بدون عنوان

الجلسة التاسعة
الجلسة التاسعة
عبد المجيد السخيري
عبد المجيد السخيري
بشرى زكاغ
بشرى زكاغ
الجلسة العاشرة
الجلسة العاشرة
حسن احجيج
حسن احجيج
عبد القادر
عبد القادر
الجلسة الحادية عشرة
الجلسة الحادية عشرة
يوسف زدام
يوسف زدام
عبد الله جنّوف
عبد الله جنّوف
علي إبراهيم محمد
علي إبراهيم محمد

اختتمت يوم الإثنين 13 آذار / مارس 2023 أعمال الدورة التاسعة لمؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية، الذي عقده على مدى ثلاثة أيام المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات في موضوع "مفهوم ’الثقافة السياسية‘ والثقافات السياسية في العالم العربي".

وقد شهد اليوم الثالث من المؤتمر تقديم سبع محاضرات موزعة على ثلاث جلسات. استهلّ كلٌّ من مروة محمود فكري، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعمرو عثمان، أستاذ في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، أعمال اليوم الثالث للمؤتمر بورقة عنوانها "الإنترنت والثقافة السياسية ومفارقة الذاكرة الجمعيّة"، قدّما فيها مدخلًا لدراسة أثر شبكة الإنترنت في الثقافة السياسية من خلال مفهوم الذاكرة الجمعيّة، متوسّلين بالانتقال من الاقترابات التقليدية عن الثقافة السياسية التي تحصرها في المعرفة والتوجّهات والسلوك، إلى الاقترابات البنائية والتفسيرية التي تعرّفها من خلال عملية "بناء المعاني"، وتظهر الذاكرة الجمعيّة بوصفها مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات الثقافة السياسية بما تحمله من معان ورموز وسرديات عن الحياة السياسية. وخلص الباحثان من دراسة حالة ثورة 25 يناير 2011 المصرية إلى أن تطوّر الإنترنت قد يحدّ من دور الدولة والنخبة في تشكيل الثقافة السياسية والذاكرة الجمعيّة، غير أنه قد يزيد أيضًا من حدّة الاستقطاب السياسي والاجتماعي وإضعاف ثقافة التسامح مع الآخر وفرص تحقيق المصالحة المجتمعية، وهو ما نطلق عليه "مفارقة الذاكرة الجمعيّة".

ثمّ عرضت بشرى زكاغ ورقتها الموسومة "ثقافة الجماعات الشبكية وأثرها في الفعل السياسي بالمغرب"، والتي سعت من خلالها لبحث الأشكال الجديدة للمشاركة السياسية عبر فضاء الشبكات واستقصائها، يتداخل فيها فاعلون شبكيون موجودون في صلب دينامية الحقل السياسي بالمغرب، بما يظهر فيه من تحولات وتبدلات شملت الثقافي والسياسي والاحتجاجي والميداني والشبكي أيضًا. وعدّت أستاذة سوسيولوجيا التربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين لجهة الشرق بالمغرب أنّ هذا النوع من الاستقصاء من منظور النتنوغرافيا يقارب بنية الفرص السياسية التي يتيحها أو يجهضها الحضور في الفضاء الشبكي، بما يتيح أو لا يتيح للفاعلين الشبكيين اغتنام ما توفره بيئتهم الشبكية من روابط وعقد، للوصول إلى مستويات عليا لصنع القرار السياسي، من حيث انخراط هؤلاء الفاعلين في روابط شبكية من أسفل إلى أعلى في عملية اتخاذ القرار وصنع الرأي العام، إلى جانب المبادرات من أعلى إلى أسفل للنخب السياسية والمؤسسات، ضمن إعادة تفاوض دينامية على الحدود بين المجتمع والدولة، وذلك على نحو يؤثر في الفاعلين الرئيسيين المسؤولين عن السياسات العامة. لتخلص في نهاية بحثها إلى أنّ الحقل السياسي بالمغرب واقع حاليًا في منطقة رمادية هجينة، أو البين-بين الموقعي والشبكي، الفردي والجماعي، الفائت والراهن، البنية والفعل، الخلافي والاتفاقي، وأن ديناميته آخذة في التأثير والفعل ومعاودة الظهور والتشكل في كل لحظة وحين.

