العنوان هنا
تقييم حالة 12 ديسمبر ، 2021

إعادة التوازن للعلاقات الإماراتية - الإيرانية

كريستيان كوتس أولريشن

زميل باحث لشؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس، في ولاية تكساس في الولايات المتحدة. وهو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس، في لندن في المملكة المتحدة. تتركز اهتماماته البحثية في مواضيع العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي الدولي والأمن الإقليمي لشبه الجزيرة العربية والخليج العربي. أصدر ستة كتب عن منطقة الخليج، منها: الإمارات العربية المتحدة: السلطة والسياسة وصنع السياسات The United Arab Emirates: Power, Politics and Policymaking (London: Routledge, 2015)؛ وقطر وأزمة الخليج Qatar and the Gulf Crisis (London: Hurst & Co., 2020).

أدّى فيض المبادرات الدبلوماسية التي أُطلقت في خريف عام 2021 إلى إثارة الاهتمام مجدّدًا بالسياسات الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة والطابع المتغيّر لمصالحها، وفقًا لتصوّر أبوظبي، فضلًا عن الأدوات المختلفة التي يجري من خلالها توخّي القوة عمليًا. وقد حلّت الدبلوماسية محلّ عِقْدٍ من نهج المواجهة التي اتّبعتها الإمارات ضد قطر[1] وتركيا[2]، وتكيّف صانعو السياسات في الإمارات مع السياق الإقليمي والدولي الذي تغيّر بفعل جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وكبح حقبة اتّسمت بسياسات القوة الغاشمة مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي المقابل، فقد سبقت عملية إعادة توجيه العلاقات الإماراتية بإيران التغييرَ الذي طرأ على الإدارة الأميركية؛ وهي تعكس مسارًا أعمق وأكثر واقعية في سلوك القائمين على السياسة الخارجية الإماراتية[3].

وقد لفتت زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كاني، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، إلى أبوظبي، انتباهَ محلّلي الشؤون الإقليمية، إذ أعلن أن إيران والإمارات "اتفقتا على فتح صفحة جديدة" في "العلاقات الثنائية الودّية" بين البلدين[4]. وجرى عقد الاجتماع مع أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، وخليفة شاهين المَرَر، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، بعد مرور تسعة أيام من إعلان قرقاش في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي أن الإمارات قد اتخذت خطوات لخفض حدّة التوترات مع إيران، وحذّر من أن منطقة الخليج العربي ستدفع ثمن أي مواجهة على مدى عقود قادمة[5]. وأُطلقت هذه التصريحات وسط تخمينات بشأن زيارة محتملة إلى إيران يقوم بها الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي المتنفّذ، الذي غالبًا ما توكل إليه ملفات حساسة[6].

سلّطت التطوّرات التي جرت منذ عام 2019 الضوء على الطبيعة المتغيّرة للعلاقة بين الإمارات وإيران، وبيّنت التوازن الدقيق الذي حاول المسؤولون على ضفتَي الخليج تحقيقه، وإن لم ينجحوا دائمًا. يبحث هذا المقال في كلٍ من التقلّبات الأخيرة في العلاقات الإماراتية - الإيرانية، ويتناول الديناميات البعيدة المدى التي تؤثر في العلاقات الثنائية بين البلدين. في الواقع، تساعد الأوجه الأعمق لاستمرارية العلاقة بين البلدين في تفسير المراجعة الظاهرة للسياسات الإماراتية تجاه إيران بهدف جعلها "علاقة عادية" بعد شبه تباعد غير معهود بينهما، خلال العقد الذي أعقب الربيع العربي المضطرب.

وبما أن حجم التجارة بين الإمارات وإيران كان دومًا مرتبطًا بشبكات كثيفة من العلاقات التجارية وعلاقات الأعمال، إضافة إلى حركة الأشخاص والبضائع عبر الممرّات الملاحية المتقاطعة، فقد فاق هذا الحجمُ الأرقامَ المتعلّقة بالتجارة مع الأعضاء الخمسة الآخرين في مجلس التعاون لدول الخليج العربية[7]، إذ أصبحت دبي، على وجه الخصوص، مهمّة بالنسبة إلى إيران بوصفها مركزًا لإعادة التصدير ومنفذًا للاقتصاد العالمي في عصر العقوبات الدولية ضد إيران[8]. أما المظاهر الرئيسة في نموذج التطوّر الاقتصادي لدولة الإمارات فتجعل القيادة في أبوظبي ودبي معرّضة على نحو فريد من نوعه، لأخطار زعزعة الاستقرار الإقليمي في شبه الجزيرة العربية أو الخليج. فتراجعت نتيجة هذا التوازن نزعات إثبات السطوة لدى الإمارات تجاه إيران، حتى بعد أن طبّعت الإمارات علاقاتها مع إسرائيل وعمّقت روابطها السياسية والاقتصادية والأمنية معها.[9]

