بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد الخامس (خريف 2022)، من الدورية العلمية المحكّمة "حِكامة"، التي تُعنى بالإدارة والسياسات العامة، وتصدر مرتين في السنة. وقد تضمّن العدد ملفًا خاصًا عن سياسات حقوق الإنسان في البلدان العربية، ضمّ تقديمًا وخمس دراسات، فضلًا عن دراسة سادسة من خارج الملف، وورقتين في باب "تقارير وأوراق سياسات"، ودراسة مترجمة عن الإسبانية، وثلاث مراجعات وعروض كتب. 

ناقش معتز الفجيري، المحرر الضيف للملف في تقديمه التراجع الحادّ الذي تشهده المنطقة العربية في مؤشرات احترام حقوق الإنسان، وخصوصًا بعد انحسار ما عُرف بثورات "الربيع العربي"، على الرغم من توجه العديد من الحكومات في المنطقة خلال العقدين الأخيرين إلى إنشاء مؤسسات وطنية معنيّة بحقوق الإنسان. ويشير الفجيري إلى أن فهم حدود الواقع الفعلي لاحترام اتفاقات حقوق الإنسان وإنفاذها، يتطلب تحليل السياقات المؤسسية والتاريخية والسياسية والاجتماعية والتفاعلات الدولية والإقليمية التي تؤثر داخل المجتمعات ومساراتها، وفي طبيعة الصراع على توسيع نطاق الحقوق، وإدماجها إدماجًا فاعلًا على المستويَين الدستوري والتشريعي. وفي هذا السياق، اهتمت دورية حكامة بسياسات حقوق الإنسان في البلدان العربية، وأفردت لها ملفًّا خاصًّا يتضمن محاورَ متعددة، تتناول قضايا ذات صلة بتطور سياسات حقوق الإنسان في الدول العربية، والتفاعل بين الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات والسياسات الوطنية، وتطوّر النقاش في مسألة عالمية حقوق الإنسان في العالم العربي.

افتُتح العدد بدراسة لمحرر الملف بعنوان "الميثاق العربي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية: دور لجنة الميثاق"، تستهدف البحث في اتجاهات تفسير الميثاق العربي من واقع الخبرة العملية للجنة الخبراء العرب المعنية بمتابعة تنفيذه، وتسعى لاستكشاف مساحات التناغم أو التعارض بين تفسير مضامين الحقوق الواردة فيه، وفي نظام حماية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. وتخلص إلى أنّ لجنة الخبراء لم تقدّم عملها باعتباره مناقضًا للمنظومة الدولية لحقوق الإنسان، بل بوصفه داعمًا ومكملًا لها في المنطقة العربية؛ حيث سعت اللجنة عمومًا لتبنّي مقاربة تفسيرية تتناغم مع التفسيرات الدولية لحقوق الإنسان وتستعين بها في تفسيرها لمواد الميثاق العربي. ولاحظت الدراسة أن اللجنة بدلًا من أن تتبنّى مقاربة تفسيرية تصطدم بعمل لجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عند التعامل مع بعض القضايا ذات الحساسية الثقافية أو الدينية، اتجهت إلى الامتناع كليّةً عن تناولها، أو تناول بعضها من دون تفصيل.

وتناولت آية راندال في دراستها بعنوان "حقوق النساء في أجندة سياسات السلطة الفلسطينيّة الحقوقيّة" ماهية سياسات السلطة الفلسطينية تجاه حقوق النساء، وجادلت بأنّ السلطة ورثت عن منظّمة التحرير الفلسطينية نهج توظيف الحقوق لتحقيق مكاسب سياسية، لكنّ اختلاف أولويّات السلطة عن أولويّات المنظّمة أدّى إلى قيامها باستخدام المسار الدبلوماسي الدولي، لإقناع العالم بضرورة الإسراع في الاعتراف بدولة فلسطينية؛ ما أدّى إلى انصراف الأخيرة عن كسب التعاطف الشعبي والتوجّه إلى كسب التعاطف الدولي لتجنيده في عملية إنشاء الدولة، ما أسهم في تهميش مكتسبات النساء الجزئية التي حصلن عليها في مرحلة النضال الوطني. وجادلت أيضًا بأنّ حدّة انصراف السلطة عن كسب التعاطف الشعبي قد تفاقمت باتّباعها نهجًا حقوقيًّا شبيهًا بنهج دول العالم الثالث في مرحلة ما بعد الاستعمار على المستوى الوطني؛ ما أفضى إلى مزيد من التهميش لحقوق النساء الفلسطينيات.

