العنوان هنا
أوراق استراتيجية 25 سبتمبر ، 2023

الاستراتيجية الدفاعية من الحرب التقليدية إلى الحرب غير التقليدية

عمليات المعلومات في الحرب الروسية على أوكرانيا

حمد علي المهندي

​باحث دكتوراه في الدراسات الدفاعية والأمنية بأكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية، قطر. حاصل على ماجستير الدراسات الدفاعية من كلية "كينجز كوليج" في لندن، وماجستير العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا.

مقدمة

تعد حرب المعلومات أحد التهديدات الصاعدة التي استجدت في القرن الحادي والعشرين نظرًا إلى شيوع وانتشار البنى التحتية التقنية والتطور التكنولوجي وثورة المعلومات الرقمية. ومع ذلك، فهي قديمة قدم النزاع البشري، وتمت الإشارة إليها واستخدامها بأساليب مختلفة. تنبع أهمية هذا النوع من التهديدات من تحوّل الفاعلين من الدول وغير الدول إلى استخدام المعلومات بوصفها أحد أدوات الحرب والصراع على نحو متزايد؛ بهدف فرض إرادتها على خصومها بوسائل أقل عنفًا، والقدرة على التصعيد إلى ما قبل عتبة المواجهة المسلحة، إضافة إلى سهولة استخدامها وقلة تكاليفها. ويُعد التفوق في مجال المعلومات جزءًا أساسيًا من دعائم الأمن القومي، وخطوة مهمة في العمليات العسكرية؛ إذ إن البعد المعلوماتي هو البعد الخامس للحرب بعد الأبعاد البرية، والبحرية، والجوية، والفضائية. وما يميز هذا البعد أنه يتضمن مجموعة واسعة من الأدوات والأساليب مثل: الحرب النفسية، والحرب الإلكترونية، والحرب السيبرانية، وعمليات التأثير والتضليل والخداع العسكري.

منذ أكثر من عشرين عامًا، قبل بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، نشطت حرب معلومات إعلامية وعسكرية بين الأطراف المعنية بالأزمة؛ روسيا من جهة، وأوكرانيا والدول الغربية من جهة أخرى. لذلك فلا تعتبر هذه الحرب المعلوماتية جديدة بالنسبة إلى سلسلة الأزمات بين أوكرانيا وروسيا. ويمكن القول إن مظاهر التوتر والمواجهة بين البلدين كانت تشتد وتخبو منذ انهيار الاتحاد السوفياتي والمواجهات الروسية مع الغرب في مواقع الصراع والتنافس المختلفة في المحيط الروسي، والتي ازدادت حدةً في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، إلى أن وصلت إلى المواجهة المسلحة مع الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.

تعد الأزمة الأوكرانية نموذجًا ملائمًا لدراسة عمليات المعلومات، وعمليات المعلومات المضادة، والحرب الهجينة. لهذا تركز هذه الورقة عليها بوصفها مثالًا تطبيقيًا لعمليات المعلومات واستخداماتها في هذا العصر، مسلطةً الضوء على إحدى الأدوات الرئيسة المستخدمة في الأزمة الأوكرانية والصراع الروسي الأوكراني - الغربي، سعيًا إلى عرض عمليات المعلومات الحديثة وشرح عناصرها وأدواتها، بصفتها أحد أساليب الحرب في القرن الحادي والعشرين، ثم توضيح كيفية استخدامها عمليًا.

تعتمدُ الورقة على النظرية الواقعية في تفسير الأزمة الروسية - الأوكرانية، التي ترتكز على الصراع ومدّ النفوذ بين الدول، ومحاولة كل دولة بسط سيطرتها ورؤيتها على الدول الأخرى، باستخدام كل أنواع القوة، بما فيها حرب المعلومات، وعمليات المعلومات المختلفة. ترى النظرية الواقعية أن الفوضى هي سمة النظام الدولي، وتؤثر في تصرفات الدولة، وتعمل الدول بدورها للحفاظ على توازن القوى. ومن ثمّ، تدعم هذه النظرية فكرة أنه يمكن اتخاذ أي وسيلة ضرورية للحصول على السلطة والقوة، وأنه لا توجد أخلاق عندما يتعلق الأمر بالعلاقات الدولية، ومن ثمّ تقدم تفسيرًا لتبرير الاستخدام الروسي للوسائل غير التقليدية، جنبًا إلى جنب مع الوسائل التقليدية، للحصول على القوة. فقد تحولت المعلومات مع الثورة التكنولوجية إلى أحد أشكال القوة، وساهمت في التمهيد لبيئة أمنية ذات معايير جديدة، تلاشت فيها الفواصل بين ما هو مدني وعسكري.

يمكن القول إنه على الرغم من أن النظريات حول الأمن قديمة ومتعددة، فإن المرحلة الحالية قد تكون مختلفة شيئًا ما مع بروز حرب المعلومات ساحةً للتنافس والصراع والتفاعل العالمي؛ ما أبرز الحاجة إلى رؤى نظرية قادرة على نحو أكبر على تفسير طبيعة التغيرات التي ألحقتها الثورة المعلوماتية على العمليات العسكرية والحروب بشكل لا يتعارض مع المفاهيم التقليدية للأمن والقوة والفوضى، بل يضيف إليها أبعادًا وجوانب تواكب التغيرات في البيئة الاستراتيجية وطبيعة التهديدات الصاعدة.

تكمن إشكالية مفهوم حرب المعلومات في عدم وجود اتفاق حول تعريفها وخصائصها من الباحثين والخبراء المتخصصين، نظرًا إلى أن الثورة التكنولوجية جعلت من وسائل المعلومات في متناول الجميع وبمقدورهم استخدامها سلبيًا أو إيجابيًا مع انخفاض تكلفة تشغيلها. وبناءً عليه، تحاول الدراسة فك الارتباك والتشابك المفاهيمي والعقائدي حول مفهومي حرب المعلومات و"عمليات المعلومات". كما تطرح الورقة سؤالًا عن أهمية حرب المعلومات في الصراعات بين الدول، خاصةً فيما يتعلق بدورها في الحرب الدائرة حاليًا بين روسيا وأوكرانيا، وعن مدى نجاح روسيا في استخدام عمليات المعلومات خلالها. وتفترض أن الاستخدام المتفوق لعمليات المعلومات يساهم في تحقيق التفوق في العمل العسكري، وتؤثر نتائج المواجهة في بيئة المعلومات في تحقيق انتصارات على الأرض من خلال العمل العسكري التقليدي. كما تفترض وجود ضعف في إدارة روسيا لحرب المعلومات ولعمليات المعلومات ضد أوكرانيا.

تقعُ الدراسة في ثلاثة محاور رئيسة. يتناول الأول مفاهيم حرب المعلومات وتطورها واستخدامها، ويوضّح الآراء المختلفة حولها، مع توضيح المنظور الغربي لعمليات المعلومات وأبعادها وأدواتها والأساليب التي تستخدم فيها. أمّا الثاني فيتناول النهج الروسي في حرب وعمليات المعلومات، ويغطي التحول في الاستراتيجية الدفاعية الروسية الذي جعل من عمليات المعلومات أحد مجالات تركيز عملياتها العسكرية. في حين يتطرق الثالث إلى الأزمة الأوكرانية منذ عام 2022 وحرب المعلومات الروسية والحرب الغربية المضادة، ويُعنى بتقييم التطبيق الروسي لعمليات المعلومات في هذه الأزمة ومدى كفاءته.