العنوان هنا
مقالات 27 سبتمبر ، 2011

من الاحتلال إلى الدولة

الكلمات المفتاحية

أسامة محمود حمدان

كاتب متخصص في القضية الفلسطينية له العديد من المقالات المنشورة على موقع منتديات المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ومجلة السياسي التابعة لنفس المعهد.

مقدمة

في خضمّ الأوضاع التي تعيشها الساحة الفلسطينية والخلاف المستفحل حول البرامج السياسية المطروحة على الساحة كأسلوب للوصول إلى الهدف الأساسي وهو دولة فلسطينية ذات سيادة بكلّ ما لهذا المصطلح من أبعاد ومَعانٍ، وكوسيلة لتحليل هذه البرامج ومحاولة فهمها للوصول إلى برنامج منطقي وواقعي يتعامل مع العوامل المختلفة والمؤثّرة في الساحة الفلسطينية وفي القرار الفلسطيني يجدر بنا العودة قليلا إلى الأساسيات والجذور والانطلاق منها كقاعدة للوصول إلى ما يمكن تسميته برنامجا متوازنا ومتوافقا قدر الإمكان مع معظم الاختلافات السياسية الموجودة على الساحة الفلسطينية من جهة وتطلّعات الشعب الفلسطيني وآماله من جهةٍ أخرى.

بداية ومن أجل التعامل الفعّال مع أيّ قضية في حاجة إلى حلّ يجب التعرّف على أساس المشكلة ووضع حدود وملامحَ لها. وعند الحديث عن القضية الفلسطينية أرى أنّ أساس المشكلة لا يختلف عليه اثنان، على الأقلّ من الجانب الفلسطيني للقضية، وهو وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية. إذنْ، المشكلة هي وجود الاحتلال والهدف هو تحرير هذه الأرض وإزالة الاحتلال. وعلى الرغم من وجود اختلاف حول ماهية الأراضي المحتلة وحدودها، أودّ التأكيد هنا أن المحتلّ من الأرض هو كامل أراضي فلسطين التاريخية والتي تبلغ مساحتها 26990 كلم2 وتمتدّ من الجليل الأعلى شمالاً حتّى خليج العقبة جنوبًا ومن نهر الأردن ووادي عربة شرقًا حتى البحر المتوسّط وسيناء غربًا، ولكن من أجل الاستمرار في دراسة الحلول الممكنة والمطروحة بناءً على العديد من المعطيات الحالية، سنفترض أنّ الهدف من التحرير هو تحرير ما اصطُلح عليه بأراضي الـ 67 وهي الضفّة وقطاع غزّة حسب ما نصّت عليه قرارات الأمم المتّحدة المختلفة وإقامة الدولة الفلسطينية على هذه الأراضي المحرّرة.

عند هذه النقطة يجدر بنا التوقّف قليلاً عند بعض المفاهيم الأساسيّة، وهي الاحتلال والتحرير والسلطة والدولة بما تتضمّنه من ممارسةٍ للسّيادة وتشكيل الحكومات، وربط هذه المفاهيم ببعضها البعض كمدخل لتوضيح الواقع الحالي ووضعه في إطاره الصّحيح لغةً واصطلاحًا وبالتالي ممارسة على أرض الواقع.

 فالاحتلال هو "سيطرة جماعة معيّنة على مكان ما ضدّ إرادة أصحابه الأصليّين بما يتضمّنه ذلك من ممارسات يقوم بها المحتلّ للسيطرة والتحكّم في هذا المكان". وحسب تعريف اتفاقية لاهاي لعام 1907 " تعتبر أرض محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدوّ. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي أُقيمت فيها مثل هذه السلطة ويمكن أن تمارس فيها". وإذا أخذنا التعريفات السابقة وأسقطناها على الوضع القائم حاليًّا في فلسطين التاريخية فلا يمكن إلاّ أن نعترف بأنّ جميع أراضي فلسطين واقعة تحت الاحتلال الفعلي للإسرائيليّين وأن تقسيمات أوسلو للضفّة الغربيّة إلى مناطق A,B,C ما هي إلاّ تقسيمات وهميّة. فحتّى مناطق A والتي يفترض أن تكون تحت السيطرة الفلسطينية بالكامل، لا يزال الجيش الإسرائيلي قادرًا على دخولها و القيام بعمليات اعتقال أو هدم بيوت في بعض الأحيان، ناهيك عن قدرته على احتلالها والسيطرة عليها بالكامل في أيّ وقتٍ نتيجة عدم وجود قدرة ردْع لدى السلطة الفلسطينية لمنعه من ذلك إذا احتاج الأمر.

