العنوان هنا
تقييم حالة 07 فبراير ، 2022

هل تستطيع تركيا موازنة العلاقات بين روسيا والغرب في أزمة أوكرانيا؟

باسل الحاج جاسم

كاتب في شؤون آسيا الوسطى والقوقاز، وباحث في العلاقات الروسية - التركية، ومؤلف كتاب كازاخستان والأستانة السورية، وكتاب كاراباخ وحرب الأسابيع الستة.

مقدمة

لم يمنع وقوف تركيا على النقيض من سياسات موسكو في سورية وليبيا، إضافة إلى عدم إخفاء معارضتها ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، من أن تكون الدولة الوحيدة العضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو" التي تربطها علاقات واسعة في آن واحد بأوكرانيا وروسيا في شتى المجالات[1]. وعند نشوب أي مواجهة عسكرية بين موسكو وكييف، من غير المعروف إلى أي مدى يمكن أن تتابع تركيا تعاونها مع أوكرانيا، دون أن تخلّ بالتوازن في شراكتها مع روسيا؛ ولهذا تقدّم وساطتها اليوم بين جارتيها على الضفة الأخرى من البحر الأسود[2].

في عام 2008، أدّت تركيا دورًا بنّاءً في التوصّل إلى تسوية مؤقتة بين جورجيا وروسيا بعد حربهما القصيرة. ومن مصلحتها اليوم أن تتخذ نهجًا مماثلًا في التخفيف من حدة الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، قبل أن تتصاعد فتؤثر على نحو مباشر في المصالح التركية في المنطقة. ونظرًا إلى ممارسات تركيا السابقة والمستوى الحالي لعلاقاتها بالبلدين، ففي إمكانها أن تبدأ حوارًا ثلاثيًا يقلّص الأزمة الناشئة، على غرار منصة الاستقرار والتعاون القوقازية التي أطلقتها في أعقاب الصراع بين جورجيا وروسيا. ويمكن أن تتيح العلاقات الاستراتيجية بين تركيا وأوكرانيا، أيضًا، فرصة للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية[3]، إلى جانب الحفاظ على قنوات الحوار المفتوحة بين روسيا وأعضاء حلف الناتو لتقليل مستوى التوتر المتزايد في المنطقة المجاورة لتركيا. ولن تؤثّر المساعي التركية لتهدئة الأزمة في صيغة نورماندي التي تجمع بين فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا، ولن تؤثر، أيضًا، في بعثة المراقبة الخاصة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أوكرانيا، وسوف تعزز تلك الجهود المتعددة الأطراف على المستوى الإقليمي[4].

تعاون بين تركيا وأوكرانيا

تُعدّ تركيا داعمًا صريحًا لرغبة كييف في الانضمام إلى المؤسسات الغربية في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي[5]، وفي غضون ذلك كان التعاون الثنائي بين أنقرة وكييف أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا في تزايد، وصلت بموجبه علاقات البلدين إلى مراحل متقدمة، وإلى مستوى تعاون وتنسيق مميز. وتتصدر تركيا اليوم قائمة الدول التي تستورد منها أوكرانيا الطائرات المسيرة لقواتها المسلحة، إضافة إلى آفاق أخرى للتصنيع المشترك والتعاون[6].

بدءًا من عام 2021، أصبحت تركيا أكبر مستثمر أجنبي في أوكرانيا، حيث يبلغ إجمالي الاستثمارات التركية حوالي 4.5 مليارات دولار، إضافة إلى أن أكثر من 700 شركة تركية تعمل في أوكرانيا، وتمتلك تركسل ثالث أكبر مشغّل للهاتف المحمول في أوكرانيا. وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا وأوكرانيا 5 مليارات دولار، في المدة كانون الثاني/ يناير – أيلول/ سبتمبر 2021، وتعمل الدولتان على مضاعفته[7].

