العنوان هنا
تحليل سياسات 20 فبراير ، 2012

تنظيم "جباية الثّمن".. وجباية الثّمن من الفلسطينيّين

محمود محارب

باحث مشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أستاذ جامعي فلسطيني له العديد من الكتب والأبحاث المتعلّقة بالصهيونية وإسرائيل، والقضية الفلسطينية، والصراع العربي الإسرائيلي. حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من "الجامعة العبرية" في القدس. وفي عام 1986 حصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من قسم العلوم السياسية في جامعة ريدينغ في إنكلترا. ومنذ عام 1987 حتى عام 1990، عمل مديرًا لمركز الأبحاث التابع لجمعية الدراسات العربية في القدس المحتلة. 

مقدمة

تسعى هذه الورقة إلى الوقوف على ظاهرةٍ تولّدت في السّنوات الأخيرة من داخل صفوف المستوطنين اليهود الإسرائيليّين في الضفّة الفلسطينية المحتلّة، ويطلق عليها تسمية "جباية الثّمن". وهي كما يبدو تنظيم فضفاض، ولكن مع قيادية مركزيّة توجّهه. ويسعى هذا التنظيم إلى زيادة تعزيز الاستيطان اليهوديّ في الضفّة الفلسطينية المحتلّة، ويستعمل العنف والإرهاب أساسًا ضدّ الفلسطينيّين وممتلكاتهم في الضفّة الفلسطينية المحتلّة، علاوةً على "جبايته الثمن" من أذرع السلطة الإسرائيلية احتجاجًا على عدم تبنّيها سياساته بالكامل إزاء الاستيطان. وتقف الورقة على خلفيّة نشوء تنظيم "جباية الثمن" وعلى بنيته التنظيميّة ومركباته، وعلى الأرضيّة الفكريّة التي يستند إليها.

ما انفكّت إسرائيل منذ احتلالها المناطق الفلسطينية في عام 1967 تعزّز مشروعها الاستيطانيّ في هذه المناطق. وتهدف جميع الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة -من خلال مثابرتها على زيادة الاستيطان- إلى خلق واقعٍ ديمغرافيّ جديد في الضفّة الفلسطينية المحتلّة، من أجل تهويد أكبر مساحة ممكنة منها تمهيدًا لضمّها إلى إسرائيل كحلٍّ مستقبليّ، سواء أكان هذا الحلّ مفروضًا من إسرائيل بفعل الأمر الواقع والتّقادم أو متّفقًا عليه مع القيادة الفلسطينية. ومن الملاحظ أنّ جميع الحكومات الإسرائيليّة هي التي بادرت -في العقود المنصرمة، وفي الغالبيّة العظمى من الحالات- إلى إقامة المستوطنات اليهودية في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة، وإلى توسيعها وزيادة عدد المستوطنين فيها.

تتحكّم في وتيرة زيادة الاستيطان في الضفّة الفلسطينية المحتلّة مجموعةٌ من العوامل المهمّة، وفي مقدّمتها سياسة التّهويد والتوسّع التي تلتزم بها جميع الحكومات الإسرائيليّة؛ والتي تحظى بتأييدٍ واسعٍ في صفوف المجتمع الإسرائيلي، ولدى الأحزاب السياسية وجماعات الضّغط والقوى الاستيطانيّة الفاعلة في المجتمع الإسرائيلي مهْما اختلفت الحكومات. وفي المقابل، تحدّ من وتيرة الاستيطان، كلّ من المقاومة الفلسطينية - إذ لوحظ تباطؤٌ جدّي في وتيرة الاستيطان إبان الانتفاضتين الأولى والثانية- والضّغط الدولي على إسرائيل، لا سيّما ذاك الذي يمكن أن تمارسه الإدارة الأميركيّة بهذا الشّأن. وعندما تتعرّض الحكومات الإسرائيلية إلى ضغط المجتمع الدوليّ، وخاصّةً من الإدارة الأميركية، فإنّها تستجيب في بعض الأحيان إلى هذه الضّغوط، وتعلن، في أحيانٍ نادرة، عن تجميد الاستيطان رسميًّا وشكليًّا، فيما تستمرّ فيه عمليًّا تحت ذرائعَ عدّة، وفي مقدّمتها استكمال بناء ما شُرع في بنائه، أو إتمام بناء ما تمّ إقراره نهائيًّا في لجان التخطيط.

ولم يحدث أن توقّف الاستيطان فعليًّا منذ سنة 1967 وحتّى اليوم، وإنّما تغيّرت وتيرته بين فترةٍ وأخرى وفقًا للضّغوط الدولية لمحاولة إيقافه أو الحدّ منه؛ فالاستيطان يقلّ في فترات الضّغط، خاصّةً ضغط الإدارة الأميركية، ثمّ لا يلبث أن يعود بشكلٍ أسرع ما إن يخفّ الضّغط الدولي. ويصل اليوم عدد المستوطنين الإسرائيليّين في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة إلى 550 ألف مستوطن، وهو ما يعادل 10 في المئة من مجموع سكّان إسرائيل اليهود، ويعيش 250 ألف مستوطن في القدس الشرقية المحتلّة و300 ألف مستوطن في بقيّة أنحاء الضفّة الفلسطينية المحتلّة. وتولِي إسرائيل الأهميّة القصوى لتعزيز الاستيطان اليهودي في القدس الشرقيّة المحتلّة، إذ تعمل الحكومة والمؤسّسات الإسرائيلية الاستيطانيّة المختلفة على مضاعفة عدد المستوطنين اليهود في القدس الشرقيّة المحتلّة في العقدين القادمين. وقد كشف تقريرٌ إسرائيلي عن وجود 50 ألف وحدة سكنيّة استيطانية في مراحلَ مختلفة من التخطيط لبنائها في القدس الشرقيّة المحتلّة. ومن المتوقّع أن يُبنى قسمٌ منها في المستوطنات الإسرائيليّة القائمة في القدس الشرقيّة المحتلّة.