العنوان هنا
تقدير موقف 07 مايو ، 2012

الانتخابات المبكِّرة للكنيست: الأسباب وموازين القوى

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة

أشارت معظم الدلائل في الشّهور الأخيرة إلى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيليّة وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو؛ كان معنيًّا أكثر بكثير من قادة الأحزاب الإسرائيلية الأخرى -سواءً كانوا في المعارضة أو في الائتلاف الحكومي- بتقديم موعد الانتخابات العامّة للكنيست، وإجرائها في أسرع وقتٍ ممكنٍ. وقد أشارت تقارير صحافيّة عديدةٌ إلى أنّ نتنياهو قد بدأ التّفكير جديًّا في إجراء انتخاباتٍ مبكِّرةٍ للكنيست، بعد الانتهاء من "صفقة شليط" لتبادل الأسرى، في نهاية تشرين الأول / أكتوبر 2011. ولذلك، فقد بادر بإجراء انتخاباتٍ تمهيديّةٍ لرئاسة حزب اللّيكود بعد تلك الصفقة بفترة وجيزة، وفاز فيها بأغلبيّة كبيرةٍ. وكان يعتقد أنّ ذلك سيقود إلى إجراء انتخاباتٍ تمهيديّةٍ في حزب كاديما. وهو الأمر الذي من شأنه أن يُدخل إسرائيل في جوٍّ انتخابيٍّ[1].

وبمناسبة إكمال حكومة نتنياهو سنتها الثّالثة قبل أسابيع عدّة؛ ازدادت في إسرائيل التّكهّنات المتعلّقة بالتّوقيت الذي سيبادر فيه نتنياهو بالدّعوة إلى إجراء انتخاباتٍ مبكِّرةٍ للكنيست، والتاريخ الذي يحبّذه لتنظيمها، والحجج التي سيبرّر بها تقديمه لموعد الانتخابات. يجري هذا كلّه؛ على الرّغم من أنّ حكومة نتنياهو لا تزال قويّة ومتماسكة، وتتمتّع بأغلبيّةٍ مريحةٍ في الكنيست، وبإمكانها معالجة الخلافات التي قد تطرأ بشأن هذه القضيّة أو تلك بين أحزاب الائتلاف الحكومي، وإيجاد الحلول لها.

ويبدو أنّ أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، ووزير خارجيّة إسرائيل، قد أدرك اقتراب نتنياهو من مبادرة تقديم الانتخابات؛ فأدلى بتصريحٍ ذكر فيه أنّه لم يعد متمسِّكًا بسلامة الائتلاف الحكومي، وأنّ التزامه الأساسيّ سيكون مع ناخبي حزبه[2]. وهو ما أشعل شرارة الدّعوة إلى إجراء انتخاباتٍ مبكِّرة، وأعطاها قوّة دفعٍ؛ جعلت السّاحة الإسرائيلية السياسية مترقِّبةً لإجراء تلك الانتخابات. ولم يتأخّر نتنياهو في الردّ على ليبرمان، إذ أدلى هو الآخر -ومقرّبون عديدون منه- بتصريحاتٍ تؤكّد أنّه لن يخضع لأيّ "ابتزازٍ"، وأنّه لن يفعل شيئا في سبيل الحفاظ على الائتلاف الحكومي، ولن يدفع لذلك ثمنًا. وأنّه إذا ما رغب بعض شركائه في الحكومة في تقديم موعد الانتخابات؛ فإنّه سيرحّب بذلك، وسيُجري الانتخابات في أقرب وقتٍ ممكنٍ[3]. وسرعان ما أدخلت تصريحات نتنياهو ومقرّبيه إسرائيلَ في حالة انتخاباتٍ مبكِّرة، وبات الحديث عن تحديد موعد إجراء الانتخابات المبكِّرة دائرًا بين قادة الأحزاب، وتتناقله وسائل الإعلام.

