بدون عنوان

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا العدد السادس والخمسون من الدورية العلمية المحكّمة سياسات عربية التي تُعنى بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتصدر كلّ شهرين. وقد تضمّن العدد ملفًا خاصًا بعنوان: "دراسات في القرن الأفريقي"، ودراسة عن سياسة الهند وأخرى عن الطائفية، إضافة إلى سجالٍ عن الانتقائية التحليلية في حقل العلاقات الدولية، وورقة في باب المؤشر العربي عن قياس الفجوة الرقمية ومدى تأثيرها في المشاركة السياسية، وتوثيقًا لأهم محطات التحوّل الديمقراطي ووثائقه في الوطن العربي، ومحطات الصراع العربي – الإسرائيلي، وأخيرًا مراجعة كتاب.

يُستهَلُّ الملف الخاص بدراسة لمحمد عبد الرزاق حسين وتامر قرموط، عنوانها: "معضلة مشروع بناء الدولة في الصومال: العراقيل والفجوات البنيوية". يُسلِّط الباحثان الضوء على الفجوات الرئيسة التي ما زالت تعوق مشروع بناء الدولة في الصومال، وذلك من خلال تعريفها، ومناقشة جذورها، وتأثيراتها في مستقبل مشروع بناء الدولة. وقد صنفت الدراسة الفجوات التي يعاني منها الصومال إلى ثلاث: فجوات ذات بعد سياسي ترتبط بنظام المحاصصة القبلية والنظام الفدرالي، وفجوات ذات بعد اجتماعي ترتبط بغياب دور المجتمع المدني، وفجوات ذات بعد اقتصادي ترتبط بالمصالح التجارية للتجار والمساعدات الخارجية. وخلصت إلى أنه من المهم - عند الحديث عن بناء الدولة ومؤسساتها – مراعاة أن هذه العملية تجري على مراحل متعددة، وتُحقِّق أهدافها على مدى طويل نسبيًا؛ ما يحتم ضرورة وجود آليات واضحة لقياس مدى التقدم، إضافة إلى ضرورة حل إشكالية الطابع المؤسسي الذي أُضفي على العشائرية السياسية في الصومال.

ويكشف مدوّخ عجمي العتيبي في دراسة له بعنوان: "تطوّر العلاقات المدنية - العسكرية في إثيوبيا" عن تأثير المحرّكات السياسية والثقافية والعرقية في توجيه بوصلة العلاقات المدنية - العسكرية في إثيوبيا. واعتمد العتيبي في دراسته على نظرية التوافق التي تفترض أن السياسة العامة للدولة تُرسَم بوساطة ثلاثة شركاء: المؤسسة العسكرية، والنخب السياسية، والمواطنون، وتؤكد على ضرورة التوافق بينهم؛ لأنّ التوافق يؤدي إلى الحدّ من ظاهرة العسكرة السياسية في الدول التي يسودها التنوع العرقي والثقافي والتفاوت الطبقي الذي يؤثر في النظام السياسي القائم فيها. ودلّت الدراسة على أن التركيبة الاجتماعية والتوزيع القبَلي أثّرا في عمليات إصلاح الأنظمة السياسية المتعاقبة؛ إذ إنّهما أسهما بصورة مباشرة في القضاء على نظام الحكم الإمبراطوري المطلق، والحكم العسكري الشمولي، ثمّ ساعدا كثيرًا في إقرار مشروع الإثنية الفدرالية.

وحاجّ صهيب محمود في دراسته: "فهم انفصال صوماليلاند: تأريخ تشكّل الدولة الصومالية وإخفاقها (1960–1991)" في أن المنظور التاريخي يوفر فهمًا أفضل ليس في حالة انفصال صوماليلاند فحسب، بل أيضًا لاستيعاب الجذور العميقة لتحوّل الصومال إلى حالة أنموذجية لفشل الدولة الوطنية القطرية. ورأى أن انفصال صوماليلاند يعد حالةً فريدةً لها خصوصيات تاريخية عدة، تميّزها من باقي الكيانات ذوات المطالب الانفصالية في أفريقيا، ليس من جهة أن الجمهورية المُعلَنة من طرف واحد استطاعت البقاء ذاتيًا وبناء دولة مستقرة وديمقراطية نسبيًا، وتُجري انتخابات رئاسية وبرلمانية وبلدية على نحو دوري في محيط مضطرب، بل إن ادعاءها السيادة يقوم على سردية كونها إقليمًا ذا تاريخ سياسي استعماري مختلف عن باقي الصومال. واختُتمت الدراسة بتفحّص موقف المجتمع الدولي من انفصال صوماليلاند، الذي على الرغم من الثناء الدائم على نموذجها السياسي الديمقراطي، فإنه يقف حائرًا أمام اعترافها أو دفعها إلى الانضمام مرة أخرى إلى الصومال.

