أطلقت إيران، منذ حوالى عقدين من الزمن، سياسة "التوجّه شرقًا" [في سياستها الخارجية]. وسعت هذه السياسة إلى منح الأولوية للعلاقات بالدول الآسيوية، لا سيّما الصين، إضافة إلى علاقاتها بروسيا وآسيا الوسطى. غير أنّ إيران لم تطبّق هذه السياسة بعزمٍ إلّا في السنوات القليلة الماضية، بخاصة منذ وصول حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي المتشدّدة إلى السلطة في عام 2021. صحيح أنّ إيران لم تتجاهل الدول الآسيوية، خلال رئاسة حسن روحاني (2013-2021)، وهو سياسي معتدل، لكنّها ركّزت على نحو أكبر على حلّ نزاعاتها مع القوى الغربية، لا سيّما الجدل الدائر بشأن البرنامج النووي. ومع ذلك، خلال فترة ولاية روحاني، جرى وضع الأساس لاتفاقية الشراكة مع الصين ومدّتها 25 عامًا، ووُقّعت في السنة الأخيرة من ولايته.
إلى حدٍّ ما، كان اهتمام إيران المتزايد بآسيا وقواها الصاعدة، بخاصةٍ الصين، متوقعًا، فضلًا عن اهتمامها بالهند، إذ أصبحت هذه الدول قوى اقتصادية وسياسية عالمية مهمة. من هنا، يمكن أن تصبح شريكًا اقتصاديًا وتجاريًا مهمًّا لإيران، وقد تمثّل أيضًا مصادر للاستثمار. وأصبحت هذه الدول أيضًا، لا سيّما الصين، أطرافًا فاعلة أساسية في الخليج والشرق الأوسط. لذلك، مثّل تعزيز إيران علاقاتها بتلك الدول خطوة منطقية. في الوقت نفسه، تقع روسيا وآسيا الوسطى بالقرب من إيران جغرافيًا، ما يعني أنّ التطورات في المنطقة والتحوّلات في سياسات موسكو وبعض دول آسيا الوسطى تؤثر على نحو مباشر في المصالح الأمنية الإيرانية. ومع ذلك، لم تكن هذه هي الأسباب الوحيدة التي دفعت إيران لاعتماد استراتيجية التوجّه شرقًا؛ فقد ساهم عاملان آخران أيضًا في هذا التحوّل: أوّلًا، الخلافات داخل القيادة الإيرانية بشأن وجهة سياستها الخارجية، بخاصةٍ طبيعة علاقاتها بالغرب؛ وثانيًا، خيبة أمل إيران في الغرب الذي لم يستجب لمبادرات طهران.