وأجّج الدور الذي أدّته تركيا في قلب التوازن لمصلحة أذربيجان ضد أرمينيا خلال حرب كاراباخ الثانية أواخر عام 2020[8]، النقاش داخل أوكرانيا حول إمكانية تكرار التجربة الأذربيجانية في استعادة السيطرة على إقليم دونباس شرق البلاد[9].

ترغب أوكرانيا اليوم في الاستحواذ على مزيد من الطائرات التركية دون طيار، بعد شرائها مجموعة من أحدث المسيرات التركية، مع توجه حثيث لإنتاج مشترك لتصاميم جديدة في أوكرانيا[10]، وتحتاج أنقرة الهندسة التقنية الأوكرانية التي يُنتظر أيضًا أن يكون لها دورٌ أساسي في تطوير صواريخ تركية من الجيل الثاني[11].  

وتعتبر أوكرانيا تركيا شريكها الأهم في الصناعات الدفاعية، وتعتمد عليها في تحديث قواتها المسلحة، وانتقالها من الأنظمة السوفياتية إلى معايير تمكّنها من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وتولي كييف التعاون مع أنقرة في الصناعات الدفاعية أهمية كبرى[12]، حتى إذا لم يظهر حتى الآن أي ملامح خطة عمل للحصول على العضوية في حلف الأطلسي[13]، حيث أظهرت حرب كاراباخ الثانية دور المساندة التركية في التدريب والمعدات العسكرية للقوات الأذربيجانية التي تفوقت على الجيش الأرميني بتدريبه وإمداداته الروسية[14].

ومع الأخذ في الاعتبار أنّ روسيا طرف أساسي مباشر في أزمة أوكرانيا، نجد أيضًا أنّ غالبية سكان جمهوريتَي دونيتسك ولوهانسك (غير معترف بهم) في دونباس من حاملي الجنسية الروسية، إضافة إلى الحدود المشتركة بين روسيا والجمهوريتين الواقعتين شرق أوكرانيا، والتي يبلغ طولها 400 كيلومتر، ولا تتطابق هذه العوامل مع أزمة ناغورني كاراباخ في جنوب القوقاز عند المقارنة بين الأزمتين[15].

لقد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحفي بعد محادثات مع نظيره الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، في 10 نيسان/ أبريل 2021، إنه أبلغ نظيره الأوكراني الزائر زيلينسكي أن أنقرة لن تعترف بـ "ضمّ شبه جزيرة القرم"، وأضاف نحن ندافع عن وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، لقد كررنا قرارنا المبدئي بعدم الاعتراف بضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014[16]. وقال، أيضًا، إن أحد العناصر المهمة للتعاون مع أوكرانيا هو التعاون في الصناعات الدفاعية. وأكّد أنّ هذا التعاون ليس مبادرة تستهدف دولة ثالثة، وأعرب عن ضرورة خفض التصعيد والتوتر في أسرع وقت ممكن وإعادة إحلال السلام مرة أخرى في إطار اتفاقيات مينسك، مبديًا الاستعداد لدعم هذه العملية[17]. وتزامن الاجتماع التركي الأوكراني رفيع المستوى مع تصاعد التوترات في شرق أوكرانيا، وتعزيز حشود عسكرية روسية على حدودها المشتركة مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم[18].

ولم توقف تركيا خطابها الإعلامي والسياسي والدبلوماسي الداعم لأوكرانيا، مع زيادة وتيرة التعاون في قطاعات عديدة بما فيها العسكري. وحذّرت روسيا العديد من الدول، بما في ذلك تركيا، من إمداد كييف بالأسلحة، مع تصاعد التوترات في شرق أوكرانيا. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نحذر جميع الدول المسؤولة التي نتواصل معها - وتركيا واحدة منها - من تشجيع  التطلعات العسكرية لأوكرانيا. ويأتي التحذير على خلفية تسليم تركيا كييف طائرات مقاتلة دون طيار، وقّعت أوكرانيا عقد شرائها في عام 2019[19].