وسلّط جابر سليمان الضوء، في دراسته بعنوان "حقوق الجنسية والمواطنة للفلسطينيين في المشرق العربي مع التركيز على لبنان"، على واقع الجنسية وحقوق المواطنة بالنسبة إلى الفلسطينيين في بلدان المشرق العربي، وفق منهج دراسة الحالة، واستعرض مسألة الجنسية الفلسطينية من منظور تاريخي وما ترتب عليها من تحوّل الفلسطينيين إلى عديمي الجنسية بالمعنى القانوني، كما تناول نظام الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي، ومكونات النظام الإقليمي العربي لحماية اللاجئين الفلسطينيين، والثغرات التي تعتري هذين النظامين وسبل معالجتها. وأشارت الدراسة إلى التفاوت في الأوضاع القانونية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين في دول المشرق العربي (الأردن وسورية والعراق ومصر ولبنان)، وانعكاس ذلك على الحقوق الأساسية للفلسطينيين، كما عالجت إشكالية الأهلية القانونية للدولة الفلسطينية في منح جنسيتها للاجئين المقيمين على أراضيها ولمن يعيشون في الشتات، في إطار محاولات السلطة الوطنية صياغة قانون للجنسية الفلسطينية.

أما شريف عبد الرحمن سيف النصر فانخرط، في دراسته بعنوان "جدلية الكشف والحجب: العلاقات الرقمية المتوترة بين الدولة والناشطين في الشرق الأوسط"، ومن خلال مقاربة وصفية وتصنيفية، في الجدل الدائر حول علاقة السلطة بالعالم الافتراضي، وذلك عبر رصد بنية منظومة "المراقبة الرقمية" في بلدان الشرق الأوسط ومكوّناتها، وتتبّع أثرها في طموحات التمكين المعلوماتي. في هذا الصدد، تلقي الدراسة الضوء على أهم تقنيات الرقابة والمراقبة التي تستخدمها الحكومات، والطرائق التي تُطوِّع من خلالها منظوماتها القانونية خدمةً لأغراض التتبع الرقمي، وذلك في محاولة لفهم كيفية تأثير التقانة الرقمية في طبيعة العلاقة بين الأنظمة والناشطين، وتقييم مدى النجاح الذي أحرزته الأنظمة (المُمَكَّنة تقانيًا) في تطويع خصائص الافتراضي لأغراض الرقابة والمراقبة. وخلصت الدراسة إلى أنه على الرغم من أن الفضاء والتقانة الرقميين قد مثّلا بعض الوقت مساحة وأداة للانعتاق أمام الناشطين، عبر الالتفاف على مظاهر التضييق التي قد تمارسها الأنظمة على المجال العام، فإن الأخيرة قد نجحت بدرجة كبيرة في أن تستوعب المدخلات الجديدة، وتمارس الرقابة والمراقبة على المجال الافتراضي أيضًا.

أخيرًا، تناول سيف الإسلام عيد موضوع "الحق في التعليم وسياسات السجون في مصر منذ عام 2013" وما يكتنفه من صعوبات تجعل المعتقل السياسي في مواجهة عدد من السياسات السلطوية المقنَّنة والممارَسة. ومن أجل ذلك، بدأت الدراسة بالبحث في ضمانات الحق في التعليم في القوانين والمواثيق الدولية، ثم انتقلت إلى جانب القوانين المحلية، لتبيّن ضمانات الحق في التعليم، وكذلك أوجه التناقضات بين القانون الدولي والمواثيق الدولية من جهة، والقانون المصري من جهة أخرى. وجادلت بأن ثمة سياسات سلطوية ينص عليها القانون المصري هدفها إجهاض حقوق السجناء السياسيين المصريين في الحصول على الحق في التعليم من داخل السجون. واستنادًا إلى سلسلة من المقابلات شبه المهيكلة، وقفت الدراسة في جزئها الأخير على السياسات الفعلية الممارسة في حق المعتقلين السياسيين بعد عام 2013 فيما يتعلق بالحق في التعليم من داخل السجون المصرية.

