صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الثامن (ربيع 2024) من دورية حِكامة التي تُعنى بالإدارة العامة والسياسات العامة. والعدد متاح تحميله مجانًا من موقع الدورية، وهو يتضمن ست دراسات، ومراجعتين.
كتبت الدراسة الأولى عائشة البصري، وهي بعنوان "تعطيل آلية إنذار الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية بشأن فلسطين". تستهدف الدراسة البحث في أسباب تعطل آلية الأمم المتحدة للإنذار المبكر لمنع الإبادة الجماعية، منذ إنشائها في عام 2004، في حالة فلسطين، وعدم نقل الأمين العام للأمم المتحدة ومستشارته المعنية بمنع الإبادة الجماعية تحذيرات الفلسطينيين والخبراء الدوليين من مخاطر ارتكاب إسرائيل جريمة إبادة في غزة إلى مجلس الأمن. واستنتجت الدراسة أن أسباب تعطل الآلية في فلسطين عمومًا، وغزة تحديدًا، تتلخص في خمسة عوامل رئيسة؛ وهي: عدم استقلالية آلية الإنذار المبكر وخضوعها لسلطة الأمين العام؛ وغياب لجنة خبراء مستقلة تراقب عمل المستشار الخاص واستقلاليته؛ وخضوع الأمين العام لضغوط إسرائيل وحلفائها؛ وعدم ربط مسؤولية منع الإبادة بالمساءلة؛ وتقصير السلطة الفلسطينية والدول العربية تجاه تفعيل الآلية في حالة فلسطين، في مقابل نجاح إسرائيل وحلفائها في تسخير آلية الإنذار المبكر لمكافحة ما يسمى "معاداة الساميّة الجديدة" الهادفة إلى إسكات أي انتقاد لسياسات إسرائيل وممارساتها. ولتجاوز هذه العيوب المؤسسية وأوجه التقصير تقدم الدراسة بعض التوصيات للمساهمة في إصلاح هذه الآلية.
أما الدراسة الثانية فعنوانها "الشراكات بين القطاعين العام والخاص في السودان: الفرص والتحديات"، وكتبها منجد عبد الله وتامر قرموط. وتستهدف تقصّي واقع مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص في السودان، وترصد التحديات والعقبات الماثلة أمام تنمية الإمكانات والفرص المتاحة لهذه المشاريع واستغلالها. وتعتمد المنهج النوعي، وتستند إلى مقابلات مع الخبراء وذوي الاختصاص والممارسين المنخرطين في مشاريع الشراكة في السودان. وقد خلصت إلى أنّ السودان له فرصٌ واعدة لإقامة مشاريع الشراكة، وبخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والبنية التحتية، إضافةً إلى قطاعات التعدين والسياحة والطاقة المتجددة. وبيّنت الدراسة أيضًا وجود تحديات تعترض هذه المشاريع، أبرزها عدم استقرار الأوضاع السياسية، وتردّي الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع مؤشرات الفساد، فضلًا عن تعقّد البيئة التشريعية والإدارية. ومن أجل التغلب على هذه العراقيل، أوصت الدراسة بضرورة تبنّي سياسات وإجراءات حكومية واضحة وذات فاعلية لتعزيز الثقة بين القطاعين ومكافحة الفساد، وتحسين البنية التحتية، وتوفير التشريعات اللازمة، وتعزيز الوعي بفوائد الشراكات.
وفي دراسة بعنوان "صراع التكيف: حالة مواليد السعودية الفلسطينيين من جيل الألفية العائدين إلى الأردن"، كتب عبد الله أبو لوز عن السياسات التي اعتمدتها الحكومة السعودية منذ تموز/ يوليو 2017، والمتمثلة في فرض حزمة ضرائب جديدة على مرافقي العمالة الوافدة، وأثرها في الجالية الفلسطينية المقيمة في المملكة العربية السعودية، ولا سيما الفلسطينيين من جيل الألفية المولودين في السعودية، والذين ينتمون إلى الجيلين الثاني والثالث من الأسر الفلسطينية المهاجرة للعمل. وباستخدام الإثنوغرافيا الذاتية منهجًا للبحث، تعرض الدراسة التجارب الشخصية التي دفعت بهذا الجيل إلى العودة القسرية إلى الأردن بعد فرض تلك الضرائب. إضافة إلى ذلك، تستكشف مراحل التثاقف النفسي ونتائجه، في محاولة لتبيين الكيفية التي جرت بها هذه التحولات على هوية هذا الجيل الثقافية قبل انتقاله إلى الأردن وبعده. وتعتمد في هذا إطارًا نظريًا جديدًا يتصور عمليات التثاقف بوصفها مراحل حياتية متداخلة، تشكّل فيها الهوية الثقافية مرآة تعكس الطبيعة المتطورة لهذه التغييرات، وتتبين ملامحها مع مرور الوقت؛ ما ينتج هويةً تتسم بالتعقد وتعدد الطبقات. وتبرز الدراسة التأثيرات النفسية والثقافية الهائلة لتلك السياسات/ الضريبة في حالة الدراسة من فلسطينيي جيل الألفية المنتقلين إلى الأردن، وتبيّن الآثار اللاحقة في مشاعرهم بالانتماء بعد مغادرتهم السعودية.