وفي الموضوع الثورة الرقمية والشبكية وتأثيراتها في الثقافة السياسية، حاجّ حسن احجيج في ورقة عنوانها "تحديات الشبكات الاجتماعية الرقمية لنظرية الثقافة السياسية الكلاسيكية"، بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي أعادت تأسيس النقاش الديمقراطي، وفتحت الباب أمام مجال سياسي جديد، هو الديمقراطية الرقمية، وأنه لمّا كانت الثورة الرقمية قد أطلقت عملية حضارية حقيقية قائمة على كفاءات وقيم جديدة، فإنها أدت دورًا مركزيًا في توسيع نطاق المشاركة السياسية من خلال السماح لمعظم الفئات الاجتماعية بالتعبير عن آرائها ومواقفها من القضايا، ومن ثم المساهمة في تشكيل الثقافة السياسية المحلية أو الوطنية. وسعى عالم الاجتماع المغربي في هذه الورقة إلى استكشاف خصائص الثقافة السياسية في العصر الرقمي، ومناقشة تحدياتها لنظرية الثقافة السياسية الأرثوذكسية، بغرض إبراز الأزمة التي تعيشها حاليًا نظرية الثقافة السياسية الكلاسيكية، بسبب التحولات العميقة التي مست جميع مكونات الثقافة السياسية بفعل نشأة تكنولوجيا الاتصال الرقمية، ولا سيما شبكات التواصل الاجتماعي الموصولة بالإنترنت. وذلك لأن جميع العناصر السياسية ذات الصلة بالثقافة السياسية تبدو قد تأثرت كثيرًا بانبثاق الشبكات الاجتماعية الرقمية، وعرفت تغييرات عميقة أضحت تمثل تحديات حقيقية لنظرية الثقافة السياسية الكلاسيكية.

وختم عبد القادر ملوك نقاش هذه الجوانب الرقمية والشبكية وتأثيراتها في الثقافة السياسية بورقة عنوانها "الثقافة السياسية من التلقي إلى المشاركة: المجال العام الافتراضي العربي ورهان إنهاء الاحتكار السياسي"، نافح فيها عن دعوى تفيد بأن المجال العام الافتراضي العربي قد سبب الكثير من الإحراج للأنظمة السياسية العربية، باختراقه لقلاعها الحصينة التي ظلت متمنعة عن النقاش العمومي بحكم استفراد هذه الأنظمة بالخبر السياسي؛ إذ ساهم إسهامًا بيّنًا في إحداث "وفرة في المشاركة المواطنة" نُقِل بموجبها النقاش السياسي من فضاءاته التقليدية المعروفة إلى فضاءات جديدة مكنت من إدماج المزيد من المواطنين في العمل السياسي، وأتاحت لهم فرصة الإدلاء بدلوهم في القضايا التي تدور في فلكه. ومع ذلك، يرى أستاذ فلسفة التواصل بجامعة ابن زهر بأكادير أن هذا المجال الجديد لم يقوَ على خلق ثقافة سياسية بديلة في إمكانها أن تشكل سلطة واعية مضادة قادرة على المساهمة الفعلية في اللعبة السياسية. وآية ذلك، وفقًا للباحث، أنه مجال بقي رغم كثرة المنتسبين إليه مسكونًا بذوات منفعلة لا فاعلة، مستهلكة لا منتجة. ليخلص في نهاية عرضه إلى أن الرهان الأول في حماية الأفراد من إغراءات التقنية وتفادي استلاباتها ينبغي أن يكون على تنشئتهم وتربية عقولهم على قيم مضادة مشبعة بروح ديمقراطية مناضلة، تمدهم بالقوة اللازمة لاستعادة عافيتهم وبالأسلحة المناسبة لتحصين أنفسهم من أن تسترقها الأكوان الافتراضية.

