صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد التاسع والأربعون (صيف 2024) من دورية عمران للعلوم الاجتماعية، وتضمّن دراسات متنوعة المواضيع عن فلسطين ولبنان، بحثت تحديات التحرر الاقتصادي في فلسطين وتجارة الضفة الغربية تحت نظام الحدود الإسرائيلي، وانخراط حزب الله في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وتحديات العمل الاجتماعي في لبنان في زمن متعدد الأزمات، ومدينة بيروت بوصفها فضاءً أدبيًا، إضافةً إلى دراسة مترجمة عن عمليات التأطير والحركات الاجتماعية، ومراجعتين لكتابين عن المغرب.
استهلّت ليلى فرسخ العدد بدراسة لها بعنوان "إعادة تصوّر التحرر الاقتصادي في فلسطين: التحديات والفرص"، والتي تستكشف فيها معنى التحرر الاقتصادي الفلسطيني، خاصة في ظل فشل حل الدولتين وصعوبة تحقيق دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. وتجادل بأن أيّ تصوّر لمستقبل فلسطيني يتطلّب إنشاء اقتصاد مُنصف وعادل، وبأنه لا يمكن تحقيق مثل هذا الاقتصاد إلّا من خلال الابتعاد عن منظومة التقسيم التي اقتُرحت لحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. ويتطلّب أيضًا إنهاء الاستعمار الاقتصادي الذي رسّخته إسرائيل على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، كما يتطلّب الابتعاد عن الاعتماد على النزعة الاستهلاكية والديون لتوليد النمو، كما حاولت السلطة الفلسطينية أن تفعل على مدى العقدين الماضيين.
وفي السياق ذاته، ركزت دراسة وليد حباس "الاقتصاد السياسي للتهريب: تجارة الضفة الغربية تحت نظام الحدود الإسرائيلي"، على التبعية التجارية للضفة الغربية للاقتصاد الإسرائيلي في ظل نظام الحدود الإسرائيلي، الذي يستند إلى ثلاث طبقات رئيسة: جدار الفصل، وتجزئة الأراضي الفلسطينية إلى مناطق إدارية متفرقة، وبروتوكول باريس الاقتصادي. واستنادًا إلى دراسات الحدود، تستعرض الدراسة نظام الحدود الاستعماري باعتباره مساحة تتفاعل فيها أطراف متنوعة، حيث تزدهر تجارة التهريب، وممارسات التحايل، والتعاون غير الرسمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أمّا دراسة أدهم صولي، "بين الهوية والقلق والحرب: حزب الله وتراجيديا غزة"، فتبحث اللغز المحيّر الكامن وراء انخراط حزب الله ضدّ الحملة العسكرية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وتخلص إلى أن حزب الله واجه مأزقًا: فإنْ هو امتنع عن دعم حلفائه الفلسطينيين، فسيهدّد ذلك أمنه الأنطولوجي (كينونته الأساسية، وسمعته، ودوره باعتباره حركة مقاومة)؛ وإنْ هو انخرط، خلاف ذلك، في حرب واسعة ضد إسرائيل، فسيعرّض أمنه المادي للخطر. ومن أجل التصدي لهذا المأزق، انخرط في حرب مقيّدة، الهدف منها استعادة أمنه الأنطولوجي والحفاظ على تماسك محور المقاومة وبقائه.
ثم تتناول دراسة رانيا منصور "اختصاصيات العمل الاجتماعي العاملات مع اللاجئين السوريين في لبنان: التحديات وآليات التكيّف في زمن متعدد الأزمات"، التحديات التي تواجهها اختصاصيات العمل الاجتماعي في أثناء عمليات التدخل مع اللاجئين السوريين، وكيفية تعاملهن معها ميدانيًا. وتقترح آلية تكيّف مؤسساتية عملية، تقودهن إلى تكيّف أفضل، بما يتوافق مع السياق اللبناني، وتقترح أيضًا تعديلًا في مقررات مناهج التعليم الجامعي لتخصص العمل الاجتماعي وتضمينها معارف ومهارات حديثة تتماشى مع واقع الأزمات.
ويُختم باب "دراسات" في هذا العدد بدراسة لفرح العريضي عنوانها "فضاءات النص الأدبي: قراءة مكانية في رواية ’كان غدًا‘ لهلال شومان"، التي تسعى، من خلال مقاربة نص روائي لهلال شومان، للمساهمة في إبراز دور القراءة المكانية في إعادة النظر في مفهومَي النص والمكان في خضمّ تطورات النظرية المكانية في العالم، وفي البلدان العربية، مع التشديد على خصوصية التجربة العربية.
وفي باب "ترجمة"، نقرأ ترجمة ثائر ديب لدراسة روبرت د. بينفورد وديفيد أ. سنو "عمليات التأطير والحركات الاجتماعية: لمحة عامة وتقويم"، التي تتفحّص ما تقدّمه أدبيات التأطير من فائدة تحليلية لفهم ديناميات الحركات الاجتماعية. وذلك أولًا، من خلال مراجعة الكيفية التي فُهمَت بها أطر الفعل الجمعي، وسماتها المميزة والمتغيرة، ثم تفحّص الأدبيات المتعلقة بديناميات التأطير وعملياته. وثانيًا، مراجعة الأدبيات التي تنظر في عوامل سياقية متنوعة تقيّد عمليات التأطير وتيسّرها.
أخيرًا، اشتمل باب "مراجعات الكتب" على مراجعة فوزي بوخريص ومليكة موحتي لكتاب المغرب القروي: قاموس سوسيو-أنثروبولوجي لحسن رشيق، ومراجعة محمـد ابلا لكتاب البرّاني المتجذر، الانعكاسية المتبادلة: نحو أنثروبولوجية للضيافة لعثمان لكعشمي.
أمّا لوحات العدد، فجاءت من أعمال الفنان التشكيلي العراقي محمد عبد الوصي، التي تُمثّل جزءًا من معرضه "انقلاب" (بغداد، حزيران/ يونيو 2024).
** تجدون في موقع دورية "عمران" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.