسار الراديكالي الفرنسي الجديد، موضحًا أسلوبه المميز في الدفاع عن مواقفه.
ويناقش ساري حنفي، في دراسته بعنوان "الاستقطاب المجتمعي والحرية الأكاديمية في زمن الليبرالية الرمزية"، تزايد مستويات الاستقطاب والتعصب في الحوارات حول القضايا السياسية والاجتماعية داخل الحرم الجامعي ووسائل الإعلام، حيث أصبح الانحياز إلى طرف معيّن أكثر شيوعًا من بناء الحجج المقنعة. ويستند إلى أمثلة من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وتأثيرات الحرب الجارية على قطاع غزة، ليشير إلى أنّ هذا التعصب يتجلى في "ثقافة الإلغاء" لدى قوى اليمين واليسار على حد سواء، ما أسهم في انتشار "ثقافة الإفراط بالسلامة". وقد دفعت هذه الثقافة الجامعات إلى فرض عقوبات سريعة على الأساتذة بسبب استخدامهم مراجع مثيرة للجدل في المناهج الدراسية. ويرى حنفي أنّ مواجهة التعصب والتوفيق بين الحرية الأكاديمية والتنوع والإنصاف والإدماج هي عملية طويلة تحتاج إلى إشراك جميع الأطراف في حوار نقدي.
ويقدّم حسن عبيد، في دراسته بعنوان "نحو إعادة النظر في الثقافة السياسية من خلال نظرية بيير بورديو السوسيولوجية: حالة فلسطين بعد الانقسام عام 2007"، إطارًا مفاهيميًا تفسيريًا يستند إلى نظرية بورديو، موضحًا أنها توفر أداة مرنة لتحليل البنى والفاعلين وعلاقات الهيمنة والسيطرة في السياق الفلسطيني. ويتناول، في سياق دراسة الحالة، سعي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، لخلق فضاءات عامة تناقَش فيها القضايا الفلسطينية المتنوعة، لافتًا إلى دور رأس المال الرمزي في إعادة إنتاج العلاقات. ويرى أنّ حماس تعتمد على خطاب الكفاح المسلح وممارساته، في حين تعتمد فتح على استعارات ورمزيات وتعبيرات خطابية، كخطاب الشرعية النابع من الاعتراف الدولي، وفي الوقت نفسه تعتمد على رمزيات كفاحية من الماضي.
وتوضح نجلاء مكاوي، في دراستها بعنوان "سلطة التأريخ وتأريخ السلطة لحركات التمرد العنيف: ملاحظات نقدية من انتفاضات 1968 و1977 و1986 في مصر"، تأثير التأريخ الفوقي في المعرفة التاريخية. وتسلط الضوء على العيوب المنهجية والموضوعية التي تعتري هذا التأريخ، ما يؤدي إلى إنتاج مقاربات ترسخ تصورات نخبوية، وتطغى عليها انحيازات سياسية وأيديولوجية، على نحوٍ يهمش فئات مهمة من الشعب ويجردها من فاعليتها. وتدعو مكاوي إلى مراجعة هذه المقاربة الفوقية، مشددةً على أهمية الموضوعية والقراءة المعمقة "من أسفل" لاستكشاف سرديات متنوعة تعكس تجارب جميع الفئات، بدلًا من الاعتماد على تأريخ السلطة الذي يعكس رؤى محددة فقط. ولتوضيح ذلك، تركز على ثلاثة أمثلة بارزة من تاريخ مصر المعاصر، هي: انتفاضة 1968 ضد جمال عبد الناصر، وانتفاضة 1977 ضد محمد أنور السادات، وتمرد جنود الأمن المركزي ضد محمد حسني مبارك عام 1986.
وتكشف رنا باروت، في دراستها بعنوان "إشكالية الانقسام في العلاقات العسكرية - العسكرية في مرحلة الانفصال في سورية (1961-1963)"، عن التحديات التي واجهت العلاقات العسكرية في سورية خلال فترة انفصال الجمهورية العربية المتحدة. وتعتمد على تحليل المصادر الأولية والأرشيفية لتبيّن إخفاق تطبيق "نظرية التوافق" الذي أدى إلى تفاقم الانقسامات العسكرية. وتُظهر أنّ هذه الانقسامات أدت إلى تشرذم خطير داخل المؤسسة العسكرية، وأسهمت في تفكك النظام السياسي نفسه خلال فترة الانفصال. وتتناول أيضًا الشروط الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في هذه التطورات. وتركّز أيضًا على بروز كتلة الضباط الشوام نتيجةً لسياسات احتواء الكتل العسكرية وتفكيكها خلال مرحلة الوحدة، وتمكّن هذه الكتلة من تنفيذ انقلاب الانفصال. ثم تحلل فشل هذه النخبة في السيطرة على الجيش وأجهزة الحكم، ما أدى إلى ظهور كتل انقلابية متصارعة.
أما في باب "التوثيق" فاشتمل العدد على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 كانون الثاني/ يناير - 29 شباط/ فبراير 2024. وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّت ياسمين الذوادي مراجعة لكتاب "الحراك الجزائري: نظرة إلى الخلف على حركة احتجاجية غير مسبوقة"، لسليم شنة وعبد النور بن عنتر ولويزة إدريس-آيت حمادوش، والذي صدر عن دار نشر لارماتان.
** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.