في الجلسة الحادية عشرة والأخيرة من أعمال المؤتمر، قدم يوسف زدام ورقة عنوانها "الثقافة السياسية في زمن التنوع الثقافي: الأنماط الحضارية في مواجهة التطرفية المعيارية"، استند فيها إلى أن "نهج الحياة"، المُعبِّر عن الدلالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للثقافة، يمتد ليجعل مفهوم الثقافة السياسية يُعبِّر عن العلاقات ذات الأثر السياسي، متسائلًا عن المكانة التي تحظى بها في جهود إدارة التنوع الثقافي. وخلص أستاذ التعليم العالي بقسم العلوم السياسية بجامعة باتنة 1 إلى أن جهود إدارة التنوع الثقافي تحصر الثقافة في الدلالات الاجتماعية أكثر، وتحصر مفهوم الثقافة السياسية في شقها المرتبط بالعلاقات السياسية؛ ما نتج منه خللٌ على مستويين: أولهما اعتبار الديمقراطية نظامًا سياسيًّا وليس مبدأً لإدارة الشأن العام، متجاهلةً خبرات المجتمعات في إدارة شؤونها العامة، وللعلاقات ذات الأثر السياسي؛ وثانيهما التسويق "للنظام" للديمقراطي، باعتباره مؤسسات وسلوكيات منظمة للعلاقات السياسية.

ثم أعقبه عبد الله جنوف في مقاربة سيميائية حملت وسم "النبز في تونس: أداة خصومة أم خطاب ثقافة سياسية؟"، انطلق فيها من استخدامات كلمات "الوصم" و"التراشق" و"الشتيمة" في تسمية الإهانة السياسية، مقترحًا تخصيصها بمصطلح "النبز"، الذي عرّفه بأنه "لقب مهين يخترعه السياسي ويسمي به خصمه لتشويهه". وتمثل عماد تحليل الأستاذ التونسي بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بجامعة قابس في الفرضية التالية: ليس النبز في تونس أداة خصومة، بل هو خطاب ثقافة سياسية، ومن عوائق التحول الديمقراطي. ليخلص في نهاية عرضه إلى أنّ مسار إفشال الديمقراطية/ عودة الاستبداد كان مسارًا جماعيًّا متطورًا، قاده خصوم الديمقراطية، وشارك فيه بغير وعي أنصارها، وعبّر فيه النبز عن ثقافة سياسية توجّه النخبة وقواعد الأحزاب، وتجدّد الصراع الأيديولوجي، وتعمّق الانقسام المجتمعي، وتعمّم السخرية والتفاهة، فتخرّب الإمكان الديمقراطي، وتفضي إلى الاستبداد.

وختم علي إبراهيم محمد أعمال المؤتمر بورقة عنوانها "الاقتصاد الثنائي وإعادة إنتاج الثقافة السياسية: مأزق التحول الديمقراطي في السودان"، هدف منها إلى النظر في كيفية إنتاج الثقافات السياسية من واقع الاقتصاد ذي التركيبة الثنائية الحداثية والتقليدية السائدة في أقاليم السودان المختلفة، وعلاقتها بالتحول الديمقراطي، وأثرها في مأزق التحول الديمقراطي الذي يواجه السودان بعد التغيير السياسي في عام 2019. فعلى الرغم من أن أسباب هذا المأزق عديدة ومتنوعة، فإنّ الأكاديمي الاقتصادي السوداني يعتمد في تفسير هذا المأزق على متغير الثقافة السياسية، من منظور سوسيوثقافي وثقافي - قيمي؛ وذلك لأهمية هذا العامل وتأثيره في بناء ديمقراطية مستدامة. وافترض الباحث أنه كي تنشأ الديمقراطية بصورة سليمة، لا بد من وجود بيئة واستعداد عقلي ومناخ ثقافي واجتماعي يحتضن هذا البناء ويوفر متطلباته الأساسية، وأن التراث الاجتماعي والثقافي السوداني، الذي يقوم على الولاءات الأولية، كان له أثر سلبي في الثقافة السياسية؛ ما أعاق التحول الديمقراطي.

وفي ختام أعمال المؤتمر، قدّم الدكتور عبد الوهاب الأفندي، رئيس لجنة "الجائزة العربية لتشجيع البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية" حصيلتها لهذه الدورة.