وإذا انتقلنا لتعريف مفهوم الدولة في الوقت الحالي فبعد البحث وجدت أنّ أنسب وأسهل تعريفٍ للدولة بعيدًا عن العديد من القضايا الفلسفية المرتبطة بهذا المصطلح هو "الدولة جهة سيادية وحصرية لتمثيل كافة أفراد المجتمع وهي الشخصية المعنوية التي تفرض سيادتها على الأرض وتشرف على استغلال وتوزيع الموارد بشكل عادلٍ ومنصفٍ وتنبثق عنها كافة السلطات التي تدير شؤون مؤسّساتها المختلفة وتعتبر الحامية والضامنة لحقوق الأفراد والجماعات دون استثناء مقابل أداء واجبهم في الطاعة والخضوع". أمّا بالنسبة إلى الأمم المتّحدة فإنّ طلب قبول العضوية في هيئة الأمم المتّحدة يجب أن يكون من كيان يستوفي معايير الدولة حسب اتّفاقية منتيفيديو لسنة 1993، ومنها "وجود إقليم محدّد ووجود حكومة معترف بها ووجود شعب". وهذه المتطلّبات والتعريف المبسّط للدولة يستوجب ،لضمان تحقيق كينونة الدولة ،وجود سلطة قادرة على فرض سيادتها على الأرض بكافّة مواردها، هذا من جهة. ومن جهةٍ أخرى، لديها القدرة على حماية هذه الأرض وضمان أمن المواطنين وحقوقهم حتى يتحقّق الشقّ الثاني من المعادلة وهو أداء المواطنين لواجباتهم تجاه هذه الدولة والإذعان لها بالولاء والطاعة. وهنا يجب أن نميّز قليلا ما بين: أ- الانتماء للدولة أو الوطن وهو انتماء لا يحكمه وجود السلطة وقدرتها على التحكّم في مقدرات الدولة؛ و، ب - الإذعان لهذه السلطة والذي يتطلب العدل وتحقيق الأمن للمواطن كي يطلب منه الإذعان والولاء لهذه السلطة. وللتوضيح، فكلّ مواطن يشعر ويؤمن بانتمائه لوطنه القطري بشكلٍ خاصّ والعربي بشكلٍ عام. فالفلسطيني ينتمي لفلسطين والأردني للأردن... وهكذا يشعر جميعنا بواجب الانتماء لعروبتنا وقوميّتنا. ولكن عند الحديث عن الولاء فلا نجد نفس الشعور بالولاء للأنظمة الحاكمة في هذه الدول، إمّا لأنها لم تحقّق العدل والتوزيع العادل للموارد كما هي الحال في معظم الدول العربية، وقد قامت وتقوم ثورات لتغيير هذا الوضع، أو لأنها عجزت عن تحقيق الأمن والحماية للمواطن كما هي الحال بشكل خاص مع السّلطة الفلسطينية.

