العنوان هنا
تقدير موقف 17 ديسمبر ، 2014

التنسيق العسكري الأميركي – الإيراني ضد "داعش": خطوة نحو التحالف!

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

تصرّ الولايات المتحدة الأميركية وإيران على عدم وجود تنسيقٍ ميداني مباشرٍ بينهما في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، على الرغم من تأكيد الولايات المتحدة قصف طائرات إيرانية لمواقع "داعش" في شرق العراق في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ونفي إيران في البداية، ثم تأكيدها حصول ذلك. فما حقيقة ما حصل؟ وما هي خلفيات الموقف الأميركي وحساباته تجاه أي دورٍ إيراني في الحرب ضد "داعش"، وبخاصة بعد الرسالة السرية الأخيرة التي بعثها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي أشار فيها إلى "المصلحة المشتركة" بين البلدين في محاربة "داعش" في كلٍ من العراق وسورية؟[1]


خلفيات الموقف الأميركي

تعدّ إيران اللاعب الإقليمي الأكبر في المعادلة الداخلية في العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003. ولا يقتصر نفوذ إيران في العراق على تأثيرها في الأحزاب الشيعية الحاكمة فحسب، وإنما أيضًا في رعايتها لعددٍ كبيرٍ من الميليشيات الشيعية المسلّحة فيه، والتي استعادت قوتها وعززت نفوذها بعد سقوط مدينة الموصل ومناطق عراقية شاسعة أخرى في أيدي "داعش" في حزيران/ يونيو الماضي، وذلك بعد الانهيار المفاجئ للجيش العراقي. وعلى عكس الولايات المتحدة، والتي جاء ردّ فعلها بطيئًا لنصرة حكومة نوري المالكي ضدّ تمدّد "داعش" السريع، ثم وضعها شروطًا كثيرةً لتقديم دعمٍ عسكري للعراق انتهت بإطاحة المالكي نفسه، فإنّ إيران لم تتردّد لحظةً واحدةً في تقديم يد العون إلى الحكومة العراقية والمقاتلين الأكراد. وحسب الجنرال إسماعيل قائاني، المسؤول في "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، فإنه لولا الدعم الإيراني لكانت بغداد نفسها قد سقطت في أيدي "داعش"[2]. وقد أكد هذا الأمر أميركيون وزعماء عراقيون أيضًا بقولهم إنّ إيران سارعت إلى تقديم السلاح للميليشيات الشيعية والكردية للتصدي لزحف تنظيم "داعش"[3].

وتعدّ المفارقة في هذا الأمر أنّ الولايات المتحدة التي اعتبرت الدور الإيراني في العراق تخريبيًا على الدوام، سواء عبر قيام طهران بتمويل ميليشيات شيعية وتدريبها حين كانت تقاتل الأميركيين أثناء فترة الاحتلال المباشر، أو عبر إذكاء الروح الطائفية في العراق في ما بعد، تجد نفسها اليوم موضوعيًا في علاقة تحالفية مع إيران في عموم المشرق العربي. وبدأت هذه العلاقة تتخذ شكلًا واعيًا يتجاوز التحالف الموضوعي. فإدارة أوباما التي تحجم عن أي تورطٍ عسكري بري خارجي، وتحديدًا في العراق، تبحث عن قوةٍ إقليميةٍ قادرةٍ على الاضطلاع بالدور "على الأرض"؛ وذلك في ظل عجز القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية عن صدّ زحف "داعش" بإمكانياتهما الذاتية. لذلك، فهي تميل - كما يبدو - للاعتماد المتزايد على إيران بوصفها قوةً مؤهلةً للقيام بهذه المهمة.


تنسيق الضربات!

على الرغم من أنّ الولايات المتحدة وإيران لا تزالان تصرّان على أنهما لا تقومان بأي تنسيقٍ مباشرٍ في ما بينهما، فإنّ المعطيات على الأرض في العراق تدحض ذلك؛ فالولايات المتحدة توفر عبر الجو وعبر مستشاريها العسكريين على الأرض كلّ الدعم للميليشيات الشيعية التي تتبع إيران. وثمة معلومات تفيد بأنّ الولايات المتحدة تتشارك مع إيران في المعلومات الاستخبارية حول مواقع مقاتلي "داعش"[4]، سواء أكان ذلك بشكل مباشر أم غير مباشر، وذلك عبر حلفاء طهران في النظام العراقي الحاكم. كما أنّ الطائرات الأميركية قامت غير مرةٍ بتقديم إسناد جوي للجيش العراقي وقوات البشمركة وميليشيات شيعية مدعومة ومسلحة من إيران خلال معاركهم مع "داعش"؛ كما حصل عندما قدّمت مقاتلات أميركية الإسناد الجوي لميليشيات شيعية في أيلول/ سبتمبر الماضي لطرد "داعش" من بلدة أميرلي العراقية[5].

