العنوان هنا
مقالات 03 يوليو ، 2011

الثورات العربية في مواجهة التحديات العلمية والتعليمية

وجدي عبد الفتاح سواحل

المنسق العام للشبكة الإسلامية للتنمية العلمية ومدير الحضانة التكنولوجية الإسلامية الافتراضية التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي. عضو المجالس القومية المتخصصة المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا ، عضو مجلس أمناء المنظمة العربية لضمان جودة التعليم. محلّل علمي وتقني للأبحاث وكاتب علمي مع العديد من الهيئات الدولية مثل شبكة العلوم والتنمية في لندن ومجلة أخبار الجامعات الدولية ونشرة الملكية الفكرية السويسرية. أعدّ 25 كتاباً وأكثر من 400 مقال تتناول التعليم العالي والبحث العلمي في منطقة الشرق الأوسط والسياسات العلمية "وضع الخطط والاستراتيجيات" والتعليم والتدريب والثقافة العلمية.....كما تتناول تحليلا للأحداث والتطورات العلمية وتأثيراتها الاقتصادية والسياسية والبيئية والاجتماعية والصحّية. حصل على العديد من الجوائز مثل جائزة التميّز الريادي – 2010م من البنك الإسلامي للتنمية، منظمة المؤتمر الإسلامي، السعودية ، جائزة أكاديمية العالم الثالث في العلوم / إيطاليا ـ 1998م، جائزة الدولة التشجيعية 1995 ، جائزة التشجيع العلمي 1998 م.، جائزة اللواء دكتور / أحمد زهران في مجال الثقافة العلمية 1999م.

"لقد هُزمنا بسلاح صنع في المعمل، وعلينا أن نبدأ من جديد في المعامل"

حكيم ياباني - بعد إلقاء قنبلة هيروشيما وناكازاكي


طالبت الانتفاضات وموجات الغضب والثورات الشعبية في البلدان العربية في الأساس بالحرية السياسية وتغيير الأنظمة الحاكمة مستخدمةً سحر الاتّصالات العنكبوتيّة من خلال مواقع التّواصل الاجتماعيّة على الانترنت. وكان ذلك تطبيقًا عمليًّا لقانون "كيرتس كارلسون"، المدير التنفيذي لشركة «إس آر أي» في وادي السيليكون، والذي يقول: «إنّنا في عالم يستطيع فيه الكثير من الناس الآن الحصول على التعليم والأدوات الرخيصة للابتكار، إنه الابتكار الفوضوي الذكيّ الذي ينبثق من الأسفل إلى الأعلى، وهو عكس الابتكار الذي ينبثق من الأعلى إلى الأسفل، فهو منظّم، لكنه غبيّ».

لكن هذه الانتفاضات العربية التي أقامت أوّل اتّحاد للثورات العربية تحت شعار (ارفع راسك فوق.. أنت عربي)، ستجد نفسها عمّا قريب أمام حاجة ملحّة لمواجهة التحدّيات العلمية وتغيير النّظم التعليمية على أرض الواقع من أجل رفع العالم العربي من حضيض التخلّف والركود العلمي والتقني إلى ساحة التقدّم والازدهار. ولن تكتمل إعادة بناء هيكليّة العالم العربي إذا اقتصرت على المستويات الاقتصاديّة والسياسية والأمنيّة والاجتماعيّة، بل يجب أن تشمل المستويات العلمية والتقنية والتعليمية أيضًا. هذه الهيكلية الجديدة في حاجةٍ إلى سياسات علمية وتقنية تبدع في اجتراح الحلول للعاجل من الأزمات، مثل أزمة عدم رضا الشّباب العربي التي كان للتعليم فيها نصيبٌ كبير، مستفيدةً من الطاقات غير المرئيّة التي غيّبتها السياسات السابقة، وكذلك للتعامل مع التحدّيات الحاضرة والمستقبلية.

في هذه السلسلة من المقالات والدراسات سوف نتناول إعداد الأجندة العربية وتوصيفها في مجال التعليم العالي والبحث العلمي ودورهما في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والقومي في العالم العربي، وذلك من خلال استعراض واقع التعليم العالي والبحث العلمي العربي وسياساته وتحليلها. كما نتناول التحدّيات المحلّية والإقليمية والدولية التي يواجهها قطاع التعليم والعلوم متضمّنًا اقتراحاتٍ وسياساتٍ للتعامل مع هذه التحدّيات، وآليّات لإدارة الصراعات السياسية والحروب الاقتصادية التي تستخدم المعامل ومؤسّسات التعليم كسلاحٍ فيها.

لم تكن موْجةُ الاحتجاجات الشبابية التي تشهدها المنطقة العربية مفاجِئةً لمن يتابعون خريطة التنمية والنموّ السكّاني في المنطقة. فقد أشارت العديد من التقارير الدولية إلى أنّ العالم العربي فيه قوّة بشرية هائلة من الشباب المؤهّل الواعد الذين تقلّ أعمارهم عن 25 عاما وتتجاوز نسبتهم 40% من تعداد السكّان. وبإمكان هذه القوّة البشرية ، إذا توافرت لها مقوّمات النّجاح، تحقيق النّهضة المنشودة من خلال المعرفة لتضييق الفجوة الاقتصاديّة بين الدول العربية ودول العالم المتقدّم. ولكن، نظرًا لعدم توفّر مقوّمات النجاح للشباب العربي من خلال التعليم الجيّد وكذلك من خلال بناء اقتصاد المعرفة القادر على توفير وظائف للشّباب، ظهرت علامات الغضب وعدم الرّضا التي كانت أحد أسباب الانتفاضات العربية.