ننتقل الآن ،ولتوضيح معادلة الدولة ووجود السلطة أو السيادة وممارستهما، إلى تعريف مفهوم السلطة أو السيادة. فهي عبارة عن "قدرة شخص معيّن أو منظّمة على فرض أنماط سلوكية لدى شخص ما. وتعتبر السلطة أحد أسس المجتمع البشري وهي مناقضة لمبدأ التعاون. إنّ تبنّي أنماط العمل نتيجة فرض السلطة يُسمّى الانصياع، والسلطة كمصطلح يشمل غالبية حالات القيادة". وهنا يبرز التناقض الواضح من الناحية الاصطلاحيّة والفعلية ما بين وجود الاحتلال وممارسة السلطة أو السّيادة وإنشاء الدولة وكينونتها من قبل طرف آخر غير الاحتلال. أمّا التحرير أو الحرّية فهي "حالة التحرّر من القيود التي تكبّل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودًا مادية أو قيودًا معنوية، فهي تشمل التخلّص من العبودية لشخصٍ أو جماعة، التخلّص من الضغوط المفروضة على شخصٍ ما لتنفيذ غرضٍ ما، أو التخلّص من الإجبار والفرض". وبمعنى آخر، التحرير هو القيام بما يلزم لدحْر الاحتلال وإخراجه من الأراضي الواقعة تحت حكمه. والحرية هي إزالة هذا الاحتلال والتمكّن من الحكم وفرض السلطة. وعليه، فإنّ وجود الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ووجود السلطة الفلسطينية في نفس المكان أمران متناقضان ولا يستويان مع بعضهما البعض. فلا يمكن ممارسة السلطة في ظلّ وجود احتلال هدفه الأساسي التحكّم في مقدرات الشّعب الفلسطيني ومنعه من ممارسة أيّ شكلٍ من أشكال السيادة بما يؤدّي إلى إخراجه من أراضيه أو انتزاعها منه. ولا تستقيم الأمور إلاّ بمجابهة وجود الاحتلال بحركة تحرّر هدفها إزالته وإلغاء وجوده المادّي والمعنوي على الأرض المحتلّة. وينضوي تحت هذا التناقض وجود الحكومات وتشكيلها، وأعني هنا حكومتيْ الضفّة وغزّة. فالحكومة هي أداةٌ لممارسة السيادة المعدومة بوجود الاحتلال. وبالتالي، فما الانجرار نحو فكرة إعلان الدولة قبل المرور باستحقاق التحرير إلاّ وضع العربة قبل الحصان وإلغاء الاستحقاق التاريخي والمنطقي لإنشاء الدولة، وهو تحريرها وامتلاك السلطة المعنيّة بإدارتها للمقوّمات الأساسية للدولة، وهذا يتطلّب في الحالة الفلسطينية العودة إلى مرحلة ما قبل أوسلو عندما كان الهدف الأساسي هو تحرير الأرض، وكانت منظّمة التحرير الفلسطينية بالإضافة إلى التنظيمات الأخرى خارج إطار المنظّمة هي اللاعب الأساسي على السّاحة الفلسطينية والموجّه الرئيس لبرامج المقاومة الفعليّة على الأرض، وكانت جميع البرامج السياسية على اختلاف توجّهاتها وأيديولوجياتها تدور حول محور التحرير والذي يهدف في النهاية إلى الوصول إلى الدولة الفلسطينية بالصورة المطلوبة من حيث اكتمال السيادة والتحكم في المقدرات الذاتية بعيدًا عن سيطرة المستعمر.


إعلان الدولة الفلسطينية

قبل الخوض في قضيّة الدولة الفلسطينية أودّ التنويه إلى محوريْن شهدتهما القضية الفلسطينية في هذا الخصوص وهما قرار التقسيم رقم 181 "الذي استماتت إسرائيل والولايات المتّحدة في إقراره"، والذي قسّم فلسطين إلى دولتين يهوديّة وفلسطينية، ويعتبر اعترافًا وإقرارًا ضمنيًّا من هيئة الأمم بوجوب إنشاء دولة فلسطينية على ما يقارب 45% من أراضي فلسطين التاريخية. وتبع هذا القرار إعلان دولةٍ فلسطينية من قبل حكومة عموم فلسطين عام 1948. فإذا قبلنا بمبدأ إنشاء دولة فلسطينية على جزءٍ من أراضي فلسطين انعدمت الحاجة إلى الاعتراف بأحقّية الفلسطينيّين في إنشاء دولتهم، بل كلّ ما نحتاجه هو تفعيل تنفيذ هذا القرار الأممي باعتباره أحد المحاور الأساسية في هذه المسألة، وسيعطينا مساحةً من الأرض أكبر بكثير من المطلوب حاليًّا. النقطة الأخرى التي تجدر الإشارة إليها هي إعلان الاستقلال الصادر عام 1988 وتم الاعتراف به من قبل 105 دول وتمّ فتح سفارات فلسطينية فيما يقارب الـ70 دولة منها. غير أنّ هذا الإعلان لم تتجاوز فائدته الناحية المعنوية التي حافظت على زخم الانتفاضة الفلسطينية الأولى حتى وأْدها ما بين عاميْ 1991 و1993 بمؤتمر مدريد أوّلاً واتفاقية أسلو لاحقًا.

مرةً أخرى، تَمحور التحرّك السياسي الفلسطيني (في شهر أيلول/سبتمبر 2011) حول نقطة إعلان الدولة الفلسطينية وإنشائها عن طريق المحافل الدولية والأمم المتّحدة فيما سعت القيادة الفلسطينية جاهدةً لضمان أكبر عددٍ من المؤيّدين لهذه الفكرة. وبدايةً، يجب توضيح أنّ الدولة الفلسطينية المقبولة "نوعًا ما" يفترض فيها تحقيق المطالب الفلسطينية المعلنة والواضحة: وهي دولة فلسطينية ذات سيادة، قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف. ومن أجل تحقيق ذلك لا يكفي الذهاب إلى الأمم المتّحدة وتقديم طلب بهذا الشأن، لأنّ الموافقة على هذا الطلب لا تعني شيئًا دون تطبيقٍ واقعي يضمن قيام الدولة على الأرض. فحتّى ولو اعترفت بها كافّة الدول الأعضاء في هيئة الأمم وعددها حاليًّا 192 دولة، لن يكون هناك تأثير لهذا الاعتراف دون قبول إسرائيل والولايات المتحدة به، وهو الأمر المستبعد حدوثه دون إيجاد العوامل الضاغطة لإرغام كلٍّ من إسرائيل أوّلاً والولايات المتحدة ثانيًا على القبول به.

