العنوان هنا
دراسات 26 ديسمبر ، 2019

الجامعات العربية في ضوء تصنيف شانغهاي 2019

مراد دياني

يشغل الدكتور مراد دياني وظيفة باحث مشارك في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. حاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة ستراسبورغ عام 2003.
تنصبُّ أبحاثه الاقتصادية في مجالات اقتصاد الابتكار، وبدرجة خاصة في اقتصاد المعرفة، إضافةً إلى مجالات فلسفية تهمُّ نظريات العدالة والديمقراطية.
شارك في نحو خمسين مؤتمرًا علميًّا. وصدرت له العديد من الأبحاث في مجلّات مُحكّمة وفي كتب جماعية بالعربية والفرنسية والإنكليزية.
صدر له عن المركز العربي كتابان: حرية، مساواة، اندماج اجتماعي (2014)، حرية، مساواة، كرامة إنسانية (2017).

ملخص

نُشر "التصنيف الأكاديمي الدولي للجامعات" الأول في عام 2003 على موقع جامعة جياو تونغ في شنغهاي. وحقق هذا التصنيف نجاحًا كبيرًا على المستويين الأكاديمي والإعلامي ما فتئ يتأكد ويتعزّز منذ ذلك الحين، سواء بالنظر إلى التنظيم الداخلي للجامعات، أو بالنظر إلى سمعتها الدولية واستقطابها للطلاب، أو من قبل واضعي السياسات العمومية للترويج لمشاريع الإصلاح، أو بين البلدان المتنافسة في سياقات التقسيم الدولي للمعرفة. وبعد مضيّ 15 عامًا، شهد "تصنيف شانغهاي" للعام 2019 تحولًا مهمًا من حيث أنه أصبح يشمل أفضل 1000 جامعة في العالم، عوض أفضل 500 جامعة في الدورات الـ 15 الماضية. وهو ما يطرح، على الرغم من ولوج عددٍ من الجامعات العربية للتصنيف، أسئلةً مركّبة بالنسبة إلى المنظومة الجامعية العربية في سياقات العولمة المتزايدة والتقسيم الدولي الجديد للمعرفة، تستعرض هذه الورقة البحثية بعض جوانبها درسًا وتحليلًا.

مقدمة

في اقتصادات ومجتمعات معولمة على نحوٍ متزايد وقائمة أكثر فأكثر على الأصول غير الملموسة، ولا سيما المعرفة والابتكار والبحث والتطوير، أصبح يُنظر إلى مسألة المكانة التي تحتلها الجامعات في السياق الدولي للبحث والتطوير بوصفها ضمانًا للجودة و"الامتياز". وتأتي في هذا الصدد التصنيفات الدولية للجامعات لتلبي حاجيات متعددة تتعلق بالتنظيم الداخلي للجامعات، وسمعتها وقدرتها على استقطاب للطلاب، وبأسس وضع السياسات العمومية في مجال التعليم العالي والبحث والتطوير، وأيضًا لتلبي طلبًا متزايدًا من لدن الدول المتنافسة في سياق التقسيم الدولي للمعرفة.

لقد أصبح مجال التعليم العالي تدريجيًا سوقًا عالميًا، وأصبح يُنظر إلى الجامعات على أنها "شركات" تتنافس على نطاق عالمي. وفي هذه المنافسة، وفي نظر واضعي السياسات (الذين يغلب عليهم التوجه النيوليبرالي)، تؤدي هذه التصنيفات الدولية دورًا حاسمًا في توحيد معايير تقييم "الامتياز" على نطاق عالمي؛ فضلًا عن أنها أصبحت هوسًا لدى وسائل الإعلام، وأصبح المسؤولون عن كبرى الجامعات الدولية ينفقون قدرًا كبيرًا من الموارد ومن الجهود لإدراج (أو الحفاظ) على مؤسساتهم ضمن فئة أفضل 100 جامعة في التصنيف العالمي (World Class University)، أو حتى ضمن فئة أفضل 500 جامعة. وأفرزت هذه التقييمات تأثيرات عميقة في مؤسسات التعليم العالي: فهي تعدل كيفية توزيع التمويل (لصالح الأقسام التي من المحتمل أن تنتج تصنيفات أفضل)، وتعدل استراتيجيات التوظيف (استهداف الفائزين بجوائز أو المدرجين ضمن قوائم الباحثين الأكثر استشهادًا)، وتحفز الاندماج في الجامعات، إلخ. ويتم دعم هذه الاستراتيجيات أيضًا (أو تطبيقها) على المستويات الوطنية، من قبل الحكومات التي تعتبر أن سمعة بلدها مبنية –على الأقل جزئيًا– على جودة التعليم العالي والبحث والتطوير.

ويأتي الإعلان عن "التصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية" (أو "تصنيف شنغهاي") لعام 2019 –الذي شهد دخول عدد من الجامعات ومن الدول للتصنيف لأول مرة، ومن بينها عدد من الجامعات والدول العربية– ليعيد طرح المكانة الدولية للجامعات العربية، وجودة مخرجات التعليم العالي والبحث العلمي التي تقدمها، ومدى اتساقها مع منظور التحول نحو اقتصادات قائمة على المعرفة والأصول اللامرئية. وهو ما ستحاول هذه الورقة النظر فيه.