تاريخيًا، اختلفت الإمارات عن دول الخليج الأخرى لأنها كانت تفتقر إلى عقبات بنيوية عميقة تحول دون إنشاء علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مع إيران، وشهدت بدلًا من ذلك تقلّبات تأثّرت بالتطوّرات الإقليمية أكثر من تأثّرها بالديناميات المحلّية في أي من البلدين. وباستثناء الاحتلال الإيراني لثلاث جزر تابعة لإمارتَي الشارقة ورأس الخيمة في مضيق هرمز منذ عام 1971[10]، فإن غياب أسباب مهمة للتوتّر بين البلدين، مثل المخاوف بشأن الهوية العِرقية أو الطائفية، كان يعني أن العوائق التي تعترض عملية توثيق العلاقات السياسية كانت أقل مقارنة بدول مجاورة مثل المملكة العربية السعودية والبحرين، إذ يميل الكثير في الدوائر السياسية إلى النظر إلى إيران بوصفها خطرًا محتملًا يهدّد الأمن الداخلي والاستقرار الإقليمي[11]. وإضافة إلى ما سبق، فقد وفّر وجود مجتمع أعمال إيراني مهم في دبي، عقودًا من الزمن، حافزًا قويًا لتعزيز العلاقات، على المستوى الفردي إن لم يكن دائمًا على الصعيد المشترك بين الدول[12].

وخلال حقبة طويلة من تاريخها البالغ خمسين عامًا، تبنّت الإمارات (التي تأسّست في 2 كانون الأول/ ديسمبر 1971 من إمارات ست، بقيادة أبوظبي ودبي، في حين انضمّت الإمارة السابعة، رأس الخيمة، في شباط/ فبراير 1972) سياسةً خارجيةً واقعية سعتْ إلى تحقيق التوازن بين المصالح الإقليمية والدولية المتنافسة أحيانًا، والمتضاربة أحيانًا أخرى. أما في في عهد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم أبوظبي رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حتى وفاته عام 2004، فقد اتّسمت السياسة الخارجية للإمارات بالتمسّك بالقضايا العربية والإسلامية والحوار والدبلوماسية. وتجسّدت عملية الالتزام الحذر هذه باستضافة أبوظبي الاجتماع[13] الذي شهد تأسيس مجلس التعاون في عام 1981، وبمساعي الشيخ زايد في التوسّط[14] بين العراق وإيران وسعيه لاستكشاف أسس يستند إليها لوضع حدّ لحربهما في الخليج.

صحيح أن الوساطة الإماراتية كانت أبعد ما تكون عن كونها العنصر الرئيس المساهم في وضع حدّ للحرب الإيرانية - العراقية في عام 1988، ولكنها عكست مناورة الإمارات الحذرة في ظل قيادة الشيخ زايد، التي انبثقت في غياب توافر إجماع في الإمارات نفسها[15]. وفي الوقت الذي ظلت فيه الإمارات محايدة رسميًا، انحازت أبوظبي ورأس الخيمة وعجمان والفجيرة إلى جانب العراق، إذ انضمت أبوظبي إلى السعودية والكويت للمساهمة في توفير الدعم المالي لصدام حسين، في حين عرضت رأس الخيمة على العراق فرصة إنشاء قواعد جوية على أراضيها. وفي المقابل، اتجهت دبي والشارقة وأم القيوين أكثر نحو إيران، إذ واصلت التجارة معها طوال فترة الحرب، وظهرت دبي بوصفها مركز عبورٍ رئيسًا للمواد الحربية المتّجهة إلى إيران[16]. وإضافة إلى ذلك، استفادت دبي من السفن المتضرّرة جراء الحرب، والتي قامت بإصلاحها منشآتها في الحوض الجاف في مينائها الجديد الرئيس في جبل علي الذي افتتح في عام 1979، أي قبل عام من بدء الحرب[17].