ودافعت أنقرة عن بيع طائرات مسيرة لأوكرانيا، وقالت إنّ روسيا تسلّح أيضًا أطرافًا ومجموعاتٍ معاديةً لتركيا. وقال مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجية التركي خلال جلسة برلمانية في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، بعد أن تشتري أوكرانيا طائرات دون طيار يمكنها استخدامها كيفما تشاء، وباستطاعتها شراؤها أيضًا من بلد آخر. وأضاف: صادفنا أسلحة روسية في أماكن مختلفة في أيدي جماعات معادية لتركيا بعد القضاء عليها[20].

وخلال زيارة أردوغان كييف في الثالث من شباط/ فبراير 2022، وقّعت تركيا وأوكرانيا ثماني اتفاقيات، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة (FTA)، التي وصفها زعيمَا البلدين بالـ "تاريخية" وقالا إنها ستعزز التجارة الثنائية السنوية لتصبح حوالي 10 مليارات دولار. وأعلن زيلينسكي أيضًا عن صفقة جديدة مع تركيا تهدف إلى توسيع إنتاج الطائرات دون طيار في أوكرانيا[21].

وتدعم تركيا جهود أوكرانيا في مساعيها للانضمام إلى الناتو، مع التأكيد على وحدة أراضيها وسيادتها في صراعها مع روسيا. وأرسلت وفدًا إلى قمة منصة القرم في أوكرانيا في إشارة إلى تضامنها[22]. وأصبحت من أكبر المستثمرين الأجانب في أوكرانيا. ومع ذلك، يكشف تعاون تركيا مع أوكرانيا عن معادلة صعبة في عدم خروج العلاقة مع كييف عن السيطرة، وتشكيلها تهديدًا لروسيا، تكلفته باهظة على أنقرة. وفي ظل تعقيد علاقتها اليوم مع طرفي الأزمة، اختارت تركيا "حتى الآن" البقاء في المنتصف، والتعاون في الوقت نفسه مع روسيا في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتحت درع الردع لحلف الناتو يجري بناء علاقات أمنية مع أذربيجان أو جورجيا أو أوكرانيا[23].

هل ثمة فرصة لتركيا في أزمة أوكرانيا؟

يعمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تحقيق أهداف كثيرة، من خلال تقارب بلاده مع تركيا، من بينها إحداث صدع في التحالف الغربي. وفي السياق نفسه توائم بعض سياسات أردوغان العديد من الدول الغربية، لا سيما في إطار منع توسع نفوذ روسيا، سواء في القوقاز وآسيا الوسطى، أو في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهناك أيضًا حاجة متبادلة بين أنقرة وبروكسل، فوقف المزيد من التوسع الروسي يبقى ضرورة مشتركة لكليهما[24].

تبدو أزمة أوكرانيا فرصة أمام أنقرة لتذكير حلفائها في الناتو بأنّ تركيا شريك مهم في جنوب شرق أوروبا لاحتواء روسيا؛ فموقعها محوري، حيث يمر خط الاتصال البحري الرئيس للبحرية الروسية عبر المضيق التركي، واتفاقية مونترو لعام 1936 التي تحكم المرور الحر عبر مضيق البوسفور تُلزم أنقرة بأن تراقب جميع السفن التي تنتمي إلى دول غير ساحلية على البحر الأسود، وتحدّ من حجمها وحمولتها ومدة إقامتها. وهذا موقف غير مريح لتركيا؛ حيث إنها ملزمة قانونًا بتقييد وصول قوات الناتو البحرية إلى البحر الأسود. ومع ذلك، فإن الاتفاقية تلائم موسكو وتفسر إصرار بوتين على التمسك بها، وفي حال أغلقت تركيا مضيق البوسفور أمام البحرية الروسية بدعمٍ من الناتو، بغض النظر عن اتفاقية مونترو، فستمنع روسيا من إرسال أساطيلها إلى شرق البحر المتوسط. ومع ذلك، فهذه مهمة محفوفة بالمخاطر، وسيكون الرد الروسي قويًا، وتركيا اليوم ليست مستعدة للمخاطرة بترتيباتها مع روسيا في المنطقة لإرضاء حلفائها في الناتو؛ لهذا السبب، يحرص أردوغان على الانتهاء من بناء قناة إسطنبول، التي تمتد بموازاة مضيق البوسفور بين البحر الأسود وبحر مرمرة. وتُعدّ هذه القناة من "المشاريع الضخمة" لأردوغان، وينبغي لها أن تعزز مكانة الزعيم التركي وتسمح لبلده بإحداث قفزة في تنميتها الاقتصادية. لكن الغموض الذي يكتنف تطبيق اللوائح القانونية الدولية على هذا الطريق البحري الجديد، ومن ثم، عدم انتهاك حرمة اتفاقية مونترو، يثيران قلقًا روسيًا.[25]