وقد طالب شاؤول موفاز -زعيم المعارضة في الكنيست الذي كان قد انتُخب قبل ذلك بأسابيع فقط رئيسًا لحزب كاديما خلفًا لتسيبي ليفني- بإجراء الانتخابات في منتصف تشرين الأوّل / أكتوبر المقبل. بيد أنّ رئيس الحكومة نتنياهو عدّ الموعد الذي اقترحه موفاز بعيدًا جدًّا، وأصرّ على إجراء الانتخابات المبكّرة للكنيست في الصيف المقبل، وفي تاريخ أقصاه الأسبوع الأوّل من أيلول / سبتمبر القادم. ولكي يضمن نتنياهو موافقة الأغلبيّة في الكنيست على الموعد الذي حدّده، ويقطع -أيضا- الطريق على موفاز للتّوصل إلى اتفاقٍ بشأن موعد الانتخابات مع حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه" الدّينيّين (اللّذين كانا يفضّلان إجراء انتخابات للكنيست في منتصف تشرين الأوّل / أكتوبر، أي بعد حلول الأعياد الدينية اليهودية)؛ فقد سارع مساعدوه بعقد صفقةٍ مع هذين الحزبين بشأن تقديم موعد الانتخابات، على النّحو الذي طالب به نتنياهو. وقد التزم حزبا "شاس" و"يهدوت هتوراه" -بموجب هذه الصّفقة- بالتّصويت في الكنيست لصالح إجراء الانتخابات المبكِّرة للكنيست في الرّابع من أيلول / سبتمبر 2012. وفي مقابل ذلك، تعهّد نتنياهو وحزب اللّيكود بطرح التّصويت على حلّ الكنيست بسرعةٍ في الأسبوع القادم؛ وذلك قبل أن يتمكّن حزب "إسرائيل بيتنا" من طرح اقتراح "قانون الخدمة الإلزامية العسكرية للجميع" على جدول أعمال الكنيست. وهو القانون الذي يعارضه بشدّة كلٌّ من حزبي "شاس" و"يهدوت هتوراه"؛ لأنّه يفرض الخدمة العسكرية على طلبة المدارس الدينية[4].


أسباب تقديم الانتخابات

تضافرت مجموعة من العوامل التي قادت رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو إلى المبادرة بتقديم الانتخابات العامّة للكنيست، وحلّ حكومته التي كانت تتمتّع بأغلبيّةٍ مريحة في الكنيست. ويرتبط بعض هذه العوامل بأسباب خارجيّة؛ تتعلّق أساسًا بموعد الانتخابات الأميركيّة، وبالاحتمال المرجّح لإعادة انتخاب أوباما، وبموقف الرّئيس الأميركي أوباما السّلبي من نتنياهو، وبعلاقتهما الثّنائيّة المتوتّرة، فضلًا عن أسباب تتعلّق بالموضوع الإيراني. وأمّا البعض الآخر من هذه الأسباب؛ فيعود إلى عوامل داخليّة إسرائيليّة.


الأسباب الخارجية

1. علاقات أوباما ونتنياهو

يعتقد العديد من كبار المحلّلين والصحافيّين الإسرائيليّين، أن السبب الأساس الذي دفع نتنياهو إلى تقديم الانتخابات؛ يكمن في إصراره على الذّهاب إلى صناديق الاقتراع قبل موعد الانتخابات الأميركيّة في تشرين الثّاني / نوفمبر 2012[5]. وكان السّؤال المحيّر بالنّسبة إلى نتنياهو، والمؤثّر في تقريره تقديم الانتخابات؛ متعلِّقًا بمدى احتمال فوز أوباما في الانتخابات الأميركية القادمة. فعندما أشارت معظم استطلاعات الرأي العامّ الأميركي في الشّهور الأخيرة، إلى أنّه من المرجّح جدًّا فوز أوباما في الانتخابات القادمة؛ حسم نتنياهو أمره لصالح تقديم انتخابات الكنيست. فنتنياهو الذي يدرك جيِّدا مدى الجفاء بينه وبين أوباما؛ يعلم أيضًا أنّ أوباما في فترة رئاسته الثّانية، سيكون مختلفًا جدًّا عمّا كان عليه في فترة رئاسته الأولى. ذلك أنّه سيمارس ضغوطا ضدّه، وسيعمل بكلّ قواه على إفشاله في انتخابات الكنيست، إذا ما جرت في عام 2013؛ أي إثر إعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتّحدة. وكان نتنياهو يعلم أنّ جورج بوش الأب، قد ساهم في إفشال يتسحاق شمير وفوز يتسحاق رابين في انتخابات الكنيست في عام 1992. ولم تغب أيضًا عن ذاكرته مساهمة بيل كلينتون في إفشاله في انتخابات عام 1999، وفوز إيهود براك بدله؛ وذلك بسبب الخلافات التي كانت بينه وكلينتون[6].