استمر الانقسام المتفاوت بين النهجين السياسيين اللّذين تتبنّتهما أبوظبي ودبي في التأثير في العلاقة الإماراتية - الإيرانية في العقود اللاحقة أيضًا. وهناك مثال على هذا الاختلاف في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كانت القيادة في أبوظبي تثابر على شنّ حملة لتأمين[18] معاهدة نووية [دولية ملزمة قانونًا بموجب الاتفاقات الثنائية والمتعدّدة الأطراف] بشأن التعاون النووي السلمي، وتُعرف باسم اتفاقات [المادة] 123[19]، والحصول على موافقة الولايات المتحدة[20] لإطلاق برنامج للطاقة النووية المدنية. لكن في الوقت نفسه، برزت دبي بوصفها نقطة ضعف وفقًا للنظام الدولي للعقوبات، الذي كان يشدّد قبضته حينئذ على حكومة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وأعرب المسؤولون الأميركيون عن قلقهم من أن تجارة إعادة التصدير المتنامية بسرعة التي تنتهجها دبي مع إيران تشكّل ثغرة محتملة. وقد عزّز اندفاع أبوظبي لكسب دعم الكونغرس الأميركي لاتفاقها النووي المدني، حساسيةَ العلاقة التجارية المتعدّدة الأوجه بين دبي وإيران، نظرًا إلى إمكانية أن تتضمن التجارة غير المشروعة موادَّ ذات استخدام [نووي] مزدوج[21].

وأدّت تداعيات الانتفاضات العربية في عام 2011 إلى تفاقم حدّة الاختلافات بين نَهج دبي الأكثر واقعية والقائم على التجارة مع إيران، ونهج أبوظبي الحازم والقائم على الأمن أولًا في ما يتعلّق بالشؤون الإقليمية. وأصبحت عملية صنع السياسات الدفاعية والسياسات الخارجية لدولة الإمارات أكثر تشدّدًا بعد عام 2011، إذ أحكم ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان قبضته في أبوظبي وفي جميع أنحاء الاتحاد[22]. واتّسم هذا النهج المتمحور حول الأمن بموقف عدم التسامح إطلاقًا Zero-tolerance[23] تجاه المعارضة في الداخل، إضافة إلى مجموعة من سياسات التدخّل الإقليمية[24] التي جرى صوغها بهدف دحر الحركات المزعزعة للاستقرار مثل جماعة الإخوان المسلمين.

وشملت الأمثلة على هذه السياسات، المساعدة[25] السياسية والمالية المباشرة التي تلقّتها الحكومة العسكرية التي أطاحت بالرئيس المصري محمد مرسي (جماعة الإخوان المسلمين) في عام 2013، والدعم الواسع النطاق لحملة خليفة حفتر[26] ضد الحكومة المدعومة دوليًا في ليبيا بعد عام 2014، والتدخّل العسكري[27] في جنوب اليمن بوصفه جزءًا من التحالف الذي تقوده السعودية في عام 2015، والمشاركة[28] في حصار قطر في عام 2017. وشهدت علاقات العمل الوثيقة بين محمد بن زايد في أبوظبي ونظيره السعودي محمد بن سلمان تطوّرًا، إذ أعادت تشكيل السياسات الإقليمية في شبه الجزيرة العربية لتمسي جزءًا من محور أكثر تشدّدًا[29]. وكان سلوك السياسة الخارجية في هذه الفترة ردّ فعلٍ في بعض الأحيان، وكان يفتقر إلى اتساق ضمني، لكنه ورّط الإمارات في مناطق النزاعات الإقليمية ووضعها في مرمى الانقسامات الجيوسياسية[30].

رأى المسؤولون في أبوظبي أن ما كان يُنظر إليه بوصفه خطر الحركات الإسلامية بات يمثّل أكبر خطر يتهدّد الاستقرار الإقليمي، بخلاف زملائهم السعوديين الذين كانوا يرون في إيران التحدّي الأكبر الذي يواجهه الأمن (على الصعيدين الداخلي والخارجي). وأصبحت الأولويات المتباينة، بالنسبة إلى ما كان يُنظر إليها بوصفها أخطارًا، واضحةً في اليمن، إذ قاتل[31] السعوديون المتمرّدين الحوثيين لاعتقادهم (مع بعض التبريرات البديهية[32]) أنهم يتلقّون مستويات متفاوتة من الدعم من إيران. وفي المقابل، وبعد أن استعادت القوات الإماراتية السيطرة على المدن الجنوبية من الحوثيين في عام 2015، ركّزت على محاربة الجماعات الإسلامية، بما في ذلك حزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو حزب سياسي متحالف مع جماعة الإخوان المسلمين، وغالبًا ما ينسّق العمليات مع شركائه في التحالف السعودي بالحد الأدنى[33].

