بدون عنوان

اختتمت يوم الخميس، 6 شباط/ فبراير 2025، أعمال مؤتمر "البحثُ في أزمنةٍ حالكة: الإبادة وجرائم الحرب والعنف السياسي"، الذي نظمته دورية عمران للعلوم الاجتماعية (الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا)، بالتعاون مع كرسي اليونسكو لدراسات منع الإبادة الجماعية في العالم الإسلامي في جامعة بغداد، خلال الفترة 4-6 شباط/ فبراير 2025، بمشاركة 40 من الباحثات والباحثين من جامعات عراقية وعربية وأجنبية، تناولوا قضايا متعددة حول بحث الإبادة وتدريسها، والبحث في زمن الأزمة، وإبادة غزة، وإرث العنف في لبنان والعراق وسورية والسودان، إضافة إلى قضايا المرأة والعنف السياسي، وتوزعت أعمال المؤتمر على ست جلسات وثلاث محاضرات عامة وطاولة مستديرة.

نزع إنسانية غزة

استُهلت أعمال اليوم الختامي بمحاضرة عامة، أدارها سامي هرمز، مدير برنامج الآداب الحرة وأستاذ مشارك في قسم الأنثروبولوجيا بجامعة نورثويسترن في قطر والمحرر العلمي لأبحاث المؤتمر، وقدمها حيدر عيد، باحث مشارك في مركز دراسات آسيا في أفريقيا بجامعة بريتوريا، وأستاذ مشارك في أدب ما بعد الاستعمار وأدب ما بعد الحداثة في جامعة الأقصى، في غزة، الذي انطلق في محاضرته من تجربته الشخصية في العيش والنجاة من الإبادة في قطاع غزة، طوال مراحل تطورها المتكررة مع دورات الحرب على غزة.

قارن الباحث بعد ذلك، بين نظام الاستعمار الصهيوني والأبارتهايد في جنوب أفريقيا، مشيرًا إلى أن المناضلين الجنوب أفريقيين يرون أن نظام الفصل العنصري بمنزلة "النزهة" مقارنةً بما يجري في غزة وفلسطين. وأكد ضرورة التعلم من تجربة جنوب أفريقيا التي طورت استراتيجيات النضال على أعمدة أربعة: الكفاح المسلح، والنضال السري، والتعبئة الجماهيرية، وحملة تضامن دولي. وبيّن أن النضال الفلسطيني مارس أشكال النضال كافة؛ من تقديم النداءات، والمسيرات، وصولًا إلى الكفاح المسلّح الذي وصل أوجه في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وختم الباحث محاضرته بمحاولة الإجابة عن سؤال رئيس: ما المطلوب الآن، وغزة تباد؟ وقد أجاب بأن التضامن بسماع صوت المستعمَر هو المطلوب، حيث يُعوّل على المستوى الشعبي من خلال حركة مقاطعة عالمية، موضّحًا أن هذا الخيار يكاد يكون هو الخيار السياسي الوحيد الذي يحظى بإجماع فئات الشعب الفلسطيني وقواه السياسية كافة. أما المواطن العربي، فالمطلوب منه أكثر من المقاطعة، بل التصدي لجهود التطبيع وقطعها.

المحو الإسرائيلي والتداعيات الفكرية للعنف السياسي

انعقدت الجلسة الخامسة من المؤتمر في مسارين فرعيين متوازيين، ترأس إحسان الحيدري المسار الأول بعنوان "غزة: أشكال المحو الإسرائيلية"، وقُدّمت فيه ورقتان. حلّلت إيمان بديوي في ورقتها "سياسات الإماتة الإسرائيليّة في غزة: تحليل ممارسات هندسة الموت وإدارة الجثامين"، سياسات الإماتة الإسرائيلية ضد المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، اعتمادًا على تحليل مضمون المواد المرئية والشهادات الشخصية المنشورة. وميّزت الباحثة بين ثلاث مراحل من سياسات الإماتة في غزة: مرحلة القتل عبر سياسات نزع الإنسانية، ومرحلة القتل عبر استهداف الجسد بالمحو والتشويه، ومرحلة ما بعد القتل عبر سياسات التحكم في الجسد الفلسطيني بعد الموت وإدارة الجثامين. وقدمت مها زيادة ورقة بعنوان "من الحصار إلى قتل المدينة: السيادة الإسرائيلية الحيوية على غزة"، بحثت فيها تطوّر السياسة الإسرائيلية في قتل المدينة خلال حربها الأخيرة على قطاع غزة، مقارنةً بالحروب السابقة، وعلاقته بحصار غزة. وجادلت بأن هذا الحصار المفروض، منذ عام 2007، شكّل الأساس لقتل المدينة، وأدى إلى انتقال إسرائيل من التدمير الجزئي إلى الكلي، لتبيّن أن هدف إسرائيل من مجمل هذه السياسات هو تعزيز السيادة الاستعمارية الكلية على القطاع، وفي قلبها السيادة الحيوية.