إذنْ، جعْل الدولة الفلسطينية حقيقة واقعة اعتمادًا على التحرّكات السياسية و المطالبات الدولية يتطلّب تحقيق أحد أمرين:

 الأوّل: قبول إسرائيل بالمطالب الفلسطينية وانسحابها من أراضي الـ67 بما فيها القدس وتسليم السيادة الكاملة على الأرض للفلسطينيّين وهذا بالمنظور الفعلي الحالي ضربٌ من المستحيل.

الثاني: استصدار قرار من مجلس الأمن يُلزم إسرائيل بتنفيذ قرارات مجلس الأمن السابقة والتي تحدّد حدود الدولة الفلسطينية وتضمن حقّ اللاجئين في العودة إلى ديارهم، مع وجوب أن يكون هذا القرار معتمدًا على البند السابع من ميثاق الأمم المتّحدة. وهو البند الذي يخوّل لهذه الأخيرة التدخّل عسكريًّا لضمان تنفيذ القرار كما حصل في العراق على سبيل المثال. وهذا أيضًا بالمنظور الفعلي الحالي ضربٌ من المستحيل. فإسرائيل حتى هذه اللحظة ترفض تطبيق جميع قرارات مجلس الأمن الخاصة بالقضية الفلسطينية، وهي بالعشرات. وإذا افترضنا موافقة جميع الدول الأعضاء على أيّ قرار جديد تبقى الولايات المتحدة، التي لن نخوض في طبيعة علاقتها مع إسرائيل حاليًّا، ولكنها ترفض هذا الموضوع وتحاربه بكافّة الطرق والوسائل. عدا ذلك، فإنّ أيّ اعتراف دولي وأيّ قرار أممي سيبقى كما هي حال القرارات السابقة لا يساوي الحبر الذي كُتب به. وستكون الحال كحال دولة عام 1988 تعطي بأحسن الأحوال دعمًا معنويًّا للشعب الفلسطيني، ولكنها لن تتحوّل إلى واقعٍ ملموس على أرض الواقع. فالدولة المطلوبة ليست فقط مؤسّسات وشوارع وخدمات، على الرغم من أهمية هذا الجانب، الدولة هي سيادة وتحكّم في المصير والمقدرات وعلَم يرفرف عاليًا شامخًا لا يخشى المهانة.

إذنْ لماذا تحارب السلطة الفلسطينية وتستنفر كلّ قواها من أجل حشْد أكبر عدد من الدول المؤيّدة لمطلب الدولة الفلسطينية؟ وما هي الفوائد المتوقّعة؟ وما هي السلبيات والمحاذير التي ستنتج عن هذا المطلب في حالة تحقّقه بشكله المشوّه الذي لا يتناسب مع المطلب الفلسطيني الأساسي؟ معظم الإيجابيات التي يسوقها منظّرو هذا التوجّه من السلطة الفلسطينية تتمحور حول تحقيق إجماع دولي على الدولة الفلسطينية وتحويل مفهوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين من شعب تحت الاحتلال إلى دولة فلسطينية تحت الاحتلال وأن يعمل هذا الإجماع على إحراج إسرائيل والضّغط عليها للعودة إلى المفاوضات بعوامل دعم إضافية وشروط محسنة للفلسطينيين أثناء عملية التفاوض، بالإضافة إلى تفويت الفرصة على إسرائيل في تنفيذ تهديداتها بالقيام بأيّ عملية ضمٍّ رسمية للمستوطنات داخل القدس و الضفّة الغربية إلى ملاك الدولة الإسرائيلية باعتبارها جزءًا من الدولة الفلسطينية المأمول إقرارها من الأمم المتحدة. ومع إدراكنا لأهميّة هذه النقطة قانونيًّا ودوليًّا، إلاّ أنها تغفل العديد من الأمور، وأهمّها من الناحية النضالية أنها تركّز على الجانب الدولي في حلّ القضية الفلسطينية وتهمل الجانب الذاتي الموضوعي لدور الشعب الفلسطيني والقوى المتحالفة معه في المساهمة في عملية التحرير بشكلٍ فاعل.

