مقدمة
دخلت الحرب في السودان، التي اندلعت منذ 15 نيسان/ أبريل 2023 بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، عامها الثاني. ومنذ اليوم الأول، طُرح العديد من مبادرات الوساطة لإنهائها وإيجاد حل سلمي بين طرفيها، وكان آخرها الدعوة التي قدّمتها الولايات المتحدة الأميركية لهما للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، تبدأ في 14 آب/ أغسطس في سويسرا. وعلى الرغم من تعدّد هذه المبادرات، فإن السؤال يبقى قائمًا: لماذا لم تتمكّن أي منها، على مدار عام وبضعة شهور، من إحداث اختراق حقيقي نحو إنهاء هذه الحرب وبناء السلام وإعادة الاستقرار والحياة إلى ملايين السودانيين الذين يتخطّفهم اللجوء خارجيًا، والموت والنزوح وشبح المجاعة داخليًا؟
تسلط هذه الورقة الضوء على مبادرتين، هما: وساطة منبر جدة الذي بدأ في أيار/ مايو 2023، برعاية ثنائية سعودية - أميركية، وتوسع في جولته الثانية ليضم ميسّرين جددًا، ووساطة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (الإيغاد) التي بدأت في حزيران/ يونيو من العام نفسه، بدعم من الاتحاد الأفريقي. تميّزت هاتان المبادرتان بأنهما أُعلنتا رسميًا عبر بيانات من الوسطاء ومن طرفَي الصراع، وشهدتا عمليات تفاوض مباشر وغير مباشر بين الطرفين، واستمرتا في العمل، على الرغم من الانقطاعات طوال هذه الحرب، وبقيتا تحاولان إحراز تدخلات في شكل إعلانات واتفاقات وقف إطلاق نار مؤقتة، وشهدتا جولات عديدة من التفاوض.
كان لمبادرتَي منبر جدة والإيغاد حظوظٌ أكبر في الاستمرار، بعكس المبادرات الأخرى، على الرغم من تعدد الوساطات. فعلى سبيل المثال، لم تستمر قمة دول جوار السودان التي استضافتها مصر بعد بضعة شهور من اندلاع الصراع، ولم ينتج منها أي وثيقة أو إجراء بشأن النزاع، على الرغم من تواصل اجتماعات آليتها الوزارية. أما محادثات المنامة فاتّسمت بالسرية، ولم يُعلن عنها من الوسطاء أو من الطرفين، على الرغم من تسرّب أخبار ووثائق من المحادثات إلى الإعلام. ولم تشهد مبادرة الوساطة التركية - الليبية، وهي آخر الوساطات، عمليات تفاوض، بل دعت الحكومة الليبية قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، كلًا على حدة، من دون محاولة تنظيم لقاء مباشر بينهما.