العنوان هنا
أوراق استراتيجية 08 يناير ، 2024

خلف خطوط العدو

الفاعلية القتالية لعمليات تسلل كتائب القسّام في قطاع غزة

الكلمات المفتاحية

يارا نصار

باحثة ومقررة وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتيرة تحرير دورية "المنتقى Al-Muntaqa". حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا، والبكالوريوس في الشؤون الدولية من جامعة قطر. تركّز اهتماماتها البحثيّة على دراسة النخب والحركات الاجتماعية، والحركات الإسلامية في فلسطين، والدراسات الفلسطينية.

مقدمة

منذ فكّ الارتباط الإسرائيلي الأحادي الجانب وتفكيك آخر المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة عام 2005، حاولت إسرائيل من خلال استراتيجيتها العسكرية تجنّب الاشتباك المباشر والتوغل البرّي داخل القطاع، إلى أن نفّذت فصائل المقاومة الفلسطينية عملية الوهم المتبدد، في 25 حزيران/ يونيو 2006، التي تسلل فيها مقاتلون فلسطينيون من كتائب القسّام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام عبر نفق خلف خطوط العدو، وفجروا دبابة ودمروا ناقلة جند واستهدفوا مواقع الإسناد والحماية التابعة للجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية لمدينة رفح، نتج منها مقتل جنديين إسرائيليين وإصابة آخرين وأسر الجندي جلعاد شاليط. وقد ردّت إسرائيل على هذه العملية بشن سلسلة عمليات عسكرية في قطاع غزة، أطلقت عليها اسم "أمطار الصيف" (حزيران/ يونيو–آب/ أغسطس 2006)، لم تنجح من خلالها في استعادة الجندي المختطف، وإنما انتهت بتشديد الحصار على القطاع، الذي بدأ مع فوز حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني/ يناير 2006، والذي تزامن مع انتهاء إسرائيل من بناء السياج الأمني على طول حدود القطاع.

أمام هذه الوضعية الجديدة لقطاع غزة وعزلته عن الجغرافيا الفلسطينية، تغيّرت قواعد الاشتباك ونطاقه بين قوى المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي. فأمام الحروب الإسرائيلية الشاملة التي بدأت مع العملية العسكرية "الرصاص المصبوب" (27 كانون الأول/ ديسمبر 2008–18 كانون الثاني/ يناير 2009)، واعتماد إسرائيل على القصف الجوي على نحوٍ رئيس، طوّرت المقاومة الفلسطينية من تكتيكاتها القتالية، لترتكز استراتيجيتها الهجومية على عنصرين رئيسين: إطلاق الصواريخ القصيرة والطويلة المدى التي نجحت في خرق منظومة القبّة الحديدية، وتنفيذ عمليات تسلل تخترق الجدار الحديدي الإسرائيلي، الذي أعلنت عن سقوطه يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

يُعدّ التسلل Infiltration تكتيكًا عسكريًا يهدف إلى التقدم نحو المناطق الخلفية للعدو، من خلال استغلال الثغرات في دفاعاته لتجاوز خطوطه الأمامية و/ أو دفاعاته واختراق الحدود والتحصينات بعيدًا عن الرقابة. ويُنفّذ هذا التكتيك عادةً قوات مشاة خفيفة التسلّح Light infantry أو قوات استطلاع Reconnaissance، مدعومة بقوات الدعم والإسناد، لتنفيذ عمليات دفاعية تصديًا لقوات العدو المتوغلة، أو لتنفيذ عمليات هجومية أو استطلاعية. ويُنفَّذ التسلل برًا أو بحرًا أو جوًا أو على نحوٍ هجين، ونجاحه منوط بتجنّب الانكشاف؛ لذلك يتطلّب وجود معلومات استخبارية مفصّلة للتمكين من العثور على ثغرات في مراقبة العدو. ولأنّ القوات المتسللة نادرًا ما استطاعت تحقيق نصر عسكري وحدها، فإنّ تكتيك التسلل يوظَّف عادةً بالتزامن مع أشكالٍ أخرى من المناورة وبدعمٍ منها. وفي حالة الصراع بين قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال الإسرائيلي، يكون التسلل الهجومي عبارة عن تنفيذ عمليات هجومية أو استطلاعية داخل حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة، أمّا التسلل في حالة الدفاع، الذي يشار إليه عادةً بالعمليات خلف خطوط العدو، فيهدف إلى إجبار الجيش على التراجع أو الانسحاب، وتقليل قدرته على المناورة، وتكبيده خسائر على مستوى الأفراد والعتاد.

تهدف هذه الورقة الاستراتيجية إلى فهم الفاعلية القتالية لتكتيكات التسلل التي تُنفذها قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ بدايات الألفية الثالثة، بوصفها أحد أساليب المناورة التي تقوم بها في حالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي تنظيماتٌ مسلّحة في إطار حرب غير متناظرة Asymmetric Warfare، وذلك من خلال دراسة حالة كتائب الشهيد عز الدين القسّام (الجناح العسكري لحركة حماس) بوصفها حاملة لواء الكفاح الفلسطيني المسلح خلال العقدين الأخيرين والفاعل الأبرز في معركة "طوفان الأقصى"، التي ردّت عليها إسرائيل بالعملية العسكرية "السيوف الحديدية" (منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023) للقضاء على حكم حماس وقدراتها العسكرية.

تتوزع الورقة على ثلاثة أقسام؛ يبحث القسم الأول بداية الجهود الإسرائيلية لمنع عمليات التسلل وحصار قطاع غزة عسكريًا، ويرصد عمليات اقتحام المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية في أثناء الوجود العسكري الإسرائيلي داخل القطاع. في حين يدرس القسم الثاني تطوّر تكتيكات عمليات تسلل كتائب القسّام، بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2005 المتزامنة مع إنشاء النظام الأمني الإسرائيلي. أمّا القسم الثالث، فيبحث في صعود الجدار الحديدي الإسرائيلي وسقوطه مع عملية طوفان الأقصى. وتختم الورقة بتقييم فاعلية عمليات التسلل وأثرها الاستراتيجي.