منذ اندلاع الثورة السوريّة (آذار/مارس 2011)، بدأ الحديث عن قوة التيار السلفي وحضوره في لبنان يتصاعد ويأخذ أشكالًا تحريضية - ضدّ ما يسمّى تحديدًا "بالسلفيين التكفيريين" - حتى بدا هذا التيار كأنّه نبت مفاجئ طارئ على الحياة السياسية في لبنان، وأنّه تيار واحد موحّد بعنوان تكفيري إرهابي، وأنّه صار فجأةً هو المسيطر على الحياة السياسية والاجتماعية للمسلمين السنّة في لبنان.
جدل حول مزاعم تورّط التيارات السلفية اللبنانية في العنف
في مقابل الاتهام والتشكيك الذي حمله الكلام عن السلفية والسلفيين عند حزب الله والقوى المتحالفة معه، ساد القوى المعارضة لحزب الله الخوف والقلق؛ وذلك بسبب ما شهدته طرابلس وصيدا وعرسال - وهي مدن سنّية كبرى في لبنان - من أحداث قال حزب الله إنّه كان للتيار السلفي دورٌ كبير فيها؛ وقال معارضو الحزب إنّه هو من كان يشعلها لزرع بذور الشقاق والفتنة بين الجيش اللبناني و"أهل السنّة"، ولتبرير القيام بهجمات مسلّحة على هذه المدن[1]. وقد جاءت المواجهات مع حركة الشيخ أحمد الأسير في ضواحي صيدا (عبرا)[2]، وقبلها حادثة اغتيال شيخين على حاجز للجيش في عكار[3]، والتفجيرات التي وقعت في ضاحية بيروت الجنوبية[4] ومن بعدها مدينة طرابلس[5]، ثمّ موجة الذعر جرّاء قيام تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" والقاعدة بتفجيرات أخرى في بيروت[6]، لتثير الكثير من الأسئلة بخصوص حقيقة اتهامات حزب الله "السلفيين التكفيريين" ومسؤوليتهم عن تدهور الأوضاع الأمنيّة في البلد[7]. وكان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أعلن "التوصّل إلى نتائج حاسمة بشأن انفجار الرويس، وتحديد الجهة التي تقف خلف هذا الانفجار، والجهة المشغّلة والأفراد المشغلين، ومنهم سوريون معارضون وجماعات تكفيرية، وأنّ هذه النتائج توصّلت إليها الأجهزة الأمنيّة الرسمية"[8] (وذلك على الرغم من عدم صدور أيّ موقف أمني رسمي أو قرار قضائي يؤكّد اتهامات نصر الله). كما أعلنت قناة "المنار" التلفزيونية التابعة لحزب الله عمّا أسمته "مضمون التحقيقات" التي أجراها الحزب. وأشارت إلى بلدة عرسال التي "حُضِّر فيها التفجير"[9]. وقد غدت عرسال بفعل التعبئة الإعلامية من النوع السالف الذكر تنتظر عملية عسكرية تستهدفها بحجّة تطهيرها من "الإرهابيين التكفيريين"، خصوصًا بعد نجاح حزب الله والنظام السوري في السيطرة على كلّ المنطقة السورية المحاذية لحدود البقاع الشمالي من لبنان، ثم السيطرة على قرية الطفيل مؤخرًا[10].
وجاء الإعلان عن تهديدات وعمليات ستقوم بها "كتائب عبد الله عزام"، و"لواء أحرار السنة في بعلبك"، ليكشف عن حالة من التضليل الإعلامي الذي يخلط الأمور بحيث تضيع الحقيقة ويزداد الخوف، وبالأخصّ في صفوف المسيحيين؛ إذ صدرت بيانات تهدّد بنسف كنائسهم في لبنان وتفجيرها[11].
وقد شكّكت مصادر أمنيّة لبنانية في صحّة هذه التهديدات وحتى في وجود بعض هذه التنظيمات، بعد أن تمكّنت الأجهزة الأمنيّة اللبنانية من تحديد مصادر بثّ التغريدات على موقع "تويتر" باسم "لواء أحرار السنّة في بعلبك"[12]. "وثارت شكوك حول وجود "منظومة استخبارية تتولّى توزيع مثل هذه البيانات على "تويتر" للتحريض على "أهل السنّة" في لبنان، لا سيّما في منطقة بعلبك. كما صرّح وزير الداخلية نهاد المشنوق ردًّا على ما صدر عمّا يسمّى "لواء أحرار السنّة" من تهديدات: "أنا لا أعلّق أهميةً على هذا الكلام، لأنّه كلام مخابراتي معروف أصوله وجذوره"[13]. ووفقًا لنتائج تحقيقات تسرّبت إلى وسائل إعلام لبنانية، تبيّن أنّ ما يسمّى "لواء أحرار السنّة – بعلبك" تنظيم غير معروف إلا عبر التغريدات على موقع تويتر، وأنّ الأجهزة المختصة ختمت التحقيق بشأن "لواء أحرار السنّة"، وجرى تحديد الشخص الذي يديره، وعُرف لاحقًا أنّه مندوب لحزب الله مقيم في سورية[14].