2. الموضوع الإيراني

أشار عددٌ من أبرز الصحافيّين الإسرائيليّين -كان من بينهم آري شفيط[7]، وبن كسبيت[8]، ورون بن يشاي[9]، وناحوم بارنياع[10]- إلى أنّ تقديم نتنياهو للانتخابات، لا يشير إطلاقا إلى إرجائه شنّ هجوم عسكري على المنشآت النّووية الإيرانية، أو تخلّيه عن فعل ذلك. وأكّد هؤلاء الصحافيّون أنّه إذا كانت لنتنياهو ووزير دفاعه إيهود براك نيّةٌ حقيقيّةٌ مبيّتةٌ للقيام بمثل هذا الهجوم؛ فإنّ تقديم انتخابات الكنيست إلى الرّابع من أيلول / سبتمبر 2012، سيمنح فرصة جيّدة للحكومة الإسرائيلية للقيام بهذا الهجوم في الفترة القائمة بين ظهور نتائج انتخابات الكنيست وإجراء الانتخابات الرئاسية الأميركيّة. فعلى إثر ظهور نتائج انتخابات الكنيست، التي يُتوقّع فيها فوز المعسكر الذي يقوده نتنياهو - الذي يشمل اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل- ستتعزّز قوّة نتنياهو المستمَدّة من التّأييد الشّعبي، كما سيتبين من نتائج الانتخابات مدى الموافقة على سياسته المعلنة تجاه إيران. وعندئذ، سيكون بمقدور نتنياهو تأليف حكومةٍ تتمتّع بأغلبيّةٍ برلمانيّةٍ مريحةٍ، وستكون داعمةً لموقفه الدّاعي إلى توجيه ضربة لمنشآت إيران النّوويّة. وفي تلك الفترة بالذّات -الممتدّة من أوّل أسبوع في أيلول / سبتمبر إلى موعد إجراء الانتخابات الأميركيّة في بداية تشرين الثّاني / نوفمبر 2012- سيكون الرّئيس الأميركي أوباما منهمكًا في الانتخابات الأميركيّة، وبحاجة إلى صوت كلّ ناخبٍ. وسيصعب عليه بذلك اتّخاذ خطواتٍ عقابيّةٍ ضدّ إسرائيل، إذا ما أقدمت على مهاجمة إيران. وعلاوةً على ذلك، فإنّ الرّئيس الأميركي سيكون في تلك الفترة أكثر قابليّةً لتقديم المساعدة لإسرائيل، وللانسياق في تدخّل عسكريٍّ لصالح إسرائيل، ولاسيّما في حال أقدمت إيران -لوحدها أو بمعيّة حلفائها في المنطقة- بالرد عبر توجيه ضرباتٍ موجعةٍ إلى إسرائيل وإلى القواعد الأميركية في الشرق الأوسط[11]. هذا تحليل قائم في الصّحافة الإسرائيلية، ولا بدّ من أخذه بعين الاعتبار في هذا السياق؛ دون أن يعني ذلك صحّته بالضّرورة.