وفي الوقت الذي أعطت أبوظبي الأولوية لحملاتها ضد الإسلام السياسي، فإن تنسيقها الوثيق مع الرياض، بخاصة بين عامَي 2015 و2019، وضع الإمارات ضمن المواجهة الجيوسياسية المباشرة بين السعودية (والولايات المتحدة، في فترة رئاسة ترامب) وإيران في عام 2017. فعلى سبيل المثال، طالبت اللجنة الرباعية التي تحاصر قطر، والتي تقودها السعودية والإمارات، الدوحةَ بتقليص علاقاتها بإيران. وكان هذا المطلب هو الأول في قائمة شروط استعادة العلاقات، وكانت تلك القائمة مثار سخرية على نطاق واسع[34]. وفي أيلول/ سبتمبر 2018، اتهم المسؤولون الإيرانيون "دولتين خليجيتين" بالتآمر[35] في شن هجوم على عرض عسكري أقيم في إقليم الأهواز، ما أسفر عن مقتل 29 شخصًا، وتم استدعاء[36] القائم بالأعمال الإماراتي في طهران للاحتجاج على تصريحات محلّل إماراتي بارز بدت أنها تبرّر "هجومًا ضد هدف عسكري". وظهرت هذه التعليقات على أنها تتبنّى بيانًا أدلى به محمد بن سلمان في عام 2017 وصرّح فيه أن أي صراع سيندلع "داخل إيران، لا في المملكة العربية السعودية"[37].

شكّلت التطورات التي حدثت في عام 2019 خرقًا في السياسة الإقليمية الإماراتية الحازمة، وسرّعت من عملية إعادة تقويم النهج الذي سبق الانتقال الواسع النطاق (على الأقل حتى عام 2024)، بعد مرور عام على سياسات القوة الغاشمة التي ميّزت السنوات الأربع المضطربة لحقبة رئاسة ترامب. وتضمّن أحد جوانب هذا التحوّل إدراك حدود القدرة الإماراتية على إبراز القوة العسكرية وممارسة السلطة السياسية خارج حدودها. وحدث هذا في ليبيا، حيث فشلت محاولة حفتر في الاستيلاء على طرابلس في نيسان/ أبريل 2019[38]، وأعقب ذلك تعبئة تركية[39] واسعة النطاق لدعم الحكومة الليبية. أما في اليمن، فقد اتخذ المسؤولون الإماراتيون قرارًا واقعيًا[40] في حزيران/ يونيو 2019 يقضي بخفض مستوى تورّطهم المباشر، والتركيز بدلًا من ذلك، على الحلفاء المحليين.

وبين أيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2019 أيضًا، شُنّت سلسلة من الهجمات على أهداف بحرية ومنشآت للطاقة في السعودية والإمارات، بلغت ذروتها حينما[41] أغارت طائرات مسيّرة وصواريخ على منشآت نفطية سعودية أدّت إلى انخفاض مؤقت[42] في إنتاج المملكة ليصل إلى النصف. صحيح أنه لم تُثبَت هوية الفاعل على نحو قاطع، إلا أن تلك الضربات شكّلت على الأرجح جزءًا من رد إيران، في "المقاومة القصوى"[43]، على سياسات إدارة ترامب المتمثّلة في "ممارسة الضغوط القصوى"[44] التي جرى إطلاقها في نيسان/ أبريل 2019، وقد رحّب[45] بها بداية القادة الإماراتيون (والسعوديون). ومع ذلك، تسبّب فشل إدارة ترامب في الردّ على الهجمات التي استهدفت شركاءها في الخليج العربي - إذ صرح ترامب نفسه[46]، بعد يومين من غارة بقيق، أنه كان هجومًا على المملكة العربية السعودية، ولم يكن هجومًا على الولايات المتحدة - بصدمة عنيفة في أبوظبي والرياض، وأثيرت تساؤلات بشأن أساس الضمانات الأمنية[47] التي اعتقد القادة السعوديون والإماراتيون أنهم حصلوا عليها من الولايات المتحدة.