أمّا من الناحية السياسية والقانونية، فهذا التوجّه في حال نجاحه بأيّ شكل أقلّ من المتطلبات الفلسطينية. وفي حالة عدم تحقيقه الشروط المطلوبة من ناحية السيادة والحدود والقدس، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى دولة مشوّهة وسينتج عنه العديد من السلبيات والخسائر التي يمكن إيجازها بالتالي:

- إعلان الدولة الفلسطينية يعني قبول الفلسطينيين بهذه الدولة على 22% من أراضي فلسطين كشكل نهائي ومقبول ممّا يسفر عنه إلغاء حقّ الفلسطينيين في المطالبة والنضال لتحرير الجزء المتبقّي من فلسطين التاريخية أو ما أُطلق عليه اصطلاحًا أراضي الـ48 ويلغَى من القاموس أيّ وجود لفلسطين التاريخية.

- تثبيت وجود دولة إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين وإعطاؤها الشرعيّة والفرصة المناسبة لإعلانها كدولة يهودية ممّا يؤثّر سلبا في ما يقارب المليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون داخل أراضي الـ48.

- إعطاء فرصة لإسرائيل والمجتمع الدولي للتخلّص من مشكلة اللاّجئين الفلسطينيين على حساب الدولة الوليدة وإلغاء حقّ عودة اللاجئين إلى أراضيهم وقراهم المغتصبة.

- إلغاء كافة القرارات الدولية السابقة الخاصّة بالقضية الفلسطينية وفتْح المجال لمجلس الأمن المتحكّم فيه أميركيًّا لتفصيل دولة فلسطينية على المقاس الإسرائيلي وإجبار الفلسطينيين على القبول بهذا الحلّ أو بالحدّ الأدنى واعتماده مرجعية أساسية لأيّ مفاوضات مقبلة.

- اعتمادًا على طبيعة التحركات الدبلوماسية الإسرائيلية والأميركية المعارضة لهذا التوجّه والفلسطينية الضّاغطة باتّجاهه، فإنه يعطي الإسرائيليين فرصة ذهبية لاعتبار ما تمّ إعطاؤه للفلسطينيين قمّة العطاء الإسرائيلي، واعتبار إقرار هذه الدولة بغضّ النظر عن شكلها المتوقّع إنهاء تامًّا للصّراع العربي الإسرائيلي. ومن ناحية أخرى، فإنه يعطي السلطة الفلسطينية فرصة للهروب من الفشل الذّريع الذي وصلت إليه أوسلو والمفاوضات اللانهائية التي نتجت عنها، واعتبار هذا الحلّ قمة النضال الفلسطيني وإنجازا وطنيا تحرّريا. وفي هذا حيادٌ واضح للبوصلة الوطنية عن اتجاهها المفروض والمطلوب.

- فتْح المجال أمام الإسرائيليين للتحرك الدبلوماسي على جميع الاتجاهات والمطالبة بالتطبيع النهائي والسلام مع الدول العربية وإنهاء الحرج أمام المجتمع الدولي الناتج عن تعنّتها الواضح تجاه المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.

 بناءً على ما سبق أرجو أن لا يفهم الموقف كمعارضة لإنشاء الدولة الفلسطينية. فهذه الدولة هي حلم كلّ فلسطيني ومبتغاه. ولكن المطلوب هو أن تكون هذه الدولة متوافقة مع آمال الشعب الفلسطيني وتطلّعاته. وهذا لا يتأتّى إلاّ بإنضاج كافة الظروف الذاتية والموضوعية اللازمة لانتزاع هذه الدولة من الاحتلال الإسرائيلي وقيامها بشكلها المطلوب. وهذه الظروف غير متوفّرة حاليا، والانجرار نحو هذا المطلب في السياق الحالي لن يؤدّي إلاّ إلى دولة منقوصة السيادة ومتشرذمة الأطراف والحدود مع بقائها الفعلي تحت السيطرة العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية. والمطلوب أيضًا أن لا يكون التوجّه نحو المطالبة بإعلان الدولة هو الوسيلة الوحيدة للنضال ضدّ الاحتلال الإسرائيلي أو السبيل للعودة إلى مفاوضات عديمة الجدوى مرّةً أخرى، كما صرّح بعض مسؤولي السلطة الفلسطينية. بل يجب أن يكون أحد الوسائل النضالية التي تساهم في مجموعها في دفع عجلة التحرّر إلى الأمام وتشكّل عوامل الضغط الفاعلة على كلٍّ من إسرائيل والإدارة الأميركية.