تجدر الإشارة إلى أنّ السلوك التركي في حالات الأزمات بالنسبة إلى التحالف الغربي، عمليًا، أصبح غير متوقع؛ فأثناء الحرب بين روسيا وجورجيا في عام 2008، لم تسمح أنقرة للسفن العسكرية الأميركية بتجاوز فترة بقائها في البحر الأسود، وفي عام 2014 رفضت تركيا تطبيق العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا على خلفية أزمة أوكرانيا، وضمّها شبه جزيرة القرم[26].

تعقيدات العلاقة بين روسيا وتركيا

فتح انهيار الاتحاد السوفياتي الباب أمام تطور العلاقات الروسية التركية. وتصدّر الاقتصاد والتجارة باقي القطاعات، وتدفقت الاستثمارات بينهما، وتعززت المشاريع المشتركة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري نحو ثلاثين مليار دولار عام 2021[27]، وتقوم مجموعة روس أتوم النووية الروسية ببناء محطة الطاقة النووية أكويو لتوليد الطاقة الكهروذرية، في إطار محاولات تركيا تنويع مصادر طاقتها، فهي تعتمد على الواردات لتغطية معظم احتياجاتها من الطاقة وتريد تقليل اعتمادها على الغاز. وسيوفر إنجاز محطة أكويو للطاقة النووية مساهمات جادة لأمن الطاقة في تركيا ويعزز اقتصادها[28]. ودشن رئيسَا تركيا وروسيا رسميًا، في 8 كانون الثاني/ يناير 2020، خط أنابيب ترك ستريم (السيل التركي)، الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى تركيا وجنوب أوروبا عبر تركيا في إطار جهود موسكو لخفض الشحنات عبر أوكرانيا، ويعزز مشروع خط الأنابيب، الذي يمتد 930 كيلومترًا عبر البحر الأسود، علاقات الطاقة القوية بين موسكو وأنقرة[29]. وغالبًا ما يُنظر إلى الروابط الاقتصادية، لا سيما في قطاع الطاقة، على أنها عامل حاسم في تماسك علاقات تركيا وروسيا. وأثبت خط أنابيب الغاز الجديد جاذبيته لتركيا على الصعيدين المالي والجيوسياسي، حيث استفادت من الخصومات على إمدادات الغاز وكذلك من رسوم العبور، وفي الوقت نفسه، يُنظر إلى انخراط أنقرة في المشروع، لا سيما منذ حلّ الأزمة مع روسيا في عام 2016، على أنه دليل على قدرتها على فرض نفسها ضد الغرب.

