مقدمة
أصبحت الانتفاضة الأولى لحركة "المرأة، الحياة، الحريّة" (أيلول/ سبتمبر 2022 – كانون الثاني/ يناير 2023) أطول احتجاج شهدته إيران، بعد الثورة الإيرانية عام 1979. أتت هذه الحركة بوصفها ردّ فعل على وفاة مهسا أميني على يد ما يُعرف بشرطة الأخلاق، وكانت الدافع وراء نزول المحتجّين من العديد من المدن الإيرانية إلى الشارع. وحظيت هذه الحركة بدعم هائل من الشتات الإيراني، وشملت أيضًا شخصيات أجنبية عالمية مشهورة. واليوم، تبدو دراسة هذه الحركة مهمّة صعبة؛ فهي لا تزال قائمة، وطبيعتها أشد تعقيدًا من الحركات المماثلة السابقة، فضلًا عن أنّ كمّية البيانات التي جرى التحقّق منها والمتاحة للباحثين لا تزال محدودة. ولا يمكن وصف حركة "المرأة، الحياة، الحريّة" بأنها تعبير عن منافسة بين التيارات السياسية المعارضة، كما حصل خلال الحركة الخضراء الإيرانية عام 2009، أو بأنها ثورة ضدّ الأزمات الاقتصادية كما حصل خلال الاحتجاجات الإيرانية التي عمّت أرجاء البلاد كلها في الفترة 2019-2020. وتشير البيانات المتوافرة إلى أنّ حركة "المرأة، الحياة، الحرّية" تضمّ مشاركين متنوّعين من نساء وجامعيين وشباب وشابات منتمين إلى "جيل زي" Generation Z وأساتذة ومتقاعدين وعمّال، وغيرها [من الشرائح الاجتماعية والعمرية المختلفة].
تسعى هذه الورقة للتركيز على العوامل المؤسسية التي شجّعت على اندلاع هذه الحركة، بدلًا من التركيز على الجوانب المهمة للعمل الجمعي، بما فيها بنية الحركة من حيث التنظيم والمطالب والمشاركون. وتعالج المسألة المركزية الكامنة في طبيعة العوامل التي ساهمت في حثّ الشعب الإيراني على النزول إلى الشارع، واستخدام الاحتجاج الاجتماعي، بوصفه الخيار الأخير القابل للتنفيذ والمتاح. وتتناول ثلاثة جوانب في الدولة الإيرانية: وظيفتها المؤسسية، وتركيبة النخبة السياسية الحاكمة، وسياستها الخارجية. وتشرح رغبة المجتمع الواسعة في اجتراح التغيير الذي أدّى بدوره إلى حركة "المرأة، الحياة، الحرية". وتُختم الورقة بلمحة عن التداعيات السياسية للحركة.