ففي تحليل الأسباب العميقة التي أدّت إلى اندلاع ثورات الغضب العربي، أشارت صحيفة «لاكروا» الفرنسية من خلال الخبراء في الجامعات الفرنسية إلى أنّ بطالة خرّيجي الجامعات وتآكل الطبقة الوسطى المتعلّمة تعتبر من الأسباب السبعة الأساسيّة التي أدّت إلى الغضب العربي. هذا بالإضافة إلى الأسباب الخمسة الأخرى المتمثّلة في قمـع الأنظمة السياسيّة في المنطقة وتصلّبها وفسادها وتهالكها والتوريث الجمهوري والترتيب لتمرير السلطة لذريّة الحاكم وانعدام العدالة وانتشار الفساد، وعدم توزيع الثروات بشكلٍ صحيح وعادل، وغياب الحريات الأساسيّة، ووسائل الإعلام المرئيّة والمقروءة والمسموعة والالكترونية.

فها هو بوعزيزي التونسي الذي أضرم النار في نفسه قد أصبح رمزًا للإحباط الذي يعيشه الشّباب العربي المتعلّم الذي يعاني من البطالة والمحروم من أبسط حقوقه وهو العمل. وسريعًا أصبح رمزًا لثورة الشّباب العربي.

وتدعيمًا لذلك، فقد رصد تقريرٌ لمنظّمة العمل العربية عنوانه "التشغيل والبطالة في البلدان العربية.. التحدّي والمواجهة" ظاهرة البطالة بين الشباب العربي المتعلم حيث وجد أنّ فرص المتعلّمين في التشغيل محدودة مقارنة مع غيرهم، فمعدّلات البطالة بين الأمّيين كانت في حدودٍ آمنة وفي المقابل فإنّ معدّلات البطالة بين ذوي التعليم المتوسّط عالية جدا والأكثر خطورةً أنّ هذه المعدّلات بين حملة الشهادات الجامعية أصبحت مرتفعة هي الأخرى فقد بلغت26.8% في المغرب و19.3% في الجزائر و17.7% في الأردن وأعلى من المعدّل العام للبطالة في مصر. وقد أشار التقرير أنّ هذه المعدّلات المخيفة تشير إلى هدرٍ مؤلم للتعليم والأموال الضّخمة المنفقة عليه، ويكشف عن عدم توافق صارخ للتّعليم مع حاجات سوق العمل، كما يكشف عن توجّهاتٍ تنمويّة سائدة تحتاج إلى تصحيح، والأسوأ من ذلك ما صنعه هذا الواقع المؤلم من رؤية سلبيّة مجتمعيّة للتعليم الجامعي.

 كما أكّد ذلك تقريرٌ آخر اتّخذ عنوان "تحدّيات التنمية في الدول العربية.. نهج التنمية البشرية" صدر بالتّعاون بين جامعة الدول العربية وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، في إطار التحضير للقمّة العربية الاقتصادية الاجتماعية في الكويت مطلع عام 2009، حيث أشار إلى أنّ معدّل بطالة الشباب في العالم العربي هو الأعلى على مستوى العالم، وأنّ الدول العربية الأقلّ نموًّا مهدّدة بجيل من المعاقين عقليًّا وبدنيًّا.

وطبقًا للتقرير الدولي الصادر في أبريل 2011م وهو بعنوان «التعليم من أجل التوظيف: تحقيق إمكانات الشباب العربي» الصادر عن «مؤسسة التمويل الدولية» و «البنك الإسلامي للتنمية» فإنّ شباب منطقة الشّرق الأوسط في مرتبة الصّدارة في نسب البطالة الأعلى بين شباب العالم. بطالة شباب العرب تبلغ حالياً 25%، منها 24 % في شمال أفريقيا وحدها. ومشاركة العرب في القوى العاملة بين أدنى مستويات المشاركة في العالم، إذ يبلغ نحو 35 % مقارنة بالمعدّل العالمي البالغ 52 % . وهذا يعني - طبقًا للتقرير- أنّ الخسائر الاقتصادية العربية النّاجمة عن هذه النّسب المؤسفة تتراوح بين 40 و50 بليون دولار، أي ما يعادل الناتج المحلّي الإجمالي لدولةٍ مثل تونس أو لبنان.

بالإضافة للبطالة وطبقًا لتقرير صحيفة «لاكروا» الفرنسيّة، فقد حدث أيضًا تآكلٌ للطبقة الوسطى في معظم الدول العربية وهي الطبقة الحاصلة على تعليم عالٍ لكنها لا تعيش في وضع اجتماعي مناسب نظرًا لنقص الوظائف المتخصّصة.

وقد لخّص الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى هذه الحالة للشّباب العربي في القمّة العربية الاقتصادية الاجتماعيّة الثانية التي عُقدت في شرم الشيخ، بمصر كانون الثاني/يناير2011م قبل ثورة 25 يناير المصرية بأيّام قائلاً "النّفس العربيّة منكسرة بالفقر والبطالة والتراجع العام في المؤشّرات الحقيقيّة للتّنمية، والتي تزخر بالإشارة إليها تقارير دوليّة وتقارير الأمم المتّحدة بصفةٍ خاصّة".