/ACRPSAlbumAssetList/2024-daily-images/the-national-interest-pretext-germany-and-the-israeli-war-on-gaza.png
تقييم حالة 11 نوفمبر ، 2024

ذريعة "المصلحة الوطنية": ألمانيا والحرب الإسرائيلية على غزة

إيزابيل روك

مسؤولة البحث والتنسيق العلمي في فرع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس.

في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، ألقت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، خطابًا أعاد إحياء الجدل حول مفهوم "المصلحة الوطنية" أو "مبرّر الدولة"، مؤكدةً أن أمن إسرائيل جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية الألمانية. وعكست تصريحاتها، على نحوٍ لا يقبل الجدل، مدى تعقيد هذا المفهوم وحدوده، الذي يتيح للدول في بعض الأحيان تجاوز القواعد أو المعايير القانونية والأخلاقية المعتادة، تحت مسمى "الأمن القومي" (وفي الحالة الألمانية، أمن دولة أخرى). تسبر هذه الورقة مفهوم "المصلحة الوطنية" وتجلياته، وتحلل بدايةً الأصول النظرية للمفهوم، قبل استكشاف تطبيقاته وقيوده، وتختم بدراسة حالة للموقف الألماني من الحرب الإسرائيلية على غزة.

أولًا: تعريفات ومناظرات متعلقة بـ "المصلحة الوطنية"

يُعدّ مفهوم "المصلحة الوطنية" مفهومًا سياسيًا معقدًا، يخوّل الحكام اتخاذ تدابير استثنائية، أو يرخّص لهم ذلك، لحماية أمن الدولة واستقرارها، على نحوٍ يخالف المعايير الأخلاقية أو القانونية المرعية. ويعود أصل هذا المفهوم إلى كتابات المفكر الإيطالي نيكولو مكيافيلي في القرن الخامس عشر[1]، عندما بيّن في كتابه الأمير أن الحفاظ على السلطة والنظام قد يتطلب اللجوء إلى وسائل لاأخلاقية أو مخادعة، وأن الغاية في نظره، المتمثلة في الحفاظ على استقرار الدولة وأمنها، تبرر الوسيلة.

وقد ناقش الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز في القرن السابع عشر هذا الموضوع في كتابه اللفياثان[2]، ورأى أن سيطرة الحاكم المطلقة ضرورة لتجنيب البلاد الفوضى، وأن أفعال الحاكم، على تجلياتها المختلفة، تساهم في سلام المجتمع وأَمْنه. وفي الاتجاه ذاته، يدافع المنظّر السياسي الفرنسي جان بودان عن تركيز السلطة في يد الدولة، مشيرًا إلى أنه يمكن، في بعض الحالات، تجاوز القوانين المعمول بها تحقيقًا لمصلحة الدولة[3].

وقد تعرّض مفهوم "المصلحة الوطنية"، في العصر الحديث لمراجعاتٍ وانتقاداتٍ عدة. فكارل شميت[4]، مثلًا، وهو فقيه قانوني وفيلسوف سياسي ألماني، اعتبر أن السيادة الحقيقية تكمن في القدرة على اتخاذ قرارات استثنائية، مؤكدًا أن للحاكم الحقّ في تعليق القوانين المعمول بها، في حال حدوث أزمات كبرى، إلا أن هذا الرأي تعرّض لانتقاد، بسبب ميله إلى منح الشرعية للأنظمة الاستبدادية.

أما ماكس فيبر[5]، عالم الاجتماع والاقتصاد، فقد تناول هذا المفهوم من منظور أخلاقيات المسؤولية، إذ فرّق بين القرارات التي تُتخَذ من أجل مصلحة الدولة على المدى البعيد من جهة، والقرارات التي تحرّكها مصالح شخصية أو سياسية آنية من جهة أخرى، وحذّر من خطر تحوّل البيروقراطية إلى آلةٍ بلا روح، قد تستغل مبدأ "المصلحة الوطنية" لتبرير إساءة استخدام السلطة.

ونبهت حنة أرندت إلى مخاطر الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان، التي قد ينطوي عليها تطبيق شعار "المصلحة الوطنية"، وشرحت في كتابها أصول الأنظمة الشمولية أو الاستبدادية[6] كيفية استخدام الأنظمة الشمولية مصلحة الدولة ذريعةً لتبرير ممارساتها وسياساتها التي تتنافى، إلى حد بعيد، مع المبادئ الأخلاقية والمعنوية. وبحثت بعمق في أسس هذه الممارسات وعواقبها، مشدّدةً على تهديدها للحرية الفردية والعدالة الاجتماعية، وأشارت إلى مخاطر الفساد الأخلاقي والسياسي المتأصل في مبدأ "المصلحة الوطنية".

وإضافة إلى كون هذا المبدأ مثارًا لنقاشٍ حادٍّ بين الفلاسفة والمنظّرين السياسيين، فإن تداعيات تطبيقه جدلية، ويكمن التساؤل في الخط الفاصل بين الحماية الوجودية للدول، والمساس بمبادئها التأسيسية والمعايير الدولية.


[1] Niccolò Machiavelli, The Prince, Tim Parks (trans.) (London: Penguin Books, 2009).

[2] Thomas Hobbes, Leviathan, Gérard Mairet (trad.) (Paris: Gallimard, 2000).

[3] Jean Bodin, Les six livres de la république (Paris: Fayard, 1986 [1593]); Yves Charles Zarka, “Etat et gouvernement chez Bodin et les théoriciens de la raison d'Etat,” in: Yves Charles Zarka (dir.), Jean Bodin:Nature, histoire, droit et politique (Paris: PUF, 1996), pp.149-160.

[4] Carl Schmitt, Dictatorship: From the Origin of the Modern Concept of Sovereignty to the Proletarian Class Struggle, Michael Hoelzl & Graham Ward (trans.) (Cambridge: Polity Press, 2014), p. 314.

[5] Max Weber, Gesammelte politische Schriften, presented and edited by Johannes Winckelmann (Tübingen: ZENO, 1988).

[6] Hannah Arendt, The Origins of Totalitarianism (San Diego/ New York/ London: Harcourt Brace Jovanovich, 1973).