وقد استفاد بوتين من التوترات بين أنقرة وحلفائها الغربيين؛ حيث شهدت تركيا خيبات أمل في مواقف واشنطن وبروكسل عندما واجهت أخطارًا خارجية وداخلية، أثناء إسقاط القوات الجوية التركية طائرة روسية في عام 2015، وفي عام 2016 خلال الانقلاب الفاشل، وكان بوتين أول زعيم يتصل بأردوغان بعد محاولة الانقلاب. وقد شكره أردوغان على ذلك، ولبوتين مصلحة في إرضاء أحد أعضاء الناتو الذي يتباين الكثير من مواقفه مع مواقف الاتحاد الأوروبي. وأتاحت هذه التطورات إمكانية توسيع آفاق التعاون بين أنقرة وموسكو؛ فإضافة إلى المصالح المشتركة في أكثر من قطاع، برز تماهٍ في الاستياء من مواقف بعض العواصم الغربية، والعلاقة الشخصية بين الزعيمين أردوغان وبوتين[30].

وعزز البلَدان التعاون الدفاعي بعد أن اشترت تركيا منظومة الصواريخ الروسية إس 400، وخاطرت بالخروج من برنامج تصنيع الطائرات إف 35 الأميركية القتالية، وبالنسبة إلى القيادة التركية، كان هذا الشراء عملًا من أعمال السيادة، وعبّرت تركيا من خلال هذه الخطوة عن شعور بالخذلان تجاه واشنطن، حيث إنها لم تُمنح خيار شراء صواريخ باتريوت أميركية الصنع ولم تسلّمها الولايات المتحدة طائرات إف 35 على الرغم من تلقّيها دفعة قدرها 1.4 مليار دولار. وفي الوقت الذي أثارت صفقة إس 400 التساؤل عن العلاقة الاستراتيجية الممتدة عقودًا بين تركيا والولايات المتحدة، فهي تعزز العلاقة بين الرئيسين أردوغان وبوتين، وتبدي روسيا ارتياحًا إلى أنها لم تبع نظام إس 400 إلى عضو في حلف شمال الأطلسي فحسب، بل ساعدت أيضًا في دق إسفين أعمق بين تركيا والولايات المتحدة[31]. وأقنع التعاون القائم على تبادل المنفعة روسيا وتركيا بالتغلب على خلافاتهما. ومنذ عام 2016، كثفت روسيا وتركيا تعاونهما لا سيما في سورية، على الرغم من اختلاف المواقف، وتعززت علاقاتهما الثنائية، وتدعمت، من خلال العمل معًا على مشاريع استراتيجية مشتركة[32].

خاتمة

في ظل وصول روسيا وأوكرانيا إلى حافة الحرب، تقف أنقرة أمام حسابات معقدة، فأول برنامج نووي تركي يقوم على المساعدة الروسية، وتسعى تركيا إلى أن تكون منصة لتصدير الغاز إلى أوروبا تعتمد على الغاز الروسي، إضافة إلى حاجتها إلى السياح الروس، وفي المقابل لها مصالح مع أوكرانيا أيضًا، باعتبارها سوقًا مهمة لصناعتها الدفاعية، حيث دفع حظر الولايات المتحدة المبيعات العسكرية لتركيا، إلى البحث في أوكرانيا عن بدائل لا سيما في قطاع تقنيات المحركات. ويحتاج كل منهما إلى الآخر، إضافة إلى اهتمام كبير مشترك بشبه جزيرة القرم حيث تقطن أقلية تتار القرم الناطقة بالتركية، مع أهمية أوكرانيا في موازنة العلاقة مع روسيا في البحر الأسود، ومتانة العلاقات بين كييف وأنقرة تتجاوز الاقتصاد والتجارة. وترى أوكرانيا أن تركيا باعتها المسيّرات، في إطار التضامن والدعم، وليس مجرد صفقة تجارية. وفي حال نشبت الحرب، وتوقفت أنقرة عن تزويدها بالطائرات دون طيار، سيكون ذلك بمنزلة خذلان لكييف وتهديد للشراكة المتنامية بينهما، وربما مزيد من تأزيم علاقات تركيا بحلفاء الناتو. وفي الوقت نفسه، لن يقبل بوتين استخدام كييف سلاحًا تركيًا في استهداف جنود روس، ففي ساحات حروب مختلفة خلال أوقات سابقة سواء في سورية أو في ليبيا أو في جنوب القوقاز، جرى استخدام المسيّرات التركية، ولكن ليس ضد قوات روسية، وإنما ضد حلفاء موسكو في تلك المعارك. وهذا عامل آخر أيضًا لا ينطبق على أزمة ناغورني كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا عند مقارنتها بأزمة دونباس في شرق أوكرانيا. وستفقد تركيا أوراقًا إقليمية عديدة اكتسبتها تحت المظلة الروسية، وعلى وجه الخصوص في سورية، إضافة إلى تداعيات اقتصادية لا تتحملها أنقرة اليوم.