ولا يدع المسؤولون الأميركيون مجالًا للشك في حصول تنسيقٍ مع إيران، ولكن عبر طرفٍ ثالثٍ. فقد أشار الرئيس أوباما نفسه إلى مسألة التنسيق الأميركي مع إيران عبر الحكومة العراقية؛ فحسب أوباما: "لا تنسّق الولايات المتحدة مع إيران مباشرة … هناك نوع من الترتيب عبر طرفٍ ثالثٍ لضمان عدم وقوع أي خطأ، وبخاصة أنّ لديهم بعض القوات أو الميليشيات الواقعة تحت سيطرتهم في بغداد وحولها. ونحن أوضحنا لهم ألا تعبثوا معنا، فنحن لسنا هنا لنعبث معكم. فتركيزنا منصب على العدو المشترك"[6]. وحسب مراقبين أميركيين، فإنّ أوباما عنى بالقوات الإيرانية الموجودة في العراق والتي لن تعبث معها الولايات المتحدة، بعض عناصر فيلق القدس الإيراني، وتحديدًا قائده الجنرال قاسم سليماني، المصنّف على قائمة الإرهاب الأميركية لثلاث مرات[7]. واستنادًا إلى بعض الصور التي سرّبتها إيران من ساحات المعارك في العراق، فإنّ سليماني هو من يقود عمليًا المعركة ضد "داعش" هناك. وقد أكد الأمر نفسه الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية الأدميرال جون كيربي حين قال بأنّ الولايات المتحدة لا تنسق طلعاتها الجوية ولا عملياتها العسكرية مع إيران، وإنما تترك ذلك، وبخاصة مسألة تنظيم حركة الطائرات في الأجواء العراقية، للحكومة العراقية[8]


الحسابات الأميركية

لا تنكر إدارة أوباما حاجتها إلى الدور الإيراني في محاربة تنظيم "داعش"؛ وذلك لسببين: الأول هو نفوذ إيران الكبير في كلٍ من العراق وسورية، والثاني عدم رغبة إدارة أوباما في إرسال قوات عسكرية برية إلى العراق أو أي مكانٍ آخر. فـ "مبدأ أوباما" في السياسة الخارجية قائم على أنّ الولايات المتحدة ستكتفي بمهمات التدريب والتسليح والدعم لحلفائها كي يقاتلوا على الأرض، إلا في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح الأميركية المباشرة. غير أنّ انهيار القوات العراقية المهين أمام "داعش" وتقهقر قوات البشمركة الكردية تاليًا، دفع واشنطن إلى تعزيز عدد مستشاريها العسكريين على الأرض، ولكنها بقيت بحاجة إلى الدعم الإيراني في العراق لممارسة نفوذها على أطراف معادلته السياسية من أجل توحيد جهدهم في مواجهة "داعش"، وهو أمر إن حدث، فسوف يكفي الولايات المتحدة مؤونة إرسال قوات أميركية برية مقاتلة لتقوم بمهمة هزيمة تنظيم "داعش".

وثمة سببان آخران يساعدان في فهم التوجه الأميركي نحو التنسيق - غير المباشر حتى الآن - مع إيران؛ أحدهما: أنّ إدارة أوباما تأمل في أن يساهم هذا التنسيق في دفع إيران إلى إبداء مرونة أكبر في ملف المفاوضات حول برنامجها النووي، وهو الأمر الذي يطمح أوباما في أن يكون أكبر إنجازٍ لرئاسته في السياسة الخارجية[9]. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أوباما بقي حريصًا على التأكيد أنّ أي تنسيقٍ غير مباشرٍ مع إيران ضد "العدو المشترك" غير مرتبطٍ بملف المفاوضات النووية معها[10]. أما السبب الآخر فيتمثل في ادعاء الإدارة الأميركية قلقها على سلامة مستشاريها العسكريين في العراق - والذين يناهز عددهم اليوم ثلاثة آلاف مستشار - من جانب إيران وحلفائها[11]؛ فأي توترٍ مع إيران قد يرتد سلبيًا على القوات الأميركية في العراق. 


