العنوان هنا
دراسات 10 سبتمبر ، 2018

كيف تُقاتِل "ولاية سيناء"؟ تحليل سياسي عسكري للأزمة السيناوية

عمر عاشور

أستاذ مشارك في الدراسات الأمنية والاستراتيجية، ومؤسس ورئيس برنامج الماجستير في الدراسات الأمنية النقدية بمعهد الدوحة للدراسات العليا. وهو مؤلف كتاب تحولات الحركات الإسلامية المسلحة (روتلدج، 2009) وكيف يقاتل تنظيم الدولة: التكتيكات العسكرية في العراق وسورية وليبيا ومصر (ادنبره وأكسفورد، 2020). عَمِل أستاذًا في جامعة اكستر (المملكة المتحدة) لعشر سنوات وفي جامعة ماكجيل (كندا) لعامين. وخدم كمستشار أول في الأمم المتحدة لشؤون إصلاح القطاع الأمني ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

تركز هذه الدراسة على تمرد ولاية سيناء، استنادًا إلى ما تقدمه الدراسات المختصة بحركات التمرد والثورات المسلحة. وتؤطر الدراسة الأسئلة الآتية: كيف دام تمرد سيناء الضعيف نسبيًا طوال هذا الوقت؟ ولماذا؟ وما تداعيات ذلك على سياسات مكافحة التمرد، ولماذا بقي التمرد، بل تمدد في أحيان عدة؟ وترتكز الدراسة على البحث في مسألة القدرة العسكرية للمسلحين ومواردهم، وتخبّط الجيش المصري النظامي في مكافحة التمرد، والبيئة السياسية التي تحتضن كلا العاملين. ومن ثم تنتقل إلى بحث الأنماط التكتيكية للتنظيم وإستراتيجيته الشاملة، لتستنتج أن فشل جهود مكافحة التمرد، واستمرار غياب المصالحة الوطنية، وعدم مراجعة سياسات مكافحة التمرد، وغياب الرقابة على السياسات العسكرية والأمنية، كلها عوامل تؤدي إلى تكريس بيئة يمكن لتنظيم ولاية سيناء أو مثيله البقاء فيها مدة أطول، وربما التمدد أكثر.

بدأ الجيش المصري في آب/ أغسطس 2011 عملية لمكافحة تمرد مسلح متصاعد في سيناء وإخماده، استهدف في البداية مدنيين وعسكريين إسرائيليين، إضافة إلى أنابيب للغاز. لكن خلال السنوات الست الماضية، استطاع هذا التمرد السيناوي توسيع نطاقه الجغرافي، وزيادة قدراته العسكرية، وزيادة كثافة عملياته ومددها، وتحسين نوعية إعلامه واتصالاته قبل أن ينحسر كل ذلك تدريجيًا منذ نهاية عام 2017. فكيف دام تمرد ضعيف نسبيًا طوال هذا الوقت؟ ولماذا؟ وما تداعيات ذلك على سياسات مكافحة التمرد؟ تحاول هذه الدراسة الإجابة عن هذه الأسئلة.

تمرد سيناء محيِّر لدراسات الثورات المسلحة ودراسات مكافحة التمرد على السواء، لأسباب عدة. أولًا، من الناحية الجغرافية، لا يُعدّ الساحل الشمالي الشرقي لشبه جزيرة سيناء منطقة وعرة، إذ تقع معظم جبالها المرتفعة في الجنوب، كقمتي جبل كاترين (8668 قدمًا) وجبل سيناء (7497 قدمًا)، بعيدًا عن مركز التمرد. وفي الواقع، حصلت اشتباكات في جبل حلال (5577 قدمًا) في وسط سيناء، لكنها لم تكن مسرح العمليات الرئيس. ثانيًا، سكان سيناء قليلٌ عددهم نسبيًا، إذ يبلغ عدد سكان محافظة شمال سيناء 434781 نسمة (40 نسمة في كل ميل مربع). وتحدث معظم المواجهات المسلحة في ثلاثة من مراكزها الإدارية الستة: العريش، والشيخ زويد، ورفح (وهي مراكز إدارية ساحلية منبسطة على البحر الأبيض المتوسط)، يقدر عدد سكانها بنحو 300 ألف نسمة تقريبًا. ثالثًا، الولاءات بين السكان متعددة؛ إذ يوجد تقريبًا في كل قبيلة أو عشيرة في الشمال الشرقي لسيناء أعضاء وأنصار للتمرد وكذلك مؤيدون، ومخبرون، وقبليون مسلحون موالون لقوات النظام. ولم تأخذ تلك الانقسامات حدودًا واضحة بين البدو والحضر، أو بين هويات قبلية أو جهوية - سيناوية؛ فكل من هذه التصنيفات يضمّ عناصر من كلا الجانبين. كما أن وحشية سلوكيات التنظيم وشدة تطرفه تنفران منه الشرائح المجتمعية المحيطة به. وأخيرًا، لا توجد رعاية للتنظيم من دولة معينة، فهو لا يتلقى دعمًا مباشرًا من أي حكومة في المنطقة، بما في ذلك سلطات حماس في غزة. ومن ناحية أخرى تحظى قوات الجيش بتفوق هائل يقارب 100 جندي وضابط لمسلح واحد في بعض الأحيان[1]، إلى جانب دعم الولايات المتحدة الأميركية في التدريب والتمويل والتجهيز والاستخبارات، والدعم الذي تقدّمه إسرائيل في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية والعمل الميداني (على المستويين التكتيكي والعملياتي). والسؤال الأساسي، بالنظر إلى كل ذلك: لماذا بقي التمرد، بل تمدد في أحيان عدة؟


* هذه الدراسة منشورة في العدد 33 (تموز/ يوليو 2018) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 7-21)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.