أما في باب دراسات، فيبحث عماد قدورة في دراسته: "تقييم سياسة الهند أثناء الأزمة الخليجية (2017–2021)" اعتماد الهند إزاء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية سياسةً حذرةً في أثناء ظهور خلافات بين هذه الدول، منطلقة من اعتبارات عديدة: أولها، مبدأ عدم الانحياز؛ وثانيها، علاقة الهند الخاصة بدول الخليج العربية؛ نظرًا إلى عمق الترابط التاريخي والقرب الجغرافي وتشابك المصالح الاقتصادية، وثالثها، مواقف الدول الإقليمية والدولية من الأزمة الخليجية، ولا سيما الصين وباكستان والولايات المتحدة الأميركية. ويرى قدورة أن سياسة الهند إزاء الأزمة الخليجية، وإن بدت ظاهريًا إيجابية من حيث عدم انحيازها لأحد أطراف الأزمة، واعتبارها عبر بيان وزارة الخارجية الهندية شأنًا داخليًا في ما بين دول المجلس مع حثّ الأطراف على عدم التصعيد، فإن تقييم هذه السياسة يُبيّن أن دورها إبان الأزمة ليس جوهريًّا؛ إذ لا يتناسب مع وزنها وتصوّرها لنفسها في ظل سياستها الخارجية النشطة الجديدة، ولا يتناسب كذلك مع حجم مصالحها الكبيرة وعمق روابطها مع دول الخليج العربية.

وفي الباب نفسه، ناقش سامر بكور وراما سحتوت في دراستهما: "الاستراتيجية الإقصائية والتطييف السياسي في محافظة إدلب في سورية" عمليات الإقصاء في محافظة إدلب؛ معتبرين أن النزوح بين الجماعات المسلحة فيها اكتسب بعد التطييف السياسي، لتتحول قضية التهجير بتداعياتها وتأثيراتها إلى ظاهرة "أمننة". وأشارت الدراسة إلى أن الاستقطاب الديني والتطييف كانا نتيجة للصراع الجاري في إدلب، حيث تبنّت الفصائل المختلفة مبدأ التطييف لأغراضها الخاصة، مجبرةً فصائل أخرى على الإقصاء، وبعضًا من الأهالي على النزوح؛ ما أدى إلى زيادة المسافة الاجتماعية بين الفصائل المتصارعة وأهالي إدلب. ورأى الباحثان أن ما يميز التطييف السياسي في إدلب - بما يتجاوز أساسها الثيولوجي إلى حد بعيد - هو إلحاح قادتها على غرس روابطها بالحكم. وقد ولّد استخدام التطييف وممارسته مشاعر الاستياء لدى الجميع في المحافظة، وذلك بسبب نظام العسكرة، ومصادرة ممتلكات أهالي المحافظة.

وفي باب "سجال"، ضم العدد ورقة لسيد أحمد قوجيلي عنوانها: "أفول النظرية الكبرى: نقد الانتقائية التحليلية في العلاقات الدولية"، قدّم فيها مراجعة نقدية لنظرية الانتقائية التحليلية التي ظهرت في الأعوام الأخيرة بوصفها تيارًا نظريًا واعدًا في نظرية العلاقات الدولية، واستقطبت اهتمامًا كبيرًا من الباحثين والمشتغلين في الحقل. وفي تعقيبه على دراسة قوجيلي، ضم العدد ورقة لمحمد حمشي بعنوان: "الانتقائيُّ التحليليُّ والنظريات الكبرى: زهَّارٌ أم نحلة؟ ‘مِن كل بستانٍ زهرةٌ’ أم ‘شرابٌ مختلفٌ ألوانُه فيه شفاءٌ للناس’؟"، سعى فيها لفتح نقاش ليس في مزايا الانتقائية التحليلية أو حدودها في حقل العلاقات الدولية، بل في فهم الانتقائية التحليلية في حد ذاتها؛ أي ما تعنيه، وما تفعله، وما موقفها من فكرة النظرية الكبرى، ثم علاقتها بنظريات العلاقات الدولية.

أمّا في باب "المؤشر العربي"، فأعدّ هشام رائق ورقة بعنوان: "الفجوة الرقمية والعزوف عن المشاركة السياسية: تحليل انحدار لوجستي ثنائي الاستجابة لعيّنة من بيانات المؤشر العربي"، معتمدًا على نتائج استطلاعات المؤشر العربي الذي يصدره المركز العربي، وركز فيها على قياس الفجوة الرقمية ومدى تأثيرها في المشاركة السياسية في مجموعة من الدول العربية، وهدف من خلالها إلى تقييم الدور الذي تؤديه المحددات الديموغرافية والسوسيو-اقتصادية في الحد من الوصول إلى الإنترنت.

وفي باب "التوثيق"، اشتمل العدد على توثيق أهمّ "محطات التحوّل الديمقراطي في الوطن العربي"، و"وثائق التحول الديمقراطي في الوطن العربي" و"الوقائع الفلسطينية"، في المدة 1/3-30/4/2022.

وفي باب "مراجعات الكتب"، أعدّ حكمات العبد الرحمن مراجعة لكتاب الاتحاد الأوروبي والمنطقة العربية: القضايا الإشكالية من منظور واقعي لأحمد قاسم حسين، الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2021).

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.