نظّمت دوريّة "تبيُّن" للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية، في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، اليوم الثلاثاء 9 أيار/ مايو 2023، ندوتها السنوية الثالثة، بعنوان "قضايا في فلسفة الأخلاق المعاصرة"، خلال يومين يقدم فيها اثنا عشر باحثًا أوراقهم البحثية.
قرأ كلمة الندوة الافتتاحية رجا بهلول رئيس تحرير الدورية، وأكّد أنّ الندوة ستركز أساسًا على مناقشة قضايا الأخلاق في علاقتها بالفلسفة الغربية المعاصرة، وتتناول بالنقد والتحليل قضايا من قبيل: السؤال عن الأخلاق التي تلائم عالمنا اليوم، والقضايا التي تتعلق بأخلاق الحداثة، إضافةً إلى توجهات ما بعد الأخلاق، وما نتج منها من نقاشات حول العلاقة بين الأخلاق والحرية، والأخلاق والحق، والأخلاق والواجب، فضلًا عن ميل العالم المعاصر إلى فصل الأخلاق عن السياسة وتحليل هذه الظاهرة.
الحداثة والمسألة الأخلاقية
ترأّست الجلسة الأولى أمل غزال، عميدة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بمعهد الدوحة للدراسات العليا، وقدّم فيها زواوي بغورة، أستاذ الفلسفة الغربية المعاصرة في جامعة الكويت، ورقة عنوانها "الحداثة والمسألة الأخلاقية عند الفيلسوف تشارلز لارمور". وركّز الباحث على مسألة العلاقة بين الحداثة والأخلاق باعتبارها واحدة من أعقد المسائل الفلسفية المعاصرة، سواء على مستوى الفكر الفلسفي العالمي أو على مستوى الفكر العربي المعاصر، الذي يواجه هذه المسألة منذ ما سماه خطاب النهضة العربية ضرورة "اللحاق بركب الحضارة الغربية". واستعان الباحث بنصوص الفيلسوف الأميركي تشارلز لارمور التي حاول فيها تشخيص مظاهر المسألة الأخلاقية في عصر الحداثة.
وجاءت ورقة رجا بهلول، أستاذ ورئيس برنامج الفلسفة في معهد الدوحة للدراسات العليا، ورئيس تحرير دورية "تبيُّن"، بعنوان "المشاعر والتأسيسانية في الأخلاق وحقوق الإنسان"، وقد ركّز جلّ اهتمامه على تبيان ما يمكن أن يقال في مجال نقد نظرية المشاعر الأخلاقية، وفيما يمكن أن يقال دفاعًا عنها، محاولًا ربط هذه النظرية بالطبيعة (البيولوجيا) والتطور الطبيعي والاجتماعي بما يشد من إزرها.
أما الجلسة الثانية، التي ترأّسها محمد حمشي، الباحث في المركز العربي، وتضمنت مداخلتين، فافتتحتها نورة بوحناش، أستاذة فلسفة الأخلاق والقيم بجامعة قسنطينة 2 بالجزائر. بورقة عنوانها "تمثلات الأنموذج الأخلاقي في خطاب الفكر العربي المعاصر: قلق في سوابق الحداثة"، ناقشت خلالها التمثلات الناجمة عن صدمة الحداثة بإعادة رسكلة الذات العربية، وفق مطلب التحديث. وترى الباحثة أن الناظر، في الجدل الحاصل بين طرفَي الأنا، سيدرك أن الفكر العربي لا يعدو أن يكون سوى جدل وجودي، يجري بين تقليدين متخيلين، متسائلة حول هذا التحديث: هل كان هيمنة واستحواذًا؟ وماذا عن الإنسان الذي يحيا تجربة تشقق الأنموذج؟
ثم قدّم رشيد الحاج صالح، مدير تحرير دورية "تبيُّن"، ورقة عنوانها "نقد أخلاق التراث في الفكر الأخلاقي العربي المعاصر"، تناول فيها مسألة تضخّم التوجه التراثي في الفكر الأخلاقي العربي المعاصر، واعتبره المسؤول عن حالة التغريب التي يعانيها هذا الفكر. وأوضح الباحث أن القصد من التعريب هو أنّ هناك تهويلًا لعلاقة الأخلاق بالتراث، وتضخيمًا لارتباطها بالهوية، وذلك على حساب امتدادات الأخلاق السياسية.
العلاقة بين الأخلاق والسياسة
الجلسة الثالثة، ترأسها مراد دياني، الباحث المشارك في المركز العربي، وتضمنت هي الأخرى مداخلتين، استهلها عبد الرزاق بلعقروز، أستاذ فلسفة الأخلاق والقيم بجامعة سطيف-2 في الجزائر، بمداخلة عنوانها "ما بعد الأخلاق: من المعنى التحليلي إلى التحول الثقافي"، سعى فيها لإلقاء السؤال على أحد المجالات الحيوية في المباحث الأخلاقية؛ التي تبدأ بشرح الاتجاه التحليلي في فلسفة الأخلاق كما عرف نضوجه المنهجي مع جورج إدوارد مور، في كتابه "المبادئ الأخلاقية" (1903)، وكما تؤوّل بعض القراءات أنّ النصوص التحليلية لإدوارد مور قد أسهمت في توجيه المباحث الأخلاقية نحو فكرة الاستقلال الذاتي، والأكيد أن كتابه هذا هو أصل فلسفته الأخلاقية المعاصرة، لكن على علو شأن هذه المقاربة، فإنّها كانت من وجهة نظر لغوية ومنطقية، وهذا ما قصده الباحث بالمعنى التحليلي لما بعد الأخلاق.
وخُتمت الجلسة بورقة قدّمها أحمد نظير الأتاسي، أستاذ التاريخ في جامعة لويزيانا التقنية، الولايات المتحدة الأميركية، عنوانها "الأخلاق والسياسة: جدلية الفردي والمؤسساتي". وتنطلق مداخلته من مستويات كولبرغ للتطور الأخلاقي في المجتمعات البشرية. ومن ثم تعرض شرح علم النفس التطوري لهذه المستويات وصولًا إلى الضمير الفردي (الأنا العليا، وهو المستوى الرابع). لكن ذلك العلم فشل في شرح المستويات الأعلى (الخامس والسادس). ولذلك يحاجّ الباحث بأنه لا يمكن وجود المستويين الأخيرين، إلا من خلال انبثاق مؤسسات محلية ودولية (مثل الدستور، ومؤسسات الدولة، وشرعة حقوق الإنسان). وبيّن أيضًا أن المؤسسات، باعتبارها منبثقات اجتماعية، تحمل نواة قواعدها السلوكية الخاصة، وأنه يمكن توليد أخلاق مؤسساتية لها ضوابطها وروادعها.