صحيح أن الرئيس ترامب لم يكن ينوي ربما إثارة مثل هذه الشكوك، إلا أن تعليقاته وعدم قيام إدارته بفعل ما عام 2019 دفعتا إلى إعادة النظر في الفكرة القائلة إن مصالح الشركاء الأميركيين والخليجيين، بخاصة في ما يتعلق بإيران، كانت فعلًا واحدة. إضافة إلى ما سبق، ساهم ذلك في تنامي الشعور بالقلق في عواصم الخليج العربي، وخاصة أبوظبي والرياض، بشأن ما ينظر إليه أنه فك ارتباط للمصالح الأميركية الذي بدأ في إدارة أوباما (والذي عزّزه العام الأول في رئاسة بايدن، وبخاصة الطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة في انسحابها الفوضوي من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021)[48]. ولهذا السبب جزئيًا، سعى صناع السياسات الإماراتيون إلى تنويع شراكاتهم الدولية[49]، بما في ذلك مع إسرائيل والصين، وعملوا على تحقيق توازن أكثر قابلية للتطبيق في العلاقات الإقليمية، ولا سيما مع إيران[50].

باشرت الإمارات في مد الجسور مع إيران في حزيران/ يونيو 2019، في غضون أسابيع من تاريخ الهجمات على الناقلات البحرية (قبل الهجمات على البنية التحتية النفطية السعودية بفترة طويلة)، مع إعادة إحياء[51] المحادثات الأمنية البحرية التي توقفت في عام 2013، وطرأ تحوّل لافت على الخطاب الذي شدّد[52] على الحاجة إلى الاستقرار الإقليمي. وكانت هذه الرسائل واضحة للعيان في كانون الثاني/ يناير 2020، واختلفت اختلافًا بيّنًا عن النبرات الواثقة (ثقة فائقة) التي انطلقت بين عامي 2015 و2018 بعد تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب مقتل قاسم سليماني[53]. وقد دعا بيان صادر عن وزارة الخارجية الإماراتية[54] إلى "حوار عقلاني" وتخفيف حدّة التوتر في الخليج، وهو موقف ردّدته القيادة السعودية التي أرسلت أيضًا[55] نائب وزير دفاعها إلى واشنطن العاصمة لإثارة ملف القضية مع إدارة ترامب على نحو مباشر. وفي وقت لاحق من عام 2020، أرسلت الإمارات ما لا يقل عن أربع طائرات محملة بالإمدادات الطبية إلى إيران خلال الأشهر الأولى من انتشار جائحة فيروس كورونا، في إشارة ملموسة أخرى إلى أن المواجهة الجيوسياسية آخذة في التراجع، جزئيًا على الأقل، لتتيح درجة من التعاون العملي[56].

هناك أسباب وجيهة تبرّر العودة إلى مسألة اعتماد نهج واقعي تجاه إيران، بما في ذلك الشكوك التي اعترت المشهد الاقتصادي في مرحلة ما بعد الجائحة في جميع البلدان في المنطقة، بغضّ النظر عن موقفها من أي من التصدّعات الإقليمية الجيوسياسية. ويدرك المسؤولون في أبوظبي، وأيضًا دبي، تمامًا، الضرر الذي قد يلحق بهما بوصفهما مركزين مستقرين (نسبيًا) في منطقة غير آمنة في حال استمرّ و/ أو تصاعد نمط الهجمات التي شنت في عام 2019. وقد تضخّم هذا الإحساس الجديد بالضعف والتعرّض للخطر نتيجة تأثير الجائحة التي ألحقت أضرارًا بالغة بقطاعات السياحة والضيافة والفعاليات الضخمة والترفيه، بعد أن كانت هذه القطاعات هي التي نهضت بأبوظبي ودبي لتجعل منهما مدينتين عالميتين طامحتين على مدى العقدين الماضيين.

