مقدمة
تُعدّ فترات الانتقال من أكثر الفترات التي يسود فيها عدم اليقين عن المستقبل والشكوك حول الخاسرين والرابحين في النظم الجديدة. من هنا، تتعدّد وتتنوع أشكال التغيير السياسي المطروحة، وتراوح بين تغيير النظام كليًا وتغيير رموزه مع احتفاظه بجوهره. وتتجلّى الفلسفة الخاصة بالتغيير في شكل وطبيعة الدستور الذي يوضح ما إذا كان النظام القديم قد نجح في الاحتفاظ بمكتسباته، أم نجحت قوى المعارضة في انتزاع أكبر قدر من المكاسب وتأسيس نظام جديد كلّيًا، وذلك على اعتبار أن الدستور هو في النهاية نوع من الترتيب القانوني لأوضاع سياسية معيّنة.
يحدّد الدستور من يتولّى السلطة في الدولة وكيفية ممارستها من خلال تحديد المبادئ والقواعد المتّبعة في النظام السياسي، والهياكل والمؤسسات السياسية القائمة. إلّا أن الدساتير لا تتشكل في فراغ، بل هي في الغالب نتاج صراعات أو اتفاقات ومساومات بين المصالح المتنافسة للأفراد والجماعات. كما تكون في الوقت نفسه وليدة سياق داخلي وخارجي معيّن. وتهتم الدساتير بمجموعة من الموضوعات، الشائكة في الأغلب، وتسعى لحلّها. ويعتمد استمرار القواعد التي يرسمها الدستور واستقرارها، على مدى تمتّعه بالشرعية، وتجذّره في المعايير والقيم الخاصة بالمجتمع، والتوازن الذي يحققه بين المصالح المختلفة للفواعل السياسية. ويرتبط هذا في النهاية بالعملية التي تم من خلالها تصميم هذا الدستور.
* هذه الدراسة منشورة في العدد 52 (أيلول/ سبتمبر 2021) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 23-40)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا كل شهرين.
** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.