وفي مقابل تفنيد الاتهامات وتداعيها بخصوص حقيقة تورّط تيارات سلفية لبنانية في أعمال عنف داخل لبنان، ظهرت مؤشرات على اتخاذ التورّط السلفي اللبناني بعدًا إقليميًّا؛ إذ فجّر انتحاري لبناني الجنسية يدعى "أبو حفص"،[15] نفسه في مقهى شعبي في منطقة "الوشاش" وسط بغداد، يوم الأحد 6 تموز/يوليو 2014، مُوقعًا قتلى وجرحى. وقد نفّذ الانتحاري عمليته تحت جناح الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" ما يشير إلى أنّ حدود مشاركة بعض المتشدّدين اللبنانيين في أعمال عسكرية قد تجاوزت سورية لتصل إلى العراق.
للاطلاع على الورقة كاملة، انقر هنا، أو انقر على الصورة في الأسفل
[1] كارين بولس، "عرسال تخشى عملية عسكرية ضدها"، موقع
ناو ليبانون، 22 آب/أغسطس 2013، على الرابط:
[2] خلال شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو 2013 حدثت إشكالات في منطقة عبرا/صيدا، بين إمام "مسجد بلال بن رباح" الشيخ أحمد الأسير و"سرايا المقاومة" التابعة لـ "حزب الله"، تمحورت حول وجوب إخلاء شقق "سرايا المقاومة" من محيط المسجد... تطوّر الأمر، يوم الثلاثاء 18 حزيران/يونيو، إلى اشتباكات استُخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة المدفعية والثقيلة والرشاشة. وفي خطبة يوم الجمعة 21 حزيران/يونيو أعلن الشيخ الأسير عن تأجيل تحرّكه الذي كان حدّده يوم الإثنين 24، إلى ما بعد انتهاء الطلاب من امتحانات الشهادة الرسمية. ويوم الأحد 23 حصل إشكال بين مناصري الأسير وعناصر الجيش اللبناني، تطوّر إلى قتال عنيف. فشهدت منطقة عبرا هجومًا كبيرًا للجيش اللبناني على مسجد الشيخ الأسير ورفاقه، استُخدمت فيه مختلف أنواع الأسلحة، وسقط أكثر من 16 قتيلًا للجيش اللبناني والعشرات من الجرحى، وانتهت المعركة بمقتل عدد كبير من مجموعة الأسير (لم يُعرف بالتحديد) الذي فرَّ مع الفنان المعتزل فضل شاكر، والدائرة الضيقة جدًّا، إلى خارج الطوق الأمني الذي ضربه الجيش. وقد اتّهمت فعاليات صيداوية منها السيدة بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة حزب الله بالقتال إلى جانب الجيش، لا بل بتوريطه في هذه المعركة التي أصابت عبرا ومحيطها بدمارٍ رهيب. (الوكالات والصحف، 18 و22 و23 و24 حزيران/يونيو 2013).
[3] "’التحقيق‘ مع عناصر الجيش المسؤولة عن مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه، ومشايخ عكار يحذّرون من تصرفات بعض العناصر ’المرتهنة‘"، ويدعون لإضراب عام غدًا، نهار نت، 20 أيار/مايو 2012، على الرابط:
http://www.naharnet.com/stories/ar/40851
[4] الثلاثاء 9 تموز/يوليو 2013 في منطقة بئر العبد والخميس 15 آب/أغسطس 2013 في منطقة الرويس، وهما من المناطق الشعبية الشيعية في ضاحية بيروت الجنوبية تُعرفان باكتظاظهما السكاني الكثيف، وبوقوعهما تحت سيطرة حزب الله الأمنيّة والعسكرية.
[5] في مسجدين للتيار السلفي: الأوّل هو مسجد التقوى وإمامه الشيخ سالم الرفاعي، والثاني مسجد السلام وإمامه الشيخ بلال البارودي. وذلك عند صلاة يوم الجمعة 23 آب/أغسطس 2013. وقد ادّعى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية اللبنانية القاضي صقر صقر على الشيخ هاشم منقارة (رئيس مجلس قيادة حركة التوحيد الإسلامي، عضو جبهة العمل الإسلامي) والموقوفين الشيخ أحمد الغريب (مساعد الشيخ منقارة) ومصطفى حوري وكلّ من يظهره التحقيق، في جرم تأليف عصابة مسلّحة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال، والنيل من سلطة الدولة وهيبتها، والتعرّض لمؤسساتها المدنية والعسكرية، وتشكيل خليّة إرهابية، ووضع عبوات وسيارات مفخّخة وتفجيرها أمام المسجدين في الشمال. كما ادّعى صقر على النقيب السوري محمد علي وعلى خضر العربان بجرم وضع سيارات مفخّخة وقتل الناس... (الوكالات - الصحف: الجمعة 30 آب/أغسطس 2013).
[8] في خطابه يوم الإثنين 23 أيلول/سبتمبر 2013. انظر: المستقبل، الثلاثاء 24 أيلول/سبتمبر 2013، العدد 4815 - شؤون لبنانية - ص 4.
[12] الحياة، 7 تموز/يوليو 2014.
[13] النهار، 7 تموز/يوليو 2014.