بناء عليه، وبالنظر إلى أهمية روسيا وأوكرانيا بالنسبة إلى تركيا، لا تريد أنقرة أن تكون في موقف عليها أن تختار فيه بين موسكو وكييف. ويظهر ذلك أهمية مساعي أنقرة في دعوتها للوساطة لمنع الحرب بين روسيا وأوكرانيا. لقد حاول أردوغان موازنة دعمه لأوكرانيا بعلاقته القوية ببوتين، وحرص على تعزيز صورته وسيطًا بين موسكو وكييف، وقال: إنه لا يوجد زعيم أوروبي قادر على حل الأزمة، وإن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يقدم بعد مساهمة إيجابية. وأضاف، في رحلة العودة من زيارته الأخيرة لأوكرانيا، منتقدًا الغرب، "يجب أن أقول هذا بوضوح شديد: إذا انتبهتم، فإن الغرب للأسف لم يساهم بأي شيء في حل هذه المسألة، أستطيع أن أقول إنهم كانوا حرفيًا مجرد عائق"[33].

في خضم الصراع، لن يقدّر الناتو ولا روسيا غموض الموقف التركي. وسيبحث كلاهما عن طرق تدفع تركيا لتتخذ موقفًا واضحًا من الصراع. لقد حاولت تركيا من قبل اتّباع نهجٍ مماثل في الحربين العالميتين الأولى والثانية. ونجحت في الحالة الأخيرة لكنها فشلت فشلًا ذريعًا في الأولى. وقد أثبت أردوغان في الماضي أنه يجيد إنشاء توازنات في علاقاته الدولية. لكن، الحرب في أوكرانيا، إذا اندلعت، ستكون أكبر تحدٍّ له حتى الآن[34].


[1] “Turkey's Erdogan Says Russian Invasion of Ukraine not Realistic -NTV,” Reuters, 18/1/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://reut.rs/3G2OBHP

[2] “Turkey Gears up Mediation Efforts between Ukraine, Russia,” Hurriyet Daily News, 21/1/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3IC4pmz

[3] “Strategic Partnership between Ukraine and Turkey is Backed by Real Actions and Victories - Volodymyr Zelenskyy,” President of Ukraine, Official Website, 10/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3H7JxDs

[4] “What Role for Turkey in the Crisis between Russia and Ukraine?,” The German Marshall Fund of the United States, 19/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3H36nvK

[5] “Relations with Ukraine,” Northern Atlantic Treaty Organization, 11/1/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3AGompt

[6] “Ukraine, Turkey Implementing over 30 Defense Projects – Ambassador,” Ukrinform, 9/1/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3IDP1pF

[7] “Strong Turkey-Ukraine Ties Are Key to Black Sea Security,” Middle East Institute, 13/1/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3r0ZzJp

[8] “The Nagorno-Karabakh Conflict is Ushering in a New Age of Warfare,” Aljazeera, 11/10/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3r2jcRp

[9] “Ukraine Turns to Turkey as Russia Threatens Full-scale War,” Aljazeera, 11/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3KJAPNQ

[10] “Turkey, Ukraine Seek to Jointly Produce ‘Sensitive’ Defense Technology,” Defense News, 16/9/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3KL8Pcr

[11] “Ukraine to Supply Engine for Turkey’s Next-gen Cruise Missile: Local Media,” Daily Sabah, 5/10/2020, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3o0jlTM