في كانون الثاني/ يناير 2014، دعا حاكم دبي (رئيس وزراء الإمارات)، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إلى تخفيف الضغوط على إيران، إذ توجّه إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" قائلًا: "نحتاج إلى منح إيران بعض المساحة، فإيران جارتنا. ونحن لا نريد أي مشاكل"[57]. وبعد مرور نحو سبع سنوات، أدّى فشل الفترة الفاصلة، التي اتّسمت بعلاقات المواجهة، في التوصّل إلى أي بديل مُجدٍ أو عملي، إلى إعادة قيمة التوازن إلى العلاقات الإقليمية وما بين الأقاليم. ومع تجاوز الإمارات تداعيات الجائحة، باتت القيادة الإماراتية تحتاج إلى التركيز على النمو الاقتصادي، ولا طاقة لها لتحمّل المزيد من المخاطر الجيوسياسية، ولا سيما مع توقّع منافسة أوسع نطاقًا مع السعودية، وذلك على الموارد التي قد تكون شحيحة في القطاعات الرئيسة[58].

ومن المفارقات، وفي ضوء التوترات بين أبوظبي وقطر على مدى العقد الماضي، بدأ التوازن الإماراتي، بين الولايات المتحدة والصين وإسرائيل وإيران، يشبه السياسة القطرية المتمثّلة في "التحوّط" Hedging من خلال التصدّي للرهانات الكبيرة التي تسير في اتجاه معيّن، بسلسلة من الرهانات الصغيرة التي تتّخذ الوجهة الأخرى[59]. وكانت تلك السياسات التي انتهجتها قطر قد عرّضتها لردّ فعل عنيف من الإمارات والسعودية في عام 2014، ومرة أخرى خلال الحصار الذي بدأ في عام 2017 ودام ثلاثة أعوام ونصف. ولا نستطيع أن نجزم إذا كان أداء الإمارات سيتحسّن مستقبلًا في سعيها لإيجاد توازن إقليمي وسياسي خارجي، وإن كان يتخذ مساره على خلفية تتّسم باستقطاب أقل، مقارنة بعقد ما بعد الانتفاضات العربية المثير للجدل، والذي انتهى للتوّ.


[1] Amélie Mouton, “The Reluctant Alliance: UAE and Qatar Reluctantly Agree to Reconcile,” The Africa Report, 13/1/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3DAaCwf

[2] Giorgio Cafiero, “Turkey and the UAE Inch Towards Reconciliation,” Gulf International Forum, 30/8/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/31JDDIR

[3] Hussein Ibish, “UAE Outreach to Iran Cracks Open the Door to Dialogue,” The Arab Gulf States Institute in Washington, 1/8/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3y3Qa5Z

[4] “Iran’s Deputy Foreign Minister Pledges ‘New Chapter’ in Iran-UAE Relations,” Al-Monitor, 24/11/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3lMEnnv

[5] Mina Aldroubi, “Anwar Gargash: UAE Taking Steps to Defuse Iran Tensions,” The National News, 15/11/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3oxwDHO

[6] Maziar Motamedi, “UAE’s Top Security Official Visits Iran to Develop ‘Warm Ties,’” Al Jazeera, 6/12/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/31BuGS5

[7] Nader Habibi, “The Impact of Sanctions on Iran-GCC Economic Relations,” Middle East Brief, no. 45, Brandies University Crown Center for Middle East Studies (2010).

[8] John Duke Anthony et al., “War with Iran: Regional Reactions and Requirements,” Middle East Policy, vol. 15, no. 3 (2008), pp. 1-29.

[9] Elham Fakhro, “What the Abraham Accords Reveal about the United Arab Emirates,” War on the Rocks, 30/10/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3lLlpxv

[10] Richard A. Mobley, “The Tunbs and Abu Musa Islands: Britain’s Perspective,” Middle East Journal, vol. 57, no. 4 (2003), pp. 627-45.

[11] Ribale Sleiman-Haidar, “The Iranian Threat: The Saudi Perspective,” London School of Economics Blogs, 15/6/2018, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3Ew58UC

[12] Tuqa Khalid & Andrew Torchia, “In Dubai, US Sanctions Pressure Historic Business Ties with Iran,” Reuters, 19/11/2018, accessed on 13/12/2021, at: https://reut.rs/3GuO4z7

[13] Kelly Clarke, “Dawn of the GCC: How Abu Dhabi’s InterContinental Hotel Became the Birthplace of the Gulf Union,” The National News, 25/5/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3s18qvV

[14] “Iran and Iraq Reportedly Accept New Mediation Effort,” UPI, 5/12/1982, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3DEqDBf

[15] Uzi Rabi, “The United Arab Emirates: A Study in Survival,” Middle Eastern Studies, vol. 43, no. 6 (2007), pp. 1012-1014.