أما خارج ملف العدد، فقد تناولت دراسة إبراهيم سميح ربايعة بعنوان "سياسات بلا سيادة: قطاع الكهرباء في الأراضي الفلسطينية المحتلة"، واقع قطاع الكهرباء في الأرض الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، وهي تهتم بالبحث في المحددات التي بُنيت عليها منظومة السياسات العامة في هذا القطاع بعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1993، وتحلل مخرجات هذه السياسات ونتائجها وآثارها في قطاع الكهرباء الفلسطيني، وتضعها في سياق محددات التنمية الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي. وتطرقت إلى انعكاسات تحرير قطاع الكهرباء التي بدأت مع وضع محددات أوسلو الاقتصادية وتجذرت بعد عام 2008. وانتهت إلى التوصية بتعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة لإنتاج الكهرباء، وإعادة هيكلة هذا القطاع عبر مركزة الإنتاج والتوزيع والإدارة في شركة وطنية عامة اجتماعية.

تضمّن باب "تقارير وأوراق سياسات"، ورقة سياسات بعنوان "تحولات سوق الغاز الأوروبية لعام 2022 والخيارات السياساتية لتجارة الطاقة منخفضة الكربون بين الاتحاد الأوروبي وقطر" أعدّها لوران لامبير، وإسماعيل عبد الله، وجاد الطياح، وعبد الفتاح علي. وهي تدرس التغيرات الأساسية في تجارة الغاز الأوروبية عام 2022، كما أنها تطرح على الجهات المعنية في صناعة الغاز القطرية عدة خيارات سياساتية لتطويع الوضع الجديد في سوق الغاز والحاجات المستقبلية.

وتضمّن، أيضًا، ورقة سياسات بعنوان "عدالة الطاقة والعدالة الاجتماعية: إعادة التفكير في سياسة دعم الكهرباء في السودان" أعدّها أحمد يوسف، تقدّم تقييمًا لأثر سياسة دعم الكهرباء في السودان بين المجموعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وتشجّع صنّاع القرار على إصلاح دعم الكهرباء (التعرفة) لتكون قادرة على تحقيق قدرٍ أعلى من العدالة الاجتماعية وعدالة الطاقة.

وفي باب "دراسة مترجمة"، اشتمل العدد على ترجمة أعدّها محمد أحمد بنيس لمقال بعنوان "الإدارة والدولة في سياق ما بعد فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) هل هي بداية علاقة جديدة؟"، لجوسيب بونت فيدال. تسلط الدراسة الضوء على ظاهرة التعقيد المفرط للمجتمعات المعاصرة، وضرورة استحضار هذا التعقيد عند تحليل وظائف الدولة والإدارة، لا سيما في بيئة غير آمنة ومعقدة وطارئة، صاحبت فيروس كورنا المستجد، ودفعت بدورها نحو إعادة صوغ ديناميات الإدارة المتعلقة بمسؤوليات الدولة ووظائفها ذات الصلة بأنماط الحكم التنظيمي والسياسات العامة التنظيمية، وبنية كلٍّ منهما، كما أنها تشير إلى أهمية الحاجة إلى اعتماد وتطبيق مفاهيمَ وقواعدَ منطقية تُتيح إمكانية خلق حوارٍ متعدد التخصصات يكفي، من الملاءمة والتطور والقدرة المنهجية، لوصف الطبيعة المعقدة للمجتمعات المعاصرة.

وفي باب "مراجعات وعروض كتب"، تضمّن العدد عرضًا لكتاب "منظمة التعاون الإسلامي وحقوق الإنسان"، قدّمته هديل حنيطي؛ ويقدّم الكتاب تقييمًا لطبيعة انخراط منظمة التعاون الإسلامي وحقوق الإنسان، في المنظومة العالمية لحقوق الإنسان منذ بداية نشأتها في عام 1969 وحتى الآن.

أما كتاب "الانتقال الطاقي في تونس" والذي أنجزه محمد عبد الرزاق حسين، فيسلط الضوء على أهمية حكامة قطاع الطاقة في تونس، والسبل التي يمكن من خلالها إنجاز الانتقال الطاقي بوصفه سيرورة محورية في سيرورة الانتقال الحضاري للبلدان النامية.

وأخيرًا، أعدّت حميدة درزادة مراجعة لكتاب "السياسات الاجتماعية في إيران: المكونات والمؤسسات الرئيسة". وهو كتاب خطّه باحثون وخبراء في إيران، يقدّم تحليلًا معمقًا للمجالات الرئيسة للسياسة الاجتماعية، وكذلك للمؤسسات الحيوية اللازمة لتوفير خدمات الرفاه وسياساته في إيران.

** في موقع دورية "حكامة" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.