الأسباب الدّاخلية

ساهمت مجموعة من العوامل الدّاخلية في إسرائيل، على تشجيع نتنياهو للإسراع في تقديم موعد الانتخابات العامّة للكنيست أو قادته إلى ذلك؛ وأهمّها:

1. ازدياد شعبيّة نتنياهو وتوقع فوز اللّيكود: تُظهر جميع استطلاعات الرّأي العامّ التي أُجريت بكثرةٍ في نصف السّنة الأخير في إسرائيل، ازدياد شعبيّة نتنياهو، وتعاظم قوّة حزب اللّيكود، وحفاظ معسكر اليمين واليمين المتطرف -الذي يقوده نتنياهو- على أغلبيّةٍ واضحةٍ في الكنيست. كما تبيّن نتائج هذه الاستطلاعات أنّ حزب اللّيكود سيكون أكبر حزبٍ في الكنيست، وستزداد قوّته بارتفاع عدد أعضائه في الكنيست من 27 عضوا إلى أكثر من 31 عضوا. ويتقدّم حزب اللّيكود الحزبَ الذي يليه مباشرة بـ 13 مقعدا في الكنيست؛ إذ يحظى حزب العمل -وفق هذه الاستطلاعات- بـ 18 عضوا في الكنيست. في حين تشير هذه الاستطلاعات إلى تراجع قوّة حزب كاديما -بقيادة موفاز- من 28 عضو كنيست، حصل عليهم في الانتخابات الأخيرة، إلى ما بين 10 و12 عضوا. أمّا حزب "إسرائيل بيتنا"، فتراجع بمقعدين أو بثلاثة مقاعد؛ إذ يتحصّل وفق هذه الاستطلاعات على 12 أو13 مقعدا في الكنيست. وتتوقّع هذه الاستطلاعات تراجع حزب شاس بمقعدين أو بثلاثة مقاعد؛ ليحصل على 8 أو 9 مقاعد. وإذا شكّل رئيس حزب شاس السّابق -أريه درعي- حزبًا سياسيًّا كما هو مرجَّحٌ؛ فإنّ حزبه الجديد سيحصل على ثلاثة مقاعد على الأقل، في حين لن يحظى حزب شاس -في هذه الحالة- على أكثر من 6 أو 7 مقاعد. وسيكون نصيب حزب يهدوت هتوراه -بحسب هذه الاستطلاعات- ستّة مقاعد، بزيادة مقعدٍ واحد عن الانتخابات السّابقة؛ في حين سيحافظ حزب "الاتّحاد الوطني" الفاشي على مقاعده الأربعة.

أمّا حزب "البيت اليهودي- المفدال الجديد"، الذي ينافس حزب "الاتّحاد الوطني" في تطرفه؛ فسيزيد مقعدًا واحدًا على عدد المقاعد التي تحصّل عليها في الانتخابات السّابقة. وعليه فإنّ الاستطلاعات تتوقّع أن يحصل على أربعة مقاعد. وسيزيد حزب ميرتس من قوّته بمقعدٍ أو بمقعدين؛ ليحصل على 4 أو 5 مقاعد. كما ستحافظ الأحزاب العربيّة على نتائجها السابقة؛ إذ تتوقّع لها هذه الاستطلاعات الحصول على 11 مقعدا في الكنيست. وتتوقّع هذه الاستطلاعات أيضا أن يحصل حزب "يوجد مستقبل" -الذي أسّسه حديثًا يئير لبيد- على 11 مقعدا[12].