ضمن الجلسة ذاتها، ترأس منير السعيداني المسار الثاني وكان بعنوان "العنف السياسي وتداعياته الفكرية"، وقُدّمت فيه ورقتان. سعى صقر النور، في ورقته "الأزمنة المتقاطعة والأزمات المعاصرة في العالم العربي"، لتقديم قراءة ماكرو-سوسيولوجية لتشابك الأزمنة المتقاطعة مع الأزمات المتعددة والمتقاطعة، والتي تشكّل الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والبيئي في المنطقة العربية. وبيّن الباحث أهمية تحليل الأزمنة المتقاطعة (مثل زمن الاستعمار، وزمن ما بعد الاستعمار، وزمن النيوليبرالية، وزمن مقاومة النيوليبرالية، وزمن الأزمات البيئية والمناخية، وغيرها) في فهم الأزمات المركبة التي تواجهها المجتمعات العربية. واعتمد في ذلك مدخلًا نقديًا، يوظف مفاهيم عربية للزمن ودوره في إنتاج أنظمة العنف وتفكيكها. أما عمر ضاحي، فحاول في ورقته "النظام العالمي من منظور فلسطين" فهم العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي العالمي، انطلاقًا من فلسطين والقضية الفلسطينية؛ وذلك لأن الحركة الصهيونية، ومن بعدها إسرائيل، وضعت نفسها في خدمة قوى الهيمنة العالمية أو قوى الإمبريالية العالمية الغربية، ابتداء من بريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية القطب الأوحد للنظام العالمي. وحاجّ الباحث بأن حرب الإبادة الحالية في فلسطين أفشلت مساعي إسرائيل بالتكيّف مع نظام دولي جديد متعدد القطبية، وأكدت حصرية ارتباطها بالغرب.

قضايا المرأة والبحث في زمن الأزمة والعنف السياسي

انعقدت الجلسة السادسة والأخيرة من المؤتمر في مسارين فرعيين متوازيين. ترأس حسن احجيج المسار الأول وعنوانه "البحث في زمن الأزمة"، وقُدّمت فيه ورقتان. الأولى لجميل معوض بعنوان "الباحث المحلي وميدان بحثه في زمن الأزمات"، حلّل فيها موقع الباحث المحلي والميدان في زمن الأزمات من جهة، وإمكانية إجراء بحوث وإنتاج معرفة مع – وعن - فئات تعاني ما يعانيه الباحث نفسه من أزمات على المستويين الاقتصادي والأمني وغيرهما من جهةٍ أخرى؛ وذلك استنادًا إلى تجربة الباحث في لبنان، بإلقاء الضوء على معنى البحث وجدواه، خلال الأزمة الاقتصادية الأخيرة. أما الورقة الثانية، فقدمتها يسرى قاضي، وعنوانها "البحث في ظل العنف السياسي ومحاولات الطمس: التعامل مع المعضلات الأخلاقية"، وتناولت فيها التحديات الأخلاقية التي يواجهها الباحثون عند إجراء دراساتهم في سياقات العنف الشديد، مع التركيز على الطمس المنهجي للمجتمعات من خلال قتل المدن، وقتل البيئة، والقضاء على المؤسسات الأكاديمية. وقد ركزت الباحثة على آثار أشكال الطمس المختلفة التي يتعرض لها الباحثون في مثل هذه الظروف. وختمت ورقتها بدعوة إلى ابتكار منهجيات جديدة لمواجهة تحديات البحث في ظروف العنف؛ من أجل منع المزيد من الطمس، وتعزيز النقاش الأكاديمي حول العنف والمقاومة.

وترأس نيروز ساتيك، ضمن الجلسة ذاتها، المسار الثاني بعنوان "المرأة والعنف السياسي"، وقُدّمت فيه ورقتان. الأولى لسيدي محمد الحسني بعنوان "الاغتصاب سلاحًا: مقاربة سوسيو-أنثروبولوجية لجرائم العنف الجنسي ضد النساء في سياق الحرب". وقد حاول فيها تقديم أدوات لفهم ظاهرة الاغتصاب والعنف الجنسي، بوصفه سلاحًا في الحرب، وجزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية العسكرية، انطلاقًا من مقاربة سوسيو-أنثروبولوجية تفهم الظاهرة بربطها بالقيم والقواعد المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، بوصفها دافعًا بدائيًا واستيلاء وتملكًا وتدميرًا، بغض النظر عن هدفه؛ امرأة أو طفلًا، حيًا أو ميتًا. واستند في ذلك إلى دراسات حالات في المنطقة العربية. أما سعاد مصطفى الحاج موسى، فسعت في ورقتها "مطربات وحكّامات: المرأة السودانية والعنف السياسي في السودان"، لفهم مشاركة المطربات والحكّامات المغنيات الشعبيات السودانيات في هذا العنف، استنادًا إلى دراسة حالة ثلاثة نماذج لمشاركة النساء في الحرب. وحلّلت الباحثة تأثير أداء ثلاث مغنيات في ديناميكيات العنف المصاحب للحرب في السودان، التي اندلعت في 15 نيسان/ أبريل 2023، لتتحدى الصورة النمطية للرجال، بوصفهم جناة والنساء بوصفهن ضحايا سلبيات.

في الختام، قدم سامي هرمز، المحرر العلمي لأبحاث المؤتمر، ملاحظات ختامية، شاكرًا دورية "عمران" وكرسي اليونسكو على إنجاز هذا المؤتمر الذي مثّل فرصة للتواصل بين الباحثين من المنطقة العربية. وعكس خلال كلمته ظروف تطور فكرة المؤتمر، والأسباب التي دعت إلى بناء ثيماته، ثم أشار إلى أن أبحاث المؤتمر ستُرشح للنشر في عدد خاص عن موضوعه بعد التواصل مع الباحثين.