العنوان هنا
دراسات 12 مايو ، 2019

لبرلة من دون ديمقراطية: دور العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية

محمد أحمد بنيس

أستاذ، المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، طنجة، المغرب.

ملخص

يحاول هذا البحث رصد دور العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية، والتحكم في مسارات اللبرلة التي انتهجتها السلطة، من خلال منعطفين اثنين: نهاية الحرب الباردة في نهاية ثمانينيات القرن العشرين، والربيع العربي مع بداية 2011. وبقدر ما ساهمت هذه العوامل في توسيع هامش اللبرلة في الحقل السياسي المغربي، ساهمت، أيضًا، في الحد من هذه اللبرلة (أحداث 11 سبتمبر 2001، وصعود محور الثورة المضادة بعد 2013)، ولا سيما في ظل غياب الإرادة لدى الفاعلين في الداخل لإنضاجها. صحيح أن هذه العوامل أحدثت ارتجاجات في هذا الحقل، لكن ذلك ظل في حدود معينة سمحت للفاعلين في الخارج (الولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات المانحة)، انطلاقًا من مصالحهم، بالتحكم في تحولات السياسة المغربية وتدبير تناقضاتها، ومن ثمّ توجيهها بما لا يشكّل بيئة محفّزة للتحول الديمقراطي في المغرب.

مقدمة

يهدف هذا البحث إلى مساءلة دور العوامل الخارجية في استقرار السلطوية المغربية. وإذا كانت الأنظمة السلطوية تقع في منطقة وسطى بين الأنظمة الشمولية والديمقراطية، فإن طبيعة التركيبة السياسية المغربية تجعل النظام أقرب إلى السلطوية. وقد كان من الأنظمة العربية القليلة التي أقرّت التعددية الحزبية مبكرًا، رغم أن ذلك ظل ضمن ما يُعرف بالسلطوية الملبـرلة التي تنهض على قيام النظام بإصلاحات لا تمسّ نواته الصلبة، وتسمح بانفتاح متحكَّم فيه.

تتجلّى هذه التركيبة في هيمنة المَلَكية على الحياة السياسية، مع ترك هامش للنخب والأحزاب، يضيق ويتسع بحسب ميزان القوى والسياق الإقليمي والدولي. وهو الأمر الذي يجعل السلطوية المغربية، في نظر البعض، نسقًا سياسيًّا وإداريًّا واجتماعيًّا، وهو النسق ذاته الذي تعرفه البلاد العربية رغم اتخاذه أشكالًا متنوعة، ما يجعل النظام المغربي أحد تنويعات السلطوية العربية.

ترتبط مقاربة آليات اشتغال السلطوية المغربية بسياق أوسع، يصبّ في البحث في إشكالات التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، خاصة بعد الربيع العربي الذي بقدر ما أعاد، إلى الواجهة، هذه الإشكالات، سلّط الضوء مجددًا على مشكلة صياغة المفهوم Conceptualisation المرتبطة بمدى تطبيق المقترحات والفرضيات التي صاغها مُنظّرو الجيل الأول من أدبيات التحول الديمقراطي على مناطق أخرى. بيد أن هذه المشكلة لا تنفي إجماع هذه الأدبيات على جدلية العوامل الداخلية والخارجية في التحول الديمقراطي. فمهما كان دور العوامل الخارجية فعالًا، فإنه لا يمكن تجاهل دور الفاعلين في الداخل وتحمّسهم لإنجاز هذا التحول، والدفع به قدمًا نحو الأمام. بيد على أهمية العوامل الداخلية، فإن تأثير العوامل الخارجية في عدد من التجارب كان له دور في توسيع آفاق نظرية التحول الديمقراطي، وإثراء مقارباتها.

مثّلت المنطقة العربية تحديًّا لبعض منظّري التحول الديمقراطي، وهو التحدي الذي سيزداد مع إخفاق معظم الثورات العربية في تحوّلها نحو الديمقراطية. وكما أسهمت العوامل الداخلية في هذا الإخفاق، كان للعوامل الخارجية دورها، أيضًا، في ذلك، خاصة فيما يتعلق بإحجام الغرب عن دعم هذه الثورات في تطلّعاتها الديمقراطية.


* هذه الدراسة منشورة في العدد 37 (آذار/ مارس 2019) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 7-25)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.