2. الخدمة العسكريّة الإلزاميّة و"قانون طال": كان موضوع الخدمة العسكريّة الإلزاميّة و"قانون طال" السّببَ "الرّسميَّ" والمباشر لإعلان أفيغدور ليبرمان -رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"- أنّه في حلٍّ من التزامه بالائتلاف الحكومي. وذلك ما فتح الطريق أمام تقديم الانتخابات العامّة للكنيست. ونظرًا إلى أهميّة هذا الموضوع، وتصدّره في السّنوات الأخيرة أجندةَ اهتمامات المجتمع الإسرائيلي؛ نرى من المفيد التوسّع قليلًا في تحليله. فلقد انتشرت في الفترة الأخيرة حمّى فرض الخدمة العسكريّة والمدنيّة "على الجميع" في إسرائيل، وتفشّت في جميع الأحزاب الصّهيونية "العلمانيّة"، وباتت تحتلّ قمّة أجنداتها. وما انفكّ هذا الموضوع يُستعمل بكيفيّة مركّزة ومكثّفة، في توجيه أصابع الاتّهام نحو مجموعتين مختلفتين تحتلّان المراتب الدنيا في الهرم الاجتماعي في إسرائيل، وفي التّحريض المنظّم ضدهما. ونعني بهاتين المجموعتين اليهود المتديّنين "الحرديم" من ناحية، والعرب الفلسطينيّين المواطنين في إسرائيل من ناحية أخرى. إذ يرفض قسم من اليهود "الحرديم" (يصل عددهم إلى 7000 يبلغون سن الخدمة في كل سنة) الخدمة في الجيش الإسرائيلي، لأسبابٍ دينيةٍ ترتبط بتكريسهم حياتَهم للتّفرغ لتعلّم التّوراة والتّعبد. ومنذ أن قامت إسرائيل؛ سمحت في اتّفاق رسميّ مع قادة "الحرديم"، بإعفاء جزءٍ من "الحرديم" من الخدمة في الجيش الإسرائيلي. ويرفض العرب الفلسطينيّون المواطنون في إسرائيل الخدمةَ في الجيش الإسرائيلي لأسباب وطنية وقومية؛ وتعفيهم إسرائيل بدورها من هذه الخدمة لأسبابٍ أمنيّةٍ. ووفق معطيات "الهيئة القومية لترويج الخدمة المدنية" في إسرائيل؛ يوجد في فوج سنة 2011 نحو 64 ألف شابٍّ وشابّةٍ في سنّ الـ 18 عامًا لم يتجنّدوا في الجيش الإسرائيلي. وهذا العدد يناهز نصف الدفعة السنوية التي وصلت إلى سن التجنيد في ذلك العام. ويقسَّم الذين لا يخدمون في الجيش على المجموعات الآتية: 29100 شابٍّ وشابّةٍ من العرب، 10000 شابة يهوديّة رفضت التّجنيد بسبب إعلانها أنّها متديّنة جدًّا، 7000 من اليهود المتديّنين "الحرديم"، 5343 بسبب مشاكلهم النّفسيّة، 4750 بسبب سجلّهم الجنائي، 4452 لكونهم أبناء مهاجرين يهود يعيشون خارج إسرائيل، 3561 لعدم ملاءمتهم لمتطلّبات الحدّ الأدنى للتّجنيد[13].

وقبل أكثر من عشر سنواتٍ، ألّفت الحكومة الإسرائيليّة لجنةً برئاسة القاضي تسفي طال، لدراسة مسألة تجنيد "الحرديم"؛ وذلك في ضوء ازدياد عدد غير المجنّدين في صفوفهم. وقد قدّمت لجنة طال "حلًّا وسطا" بخصوص تجنيد "الحرديم"، وشرّع الكنيست لذلك بسنّ قانون حمل اسم "قانون طال"، كانت مدة نفاذه عشر سنوات. لكنْ تبيّن أنّ هذا القانون، قد مكّن أعدادًا كبيرةً من "الحرديم" طيلة السنوات الماضية، من التّنصّل من الخدمة في الجيش. وهو الأمر الذي أدّى إلى توجّه العديد من الأحزاب والجمعيّات بطلب إلغائه إلى محكمة العدل العليا في إسرائيل. وفي 21 شباط / فبراير 2012، قرّرت محكمة العدل العليا أنّ "قانون طال" غير دستوري؛ ولذلك لا يستطيع الكنيست تفعيله مجدّدًا عند انتهاء مفعوله في الأول من آب / أغسطس 2012[14]. ومن المتَوقّع أن تتبوّأ مسألة فرض الخدمة العسكريّة أو المدنيّة على "الحرديم"، وفرض الخدمة المدنيّة على العرب الفلسطينيّين في إسرائيل؛ قمّةَ أجندة حملة غالبيّة الأحزاب الصّهيونية "العلمانيّة"، وأن تحتلّ هذه المسألة قسطًا هامًّا من مجمل الحملة الانتخابيّة؛ سواء كان ذلك لدى المبشّرين بها، أو لدى العرب و"الحرديم" الذين يرفضونها. وسيواجه سنّ قانون جديد بعد ظهور نتائج الانتخابات مشاكلَ جمّةً؛ ولاسيّما في ضوء إصرار قادة هاتين الجهتين وجمهورهما على رفض هذا القانون إذا ما سُنّ، ورفض الانصياع له.

