بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العددُ الثامن والستّون من الدورية العلمية المحكّمة "سياسات عربية"، التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. ضمّ العدد ملفًّا خاصًّا بعنوان "الواقعية في العلاقات الدولية: مراجعات نظرية من خلال حالات عربية"، فيه خمس دراسات نظرية وتطبيقية، إضافةً إلى تقديم لمحرر الملف أحمد قاسم حسين. وتضمّن توثيقًا لأهم محطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأبرز محطات التحول الديمقراطي في الوطن العربي، ومراجعتَين لكتابين صدرا عن المركز العربي.

يناقش عبد النور بن عنتر، في دراسته "التسلح ومعضلة الأمن في المنطقة المغاربية: التنافس الجزائري – المغربي"، الارتفاع الملحوظ في مستوى التسلح بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، ما جعل المنطقة المغاربية واحدة من أكثر المناطق تسلحًا في العالم. ويخلص إلى أن ديناميكيات التسلح ذات استقلالية نسبية عن التوترات السياسية، وأن احتمالية وقوع مواجهة عسكرية، حتى لو كانت محدودة، تبقى واردة نتيجة تفاعل عوامل طارئة وبنيوية. ويشير إلى أن التنافس بين الجزائر والمغرب يتمحور حول السعي للريادة والزعامة، وليس الهيمنة. وأخيرًا، يدعو بن عنتر إلى فهمٍ أعمق لظاهرة التسلح من خلال مراعاة التفاعلات الديناميكية داخل الإقليم المغاربي وخارجه، مشددًا على ضرورة مراجعة وتيرة التسلح المتنامي في المنطقة لتجنب الدخول في معضلة أمنية مستدامة تغذّيها مصالح القوى المسلِّحة.

وتستعرض مروة فكري، في دراستها "سياسة الردع والدول المراجِعة من منظور واقعي: أزمة سد النهضة نموذجًا"، القدرة التفسيرية للمدرسة الواقعية في تحليل أزمة سد النهضة بين مصر وإثيوبيا. وتركز على مفهوم الهيمنة بمعناه الواسع، الذي يشمل الهيمنة المائية، حيث يُفَسَّر سلوك إثيوبيا بوصفه تحديًا للهيمنة المصرية في حوض النيل. وتخلص إلى أن أزمة سد النهضة تكشف عن نجاحات المنظور الواقعي وإخفاقاته؛ فمن جهة، تؤكد أهمية القوة، وبناء التحالفات، وتضارب المصالح، والمكاسب النسبية، وتأثير النظام الدولي في سلوك الدول. ومن جهة أخرى، تظهر محدودية الواقعية نتيجة تجاهلها العوامل الداخلية والعوامل غير المادية، التي تؤدي دورًا أساسيًا في تحقيق مصالح الدول وتعزيز هيمنتها. وتتساءل فكري في ختام دراستها عن طبيعة النظرية الواقعية، قائلةً: هل تكتفي بعكس الواقع كما هو، أم أنها تؤدي دورًا فاعلًا في تشكيله وصياغة سلوك الدول؟

أما محمد خميس، في دراسته "حدود الواقعية في تفسير مأسسة جامعة الدول العربية وصندوق النقد العربي: من معضلة السجين إلى الألعاب التعاونية"، فيناقش قصور النظرية الواقعية في تفسير تطور المؤسسات العربية. ويوضح أنّ الواقعية، بركائزها التقليدية القائمة على القوة والمصلحة الوطنية، لا تكفي لفهم ديناميكيات مأسسة جامعة الدول العربية وصندوق النقد العربي. ويستند في طرحه إلى إخفاق الواقعية في معالجة المأزق الأمني داخل النظام العربي، حيث لم تُسهم جهودها المتعلقة بنظرية الأمن الجماعي في تقديم حلول فعالة للأزمات في المنطقة العربية. ويرى خميس أن تجاوز هذا القصور يتطلب تبنّي مقاربات أكثر شمولية، مثل نظرية الألعاب التعاونية في العلاقات الدولية، التي تراعي عناصر التعاون الإقليمي والدوافع غير المادية، مع التركيز على الأبعاد التشاركية التي قد تسهم في إعادة صياغة مفهوم الأمن العربي.

ويعرض مدوخ بن عجمي العتيبي، في دراسته "التنافس السعودي - الإيراني والمعضلة الأمنية في منطقة الخليج العربي"، أبعاد التنافس بين المملكة العربية السعودية وإيران، مسلطًا الضوء على تصاعد التوتر بينهما خلال الفترة 1979-2019، وصولًا إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية في آذار/ مارس 2023. ويوضح أنّ الطبيعة "الفوضوية" للنظام الدولي تدفع الدول إلى تعظيم قدراتها، ما يعزز الطابع العدواني لسلوكها. ويشير إلى أنّ إيران تسعى عبر استراتيجيتها الأمنية إلى تعزيز قوّتها، ليس فقط لحماية أمنها، بل أيضًا لتحقيق تفوّق نسبي على الدول الأخرى وفرض هيمنتها الإقليمية، ما يجعلها تهديدًا رئيسًا للمملكة. ويرى أنّ من شأن التقارب الاقتصادي والتنسيق الأمني والسياسي بين السعودية وإيران أن يسهمَا في تقريب وجهات نظر الدولتين حول القضايا الصراعية بينهما؛ ما يخفف آثار المعضلة الأمنية على المديَين المتوسط والبعيد.

ويوضح علي باكير، في دراسته بعنوان "التحوّل في السياسة الخارجية التركية تجاه المنطقة العربية من منظور المدرسة الواقعية: مقاربة نقدية"، أنّ السياسة الخارجية التركية شهدت تحولات بارزة، منذ أن تولى حزب العدالة والتنمية الحكم عام 2002، خاصة تجاه المنطقة العربية. ويشير إلى تعددية أشكال هذا التحول واختلاف مراحله الزمنية، ما يجعل تفسيره مرتبطًا بالعوامل المؤثرة والنظريات المستخدمة. ويرى أنّ الواقعية الكلاسيكية الجديدة هي الأكثر قدرة على تفسير هذه التحولات خلال الفترة 2016-2021، حيث تأخذ في الاعتبار العوامل الخارجية، مثل ضغط النظام الدولي، والداخلية كالحسابات المحلية وصانع القرار. ويختتم بالتساؤل عن مستقبل السياسة الخارجية التركية، ومدى تأثّرها بالبيئة الإقليمية، وإذا ما كان صراع القوة الصلبة سيظل مهيمنًا أم ستبرز أولويات جديدة.

وفي باب "التوثيق" اشتمل العدد على توثيق لأهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1 آذار/ مارس–30 نيسان/ أبريل 2024. وفي باب "مراجعات الكتب"، قدمت عائشة بلحاج مراجعة لكتاب "مسألة الدولة: أطروحة في الفلسفة والنظرية والسياقات" لعزمي بشارة. وقدمت نهيلة صوفي مراجعة لكتاب "من مرحلة ما بعد الديمقراطية إلى مرحلة الديمقراطية الجديدة"، ترجمة سيد فارس.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.