الخلاصة

سواء أكان التنسيق الأميركي مع إيران في العراق وحتى في سورية مباشرًا أم غير مباشرٍ، فإنه يؤكد على أنّ واشنطن باتت تميل إلى الاعتراف بالنفوذ الإيراني في هذين البلدين. بل إنّ علي خديري، المسؤول الأميركي السابق في العراق، لا يجد غضاضة في القول بأنّ "العراق ليس بلدًا مستقلًا، إنه تحت قيادة سليماني وزعيمه خامنئي"[12]. ومع ذلك، فالقبول الأميركي بتوسّع النفوذ الإيراني في المنطقة على حساب حلفائها التقليديين لن يكون من دون محاذير؛ فهناك أولًا إسرائيل التي لن تقبل في الغالب بنفوذٍ إيراني مؤثرٍ في المنطقة، حتى إن كان ضمن توافقٍ مع الولايات المتحدة. وثانيًا، هناك بعض حلفاء أميركا من العرب، وتحديدًا المملكة العربية السعودية التي لديها حساسية أصلًا من التمدّد الإيراني، وهو ما قد ينعكس على تصعيد التوتر الطائفي في المنطقة، وبخاصة أنّ السنة العرب في العراق لديهم حساسية من إيران وأجندتها.

أما بالنسبة إلى إيران، فإنّ الانكفاء الأميركي في منطقة الشرق الأوسط سوف يقوم بمزيد من استنزافها بقدر ما يضيف إلى نفوذها؛ فتوسيع مساحة نفوذ إيران سوف يترتب عليه أعباء إضافية تستنزف طاقتها.

وفي المحصلة، فإنّ الولايات المتحدة قد تجد نفسها مضطرة في المستقبل القريب إلى العودة مجددًا إلى المنطقة، أو مضاعفة حجم تدخلها، ومن ثمّ استنزافها؛ ذلك أنّ الصراع الطائفي سيتوسع أكثر فأكثر؛ وهو ما يعني تقوية العدو المشترك لها ولإيران؛ أي تنظيم "داعش" أو أي تنظيم آخر سيرثه. والمفارقة هنا أنّ الناطق باسم وزارة الدفاع جون كيربي نبّه إيران إلى ضرورة أن تراعي في تدخلها في العراق عدم إثارة الحساسيات الطائفية[13]، مع أنّ القبول بدورها الحالي في العراق وفي المنطقة يعني إثارة هذه الحساسيات؛ فالمسألة ليست مراعاة شكلية باللغة أو غيرها، بقدر ما هي واقع على الأرض يعبّر عنه أولئك المسوؤلون الإيرانيون الذي يتحدثون "من دون مراعاة للحساسيات" عن سقوط رابع عاصمة عربية بيد إيران.  

 

 



[1] Jay Solomon and Carol E. Lee, “Obama Wrote Secret Letter to Iran’s Khamenei About Fighting Islamic State,” The Wall Street Journal, November 6, 2014, at: http://on.wsj.com/1IWkiAZ

[2] Ben Brumfield, “Pentagon: There are 'indications' that Iran may have bombed ISIS in Iraq,” CNN, December 3, 2014, at: http://cnn.it/1BOPtt7

[3] Tim Arango and Thomas Erdbrinkdec, “U.S. and Iran Both Attack ISIS, but Try not to Look Like Allies,” The New York Times, December 3, 2014, at: http://nyti.ms/11U7WHZ

[4] Jeremy Bender, “The US IS Now in An 'Awkward' Position over Syria and Iraq’,” The Business Insider, December 2, 2014, at: http://www.businessinsider.com/us-sharing-skies-with-syria-and-iran-2014-12

[5] Aki Peritz and Faris Alikhan, “The U.S.-Iran non-alliance alliance against Islamic State,” Reuters, October 29, 2014, at: http://reut.rs/1tD4ZX3

[6] Rebecca Kaplan, “Obama outlines ‘new phase’ in the fight against ISIS,” CBS News, November 9, 2014, at: http://cbsn.ws/1GEy6yW

[7] Patrick Goodenough, “Obama Told Iranians: ‘Don’t Mess With Us, We’re Not Here to Mess With You’,” CNS News, November 9, 2014, at: http://bit.ly/1wB5hPD

[8] Arango and Erdbrinkdec.

[9] Akbar Shahid Ahmed and Ryan Grim, “What’s Wrong with this Picture? For U.S. Fight Against ISIS, Everything,” The Huffington Post, November 23, 2014, at: http://huff.to/1FjZIYA

[10] Kaplan.

[11] Ahmed and Grim.

[12] Arango and Erdbrinkdec.

[13] Brumfield.