العنوان هنا
مراجعات 03 نوفمبر ، 2019

مراجعة كتاب فلسفة ابن باجة وأثرها لجورج زيناتي

عبد الحكيم شباط

باحث سوري، حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة هومبولت في برلين، متخصص في سوسيولوجيا ماكس فيبر، وفي الفلسفة الإسلامية، والفلسفة المعاصرة.

عنوان الكتاب: فلسفة ابن باجة وأثرها.

الكاتب: جورج زيناتي.

الناشر: الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019.

عدد الصفحات: 132 صفحة.

مقدمة

"أَيَّتُهَا الوحدةُ المغبطةُ، أَيَّتُهَا الغبطةُ الوحيدةُ" (ص 8). بهذه المقولة ذات الدلالة العميقة، في تجربة ابن باجة الإنسانية والفلسفية يمهِّد جورج زيناتي لكتابه القيّم: فلسفة ابن باجة وأثرها. والذي يمكن اعتباره  أحد أهم المباحث في الثقافة العربية المعاصرة، حول فلسفة ابن باجة،  إن لم يكن من زوايا متعددة المبحث الأهم. و كان هذا الكتاب قد صدر أولًا باللغة الفرنسية في عام 1979، ثم باللغة العربية عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سلسلة ترجمان، في عام 2019، وقد جاء الكتاب في سبعة فصول ومقدمة وخاتمة.

يُفصح المؤلف منذ السطور الأولى عن غايته العلمية من هذا العمل، قائلًا إنها محاولة إعادة بناء نقدية لتجربة ابن باجة الشخصية، والمهنية، والفلسفية، وتحديد تموضعه في تاريخ الفلسفة الإنسانية والعربية، وفق رؤية تحليلية تتبع المَسارب الفكرية السابقة عليه، والتي ساهمت في تكوين وعيه المعرفي والفلسفي، ثمّ تتلمس الأثر البالغ الذي تركه في مَن جاء من بعده؛ سواء في أوروبا أو في الشرق، ثمّ كيفية الإفادة منه في ثقافتنا المعاصرة.

إنّ الإجابة عن هذه الإشكاليات ليست بالأمر اليسير، والقارئ يدرك هذا منذ الفصل الأول، حيث إنّ التركة المعرفية للفيلسوف ابن باجة، تعرّضت غالبًا للتلف أو الضياع أو الإساءة المتعمدة، والذي نجا منها بقي مِزقًا هنا أو هناك، تحتضنه أرشفة المكتبات الخاصة والعامة، وتتناقله الأيدي بين اهتمام وإغفال، ومن ثمّة يدرك القارئ جسامة المهمة الفكرية البحثية التي اضطلع بها المؤلف، وعِظم الجهد المبذول لإنجاز كتابه. وهذا يتضح منذ الفصل الأول الذي يتناول فيه المفكّر زيناتي حياة ابن باجة ومؤلفاته، فالصورة النمطية التي وصلت إلينا من خلال عدّة طرق أشهرها عن ابن طفيل تُوحي بأنّ حياة ابن باجة كانت قصيرة، وبأنّ مشروعه الفلسفيّ غير مكتمل بسبب وفاته في ريعان شبابه، ولكن زيناتي يحاول دحض هذه الفرضية، ويبرهن على أنّ ابن باجة عاش حياة طويلة، وخاض تجارب متنوعة، وتقلّد منصب الوزارة أعوامًا عديدة، وعلى أنّ أفكاره الفلسفية وصلت إلى مبتغاها الذي أراده لها. يعرض الباحث في دحضه لتلك النظرية أدلة  متعددة ، ويقارن بين شهادات ووقائع تاريخية، عائدًا إلى  أبي بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل (1110-1185)، وأبي الحسن علي بن الإمام (1274-1349)، والفتح بن محمد بن عبيد الله بن خاقان (1087-1134)، وهي شهادات استجمعها جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي (1172-1248)، وأبو العباس أحمد بن محمد المقري (1578-1631)، ولسان الدين محمد بن عبد الله بن الخطيب (1313-1374) وغيرهم. ويتمثل الإسهام الذي يقدمه الباحث بأنه يعيد النظر نقديًا في هذه الشهادات ويطرح أبعادًا جديدة في تناولها،  منها مدى تأثرها بعلاقة أصحابها بابن باجة؛ فعمل الباحث هنا يشبه عمل علماء الحديث من حيث إخضاع الرواية للجرح والتعديل لترجح صدقيتها أو يشكك فيها.


* هذه المراجعة منشورة في العدد 30 من مجلة "تبيّن" (خريف 2019، الصفحات 139-144)، وهي مجلة فصلية محكّمة يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات وتُعنى بشؤون الفكر والفلسفة والنقد والدراسات الثقافية.

** تجدون في موقع دورية "تبيّن" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.