[16] Karim Sadjadpour, The Battle of Dubai: The United Arab Emirates and the U.S.-Iran Cold War (Washington, DC: Carnegie Endowment for International Peace, 2011).

[17] John Rice, “Dubai Looking for Economic Boom after Persian Gulf War With AM-Dubai-Dhows,” AP News, 26/7/1988, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3EznBQk

[18] “The UAE 123 Agreement: A Model for the Region?” Center for Strategic and International Studies, 23/10/2009, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3lKTm18

[19] تتطلّب المادة 123 من قانون الولايات المتحدة للطاقة الذرية U.S. Atomic Energy Act إبرام اتفاقية تعاون نووي سلمي من أجل العمليات الكبيرة التي تشمل نقل المواد أو المعدّات النووية من الولايات المتحدة. وتسهّل تلك الاتفاقيات، التي تُعرف عادة باسم اتفاقيات 123، التعاونَ في مجالات أخرى، مثل عمليات التبادل الفنية والبحوث العلمية ومناقشات الإجراءات الوقائية. (المترجمة)

[20] Doug Palmer, “US-UAE Nuclear Pact Edges Toward Implementation,” Reuters, 30/9/2009, accessed on 13/12/2021, at: https://reut.rs/3GjUEIk

[21] Kristian Coates Ulrichsen, “Evolving Power Dynamics in the United Arab Emirates,” Baker Institute Blog, 1/3/2016, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3EDHdTa

[22] Ryan Bohl, “What I Taught in the Emirates, and What It Taught Me,” New Lines Magazine, 30/11/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3EApM6d

[23] “UAE Calls for Zero Tolerance Policy Towards Terrorism to Restore Stability in the Middle East,” Permanent Mission of the United Arab Emirates to the United Nations, 26/6/2018, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3owMMNN

[24] Karen E. Young, “The Interventionist Turn in Gulf States’ Foreign Policies,” Issue Paper, no. 4, The Arab Gulf States Institute in Washington, 1/6/2016, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3DxLxSH

[25] Michael Peel, Camilla Hall & Heba Saleh, “Saudi Arabia and UAE Prop up Egypt Regime with Offer of $8 bn,” Financial Times, 10/7/2013, accessed on 13/12/2021, at: https://on.ft.com/3pFt2qm

[26] “UAE Renews Support to Libya’s Haftar, Calls for UN-supervised Solution to End War,” AlArabiya News, 30/4/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3GqdYUE

[27] Michael Knights, “Lessons From the UAE War in Yemen,” Law Fare Blog, 18/8/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/31GpXhA

[28] Anne Barnard & David D. Kirkpatrick, “5 Arab Nations Move to Isolate Qatar, Putting the US in a Bind,” The New York Times, 5/6/2017, accessed on 13/12/2021, at: https://nyti.ms/3EviZKV

[29] Simon Henderson, “Meet the Two Princes Reshaping the Middle East,” Politico Magazine, 13/6/2017, accessed on 13/12/2021, at: https://politi.co/31JLDt5

[30] Peter Salisbury, “Risk Perception and Appetite in UAE Foreign and National Security Policy,” Research Paper, Chatham House, 1/7/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3GjPGvg

[31] Bruce Riedel, “What are the Houthis, and Why are we at War with them?” Markaz, The Brookings Institution, 18/12/2017, accessed on 13/12/2021, at: https://brook.gs/3pFfRFV

[32] Thomas Juneau, “How Iran Helped Houthis Expand their Reach,” War on the Rocks, 23/8/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3pvVsmE

[33] Stacey Philbrick Yadav, “Yemen’s Muslim Brotherhood and the Perils of Powersharing,” Rethinking Political Islam Series, The Brookings Institution (August 2015), accessed on 13/12/2021, at: https://brook.gs/303DnDQ

[34] “Arab States Issue 13 Demands to End Qatar-Gulf Crisis,” Al Jazeera, 12/7/2017, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3ozsHGt

[35] “Iran Blames US and Gulf Allies for Ahvaz Parade Attack,” Al Jazeera, 23/9/2018, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3IuzqcG