وكتبت عنود المري وموسى علاية دراسة حول "الاستدامة المالية للقطاع الثالث في دولة قطر من خلال الاستثمار العام المباشر". وتنحو هذه الدراسة منحًى استشرافيًا، ينظر في موجبات تحقيق الاستدامة المالية في دولة قطر من خلال الاستثمار الموجّه. وتستكشف سبل تعزيز فاعلية القطاع الثالث، وتقدّم جملة من التوصيات من أجل إقامة بنية متخصصة للاستثمارات العامة، تكون قادرة على إدارة هذا الصنف من الاستثمار الموجّه على نحو فعال، وفق تشريعات واضحة، وبما يُعزّز الشراكات مع قطاعات الدولة والمجتمع على اختلافها. وقد وظّفت الدراسة المنهج النوعي عبر مقابلات مع عيّنة تمثّل مختلف قطاعات الدولة والمستويات الإدارية، فضلًا عن أصحاب المصلحة. وانتهت إلى عدد من النتائج التي تدلّ على ما يواجه القطاع الثالث في دولة قطر من تحديات مالية، منها: محدودية الموارد المتاحة، والافتقار إلى تشريعات وآليات تنظيمية وإدارية مُعزّزة للاستدامة المالية. وأكدت الدراسة أن الاستثمار الموجّه آلية مناسبة لتحسين فاعلية القطاع الثالث، وهو باب لعقد شراكة قوية بين القطاعين الحكومي والخاص، وأن هذه الشراكة تؤتي ثمارها المرجوّة إن التزمت بمبادئ واضحة على رأسها الحوكمة والثقة والشفافية.
ويتضمن العدد أيضًا دراسة بعنوان "نيوليبرالية في سياق استعماري: الاقتصاد الفلسطيني خلال الاستعمار الاستيطاني الصهيوني: قراءة نقدية"، كتبها أشرف عثمان بدر، الذي اشتبك نقديًّا مع الادعاءات المنطلقة من الاقتصاد السياسي التي ترى أن السلطة الفلسطينية ذات توجه نيوليبرالي. من أجل ذلك، قدّمت الدراسة عرضًا نظريًا لمضامين النيوليبرالية وأجندتها، متفحصةً مدى انطباقها على حالة السلطة الفلسطينية، وتوسّلت في ذلك مراجعة نقدية لأبرز الأدبيات المنشورة في الموضوع خلال الفترة 1994-2021، واستعانت بالبيانات والمصادر الأولية، وعززت تحليلها بإجراء عدد من المقابلات مع الخبراء والمسؤولين ممن تولّوا مناصب اقتصادية في السلطة. وخلصت الدراسة إلى عدم دقة القول إن السلطة الفلسطينية نيوليبرالية؛ بالنظر إلى الربط غير الدقيق ما بين المقدمات والنتائج، ولكون وصف السلطة بالنيوليبرالية يتناقض مع دورها الوظيفي وطبيعة الشروط التي تعمل في سياقها.
وتناولت منى هداية موضوعًا عنوانه "استثمار الرياضة في تعزيز أهداف التنمية المستدامة: حالة القطاع الإنساني والتنموي القطري بعد كأس العالم". تسلّط هذه الدراسة الضوء على أحد مقاصد استضافة قطر لبطولة كأس العالم 2022، المتمثل في المساهمة في تحقيق أهداف التنمية الطويلة المدى المنصوص عليها في رؤية قطر الوطنية 2030 وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. تركّز الدراسة تحديدًا على مساهمة منظمات القطاع الإنساني والتنموي في قطر من زاوية استخدام الرياضة أداةً لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، وذلك بمحاولة استكشاف واقع تلك الجهود وتقييمها وآفاق تعزيزها. تتبع الدراسة المنهج الكيفي، مستندة إلى مراجعة الأدبيات، والتقارير المتخصصة، وبيانات أولية جرى جمعها من مقابلاتٍ شبه منظمةٍ ومراسلات رسمية مع الجهات الفاعلة الرئيسة. توصلت الدراسة إلى نتائج تمحورت حول ماهية النهج المختلفة المتبعة من المنظمات الفاعلة القَطَرية في استثمار الرياضة لتعزيز التنمية المستدامة، والمستويات المتفاوتة لإشراك المجتمعات المحلّية في تدخلاتها تلك، إلى جانب تركيزها على التنمية الفردية بصفتها مدخلًا للتنمية الهيكلية للمجتمع. وقد سلطت الضوء أيضًا على بعض ما يواجهها من تحديات ومسائل متعلقة بالتمويل والتقويم والاستدامة، فضلًا عن التطرق إلى آفاق تطوير نهجها وممارساتها، لتخلص إلى مجموعة من التوصيات لتعزيز تلك الجهود.
وفي باب مراجعات وعروض كتب، قدّمت هيئة تحرير الدورية عرضًا لكتاب "مقاومة الهيمنة في فلسطين: آليات وتقنيات السيطرة والحالة الكولونيالية والاستعمار الاستيطاني"، من تحرير علاء الترتير وتيموثي سيدل وطارق دعنا، وعرضًا لتقرير مركز ديلوايت للرؤى الحكومية المعنون: "صياغة استراتيجية الذكاء الاصطناعي للقيادات الحكومية: هل لدى وكالتك استراتيجية شاملة للذكاء الاصطناعي؟".
** تجدون في موقع دورية "حكامة" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.