[12] “Turkey Helping Ukraine Achieve NATO Standards,” Anadolu Agency, 20/1/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3G7CQ2K

[13] “NATO Won’t Let Ukraine Join Soon. Here’s Why,” The New York Times, 13/1/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://nyti.ms/3o2SZAu

[14] “Turkey’s Overlooked Role in the Second Nagorno-Karabakh War,” The German Marshall Fund of the United States, 21/1/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3IFp9tz

[15] “Russia’s “Passportisation” of the Donbas,” SWP, German Institute for International and Security Affairs, 3/8/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3r0gNXx

[16] “Erdogan Tells Zelensky Turkey will not Recognize ‘Crimea’s Annexation’,” TASS, Russian News Agency, 10/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/33WfFeF

[17] “Turkey-Ukraine Defense Cooperation Not Directed Against Third Countries – Erdogan,” Urdu Point, 10/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/34dLrnr

[18] “Kremlin Warns of Risk of Broader War in Ukraine Conflict,” Bloomberg, 9/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bloom.bg/3H41McX

[19] “Russia Urges Turkey, Others to Stop Supplying Arms to Ukraine,” Daily Sabah, 12/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3AB0TGn

[20] “Turkey Defends Sale of Armed Drones to Ukraine, Says Russia Arms Anti-Turkish Groups as Well,” Nordic Monitor, 29/11/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3fWNzCw

[21] “Ukraine Hails Turkey’s Offer to Mediate in Kyiv-Moscow Standoff,” Daily Sabah, 3/2/2022, accessed on 4/2/2022, at: https://bit.ly/35Xy2AR

[22] “Turkey Calls for Diplomacy to Resolve Crimea Issue,” Anadolu Agency, 23/8/2021, accessed on 26/1/2021, at: https://bit.ly/3rc1fQJ

[23] “Will Turkey Gamble with Ukraine against Russia?,” The Armenian Weekly, 15/12/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3G2SjRJ

[24] “It's Time for a More Geopolitical EU-Turkey Cooperation,” EU Observer, 14/1/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3IBLIPS

[25] “Putin Underscores Importance of Montreux Convention Preservation to Erdogan,” TASS, Russian News Agency, 9/4/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3fX6xZV

[26] Юрий Мавашев, “Своя игра, Тюрколог Юрий Мавашев — о том, почему Анкара захотела играть роль в украинском урегулировании,” Известия iZ, 19/1/2022, accessed on 27/1/2022, at: https://bit.ly/3IGgM0Y

[27] “Turkey Seeks Balanced Trade Growth with Russia,” Hurriyet Daily News, 1/8/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3GYMyFX

[28] “Russia, Turkey Launch Third Reactor at World’s Biggest Nuclear Power Site,” Global Construction Review, 12/3/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3r2a92X

[29] “Turkey, Russia launch Turkish Stream Pipeline Carrying Gas to Europe,” EURACTIV, 9/1/2020, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3rWGlEl

[30] “Turkish President Meets Vladimir Putin in 1st Trip Since Failed Coup Attempt,” ABC News, 9/8/2016, accessed on 26/1/2022, at: https://abcn.ws/3AxmK16

[31] “Erdogan: Turkey Could Buy More Russian S-400s Despite US Warnings,” Aljazeera, 26/9/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3AwnP9C

[32] “Turkey and Russia, The Logic of Conflictual Cooperation,” SWP, German Institute for International and Security Affairs, 8/10/2021, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3r3mjZo

[33] “Erdogan Says West Not Helping Solve Ukraine Crisis as Russian Warships Dock in Syria,” Middle East Eye, 4/2/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/34lKUQD

[34] Asli Aydıntaşbaş, “War in Ukraine: Erdogan’s Greatest Challenge Yet,” European Council on Foreign Relations, 14/1/2022, accessed on 26/1/2022, at: https://bit.ly/3r3s49C