[36] “Iran Threatens UAE after Tweet by Emirati Writer on Ahwaz Attack,” Al Arabiya News, 23/9/2018, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3y5EDmC

[37] Sami Aboudi & Omar Fahmy, “Powerful Saudi Prince Sees no Chance for Dialogue with Iran,” Reuters, 2/5/2017, accessed on 13/12/2021, at: https://reut.rs/31GXjwG

[38] Jason Pack & Mathew Sinkez, “Khalifa Haftar’s Miscalculated Attack on Tripoli Will Cost Him Dearly,” Foreign Policy, 10/4/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3y2RyWt

[39] Patrick Wintour, “Libyan Government Activates Cooperation Accord with Turkey,” The Guardian, 20/12/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3EBt0Gu

[40] Elana DeLozier, “UAE Drawdown May Isolate Saudi Arabia in Yemen,” Policy Analysis, The Washington Institute for Near East Policy, 2/7/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/31xWBT4

[41] Ben Hubbard, Palko Karasz & Stanley Reed, “Two Major Saudi Oil Installations Hit by Drone Strike, and U.S Blames Iran,” The New York Times, 14/9/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://nyti.ms/3EEcVjs

[42] John Defterios & Victoria Cavaliere, “Coordinated Strikes Knock out Half of Saudi Oil Capacity, more than 5 million Barrels a Day,” CNN, 15/9/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://cnn.it/3oByZpj

[43] Ali Vaez & Naysan Rafati, “U.S. Maximum Pressure Meets Iranian Maximum Pressure,” International Crisis Group, 5/11/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3EDKJNr

[44] “Trump Dials Up the Pressure on Iran,” The New York Times, 4/5/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://nyti.ms/3pGBSo9

[45] Majed Al Ansari, “Gulf States Divided in Approach to Iran-US Escalation,” Al-Monitor, 1/7/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3EzuYHu

[46] Steve Holland & Rania El Gamal, “Trump Says he does not Want War after Attack on Saudi Oil Facilities,” Reuters, 16/9/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://reut.rs/3rQefvR

[47] David B. Roberts, “For Decades, Gulf Leaders Counted on U.S. Protection. Here’s what Changed,” The Washington Post, 30/1/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://wapo.st/3Gt9mNx

[48] Kirsten Fontenrose, “What the Arab Gulf is Thinking after the Afghanistan Withdrawal,” Atlantic Council, 23/9/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/303H64i

[49] Elham Fakhro, “What the Abraham Accords Reveal about the United Arab Emirates,” War on the Rocks, 30/10/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3lLlpxv

[50] “Iran Experts: ‘UAE Strengthening Ties with Tehran,” Middle East Monitor, 4/7/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3rJXx14

[51] “Rivals Iran and UAE to Hold Maritime Security Talks,” Reuters, 30/7/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://reut.rs/3EzT8BB

[52] Liz Sly, “The UAE’s Ambitions Backfire as it Finds itself on the Front Line of U.S.-Iran Tensions,” The Washington Post, 11/8/2019, accessed on 13/12/2021, at: https://wapo.st/3DBZzTc

[53] Peter Baker et al., “Seven Days in January: How Trump Pushed U.S. and Iran to the Brink of War,” The New York Times, 11/1/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://nyti.ms/3rPWE7g

[54] “UAE Calls for De-escalation Amid Reactions to Iran Missile Attacks,” Arab News, 8/1/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3rMiSac

[55] Tamara Abueish, “Saudi Arabia’s Vice Defense Minister Discusses De-escalation with Esper,” Al Arabiya News, 7/1/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3Iu4b1u

[56] “UAE Sends Additional Aid to Iran in Fight against COVID-19,” ReliefWeb, 27/6/2020, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/3yjdtcd

[57] Simeon Kerr, “Dubai Eager to Capitalise on Iran Opening,” Financial Times, 21/1/2014, accessed on 13/12/2021, at: https://on.ft.com/3y4OxEY

[58] David Gardner, “Behind the Smiles, Competition Heats up in the Gulf,” Financial Times, 22/9/2021, accessed on 13/12/2021, at: https://on.ft.com/3rIhh5r

[59] Ian Philbrick & Henry Shepherd, “Qatar’s Big Ambitions: An Interview with Dr. Mehran Kamrava,” Georgetown Journal of International Affairs, 15/11/2013, accessed on 13/12/2021, at: https://bit.ly/31CWu8i