3. موازنة الدولة: لقد فضّل نتنياهو إجراء الانتخابات قبل مجيء موعد إقرار ميزانيّة الدولة في الكنيست  أواخر العام الحالي؛ وذلك لإدراكه أنّه سيواجه مصاعب جمّةً في إقرار ميزانية الدّولة عند حصول الانتخابات، في حالة عدم استجابته لضغط وابتزاز غالبيّة الأحزاب التي تمثّل قطاعات مختلفة في المجتمع الإسرائيلي.

4. قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية: اعتقد نتنياهو أنّه إذا ما قدّم موعد الانتخابات؛ فإنّه سيكون بإمكانه تأجيل تطبيق قرار محكمة العدل العليا في إسرائيل إلى ما بعد الانتخابات، وتشكيل الحكومة الجديدة. وهو القرار الذي أمر الحكومة الإسرائيلية بهدم البؤرة الاستيطانية "مغرون" المقامة في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة، وهدم البؤرة الاستيطانية "بيت أولباناه" في مستوطنة بيت إيل؛ نظرا إلى أنّهما مقامتان على أراض فلسطينيّة خاصّة. فتفكيك هذه المستوطنة قبل الانتخابات؛ سيكلّفه خسارة أصوات لصالح اليمين المتطرّف، كما أنّ عدم تفكيكها قد يفقده أصواتًا لصالح حزب "كاديما" أو غيره من الأحزاب.

5. التخوف من تجدد الاحتجاجات الاجتماعية: كان من المتوقّع أن يشهد الصيف القادم تجدد حركة الاحتجاج الإسرائيلية؛ وهو ما قد يلحق الأذى بشعبيّة نتنياهو وحزب الليكود، ويفرض أجندةً اجتماعيّةً على الحوار في الحيّز العام بإسرائيل. لكن في حالة تقديم الانتخابات؛ ستُفرض الحملة الانتخابيّة وأجندتها الأمنية- السياسيّة وما يرافقها من التّحريض على العرب والفلسطينيّين، على جدول أعمال المجتمع الإسرائيلي، الذي يعير القضايا الاجتماعية في مثل هذه الأجواء أهميّةً ضئيلةً.

6. مباغتة كاديما:أدرك نتنياهو أنّ تقديم الانتخابات؛ سيقطع الطريق أمام حزب "كاديما" بالخصوص من بين الأحزاب المنافسة، في تنظيم نفسه وتعزيز مكانته تحت قيادة شاؤول موفاز، الذي انتُخب حديثًا رئيسًا للحزب.


الخاتمة

بات في حكم المؤكّد أن يحصل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على دعم أغلبية أعضاء الكنيست في التّصويت على حلّ ذلك البرلمان في الأيّام القليلة القادمة، وتحديد الرّابع من أيلول / سبتمبر القادم موعدًا لإجراء الانتخابات العامّة للكنيست. ولقد ساهمت مجموعةٌ متفاعلةٌ من العوامل الهامّة في تقديم نتنياهو لموعد الانتخابات العامّة للكنيست؛ وفي مقدّمتها يقينه أنّ حزبه ومعسكر اليمين واليمين المتطرف الذي يقوده، سيحصل على أغلبيّة مريحةٍ في الكنيست. وهو ما سيمكّنه من تشكيل الحكومة القادمة القادرة على معالجة القضايا الأساسية الخارجية والداخلية التي تواجهها إسرائيل. وقد حرص نتنياهو على التّبكير بالانتخابات العامّة للكنيست، وإجرائها قبل الانتخابات الأميركية التي يَتَوَقَّع فوز أوباما فيها؛ وذلك تجنّبًا منه لضغط أوباما عليه في مدّة رئاسته الثانية، وتحاشيا لما قد يؤثّر سلبا في نتائج انتخابات الكنيست إذا ما جرت بعد الإنتخابات الأميركية. ومن المتَوَقَّع أن يركّز نتنياهو في حملته الانتخابية على القضايا الأمنية؛ بوضعها على قمّة أجندة حملة الانتخابات القادمة، وفي مقدّمتها الملفّ النّووي الإيراني. وفي هذا السياق، سيحرص نتنياهو على التّلويح دومًا بضرورة توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية؛ بغية حشد المجتمع الإسرائيلي خلفه، وتسجيل نقاط في هذا الموضوع بالذّات ضدّ خصومه السّياسيين في إسرائيل. وسعيا إلى إبقاء الملفّ النّووي الإيراني مطروحا على قمة جدول الأعمال الدولي؛ حتّى يضمن فرض المزيد من العقوبات الدولية ضد إيران، ويُفشل محاولة التوصّل إلى اتفاق دولي مع إيران بشأن ملفها النّووي.


 

[1] سيمه قدمون، "عملية سبتمبر"، يديعوت أحرونوت (النسخة الورقية)، 4/5/2012.

[2]  أوفير بار زوهار، "موفاز: انتخابات في أكتوبر؛ ليبرمان: لم نعد ملتزمين بالإتلاف"، هآرتس، 28/4/2012:

http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1695321

[3]  أوفير بار زوهار، براك رفيد، ويئير إطينغر، "المؤسسة السياسية تستعد للانتخابات"، هآرتس، 30/4/2012:

http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1696333

[4] تسفيكا بروط، إيتمار آيخنر، طوفا تسيموكي، "مناورة تجنيد"، يديعوت أحرونوت (النسخة الورقية)، 4/5/2012.

[5] أري شفيط، "استفتاء على إيران"، هآرتس، 3/5/2012:

http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1699108

انظر كذلك: عكيفا إلدار، "في الوقت الذي تعرج فيه البطة"، هآرتس، 1/5/2012:

http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1697235

[6] أري شفيط، "استفتاء على إيران"، مرجع سبق ذكره.

[7] المرجع نفسه.

[8] بن كسبيت، "الاستطلاعات تشير إلى الحفاظ على الوضع القائم بين المعسكرين"، معاريف (النسخة الورقية)، 4/5/2012.

[9] رون بن يشاي، "الانتخابات ومجال حصانة نتنياهو"، موقع واي نت، 3/5/2012

http://www.ynet.co.il/Ext/Comp/ArticleLayout?CdaArticlePrintPreview/1,2506,L-4224475

[10]  ناحوم بارنياع، "القضايا المثيرة التي في الطريق"، يديعوت أحرونوت (النسخة الورقية)، 4/5/2012.

[11] رون بن يشاي، "الانتخابات وحصانة نتنياهو"، مرجع سبق ذكره.

[12] كانت نتائج استطلاعات الرأي العام متقاربة جدا، انظر مثلا الاستطلاع الشّامل الذي نشرته معاريف، ملحق السبت يوم 4/5/2012 (النسخة الورقية).

[13] ناحوم بارنياع، "القضايا المثيرة التي في الطريق"، مرجع سبق ذكره.

[14]  يئير إطينغر، "بعد عشر سنوات من سن قانون طال، محكمة العدل العليا تقرّر إلغاءه"، هآرتس، 21/2/2012:

http://www.haaretz.co.il/misc/article-print-page/1.1646921