العنوان هنا
دراسات 17 يناير ، 2011

العلاقات المغاربية الإيرانية

الكلمات المفتاحية

طاهر الأدغم

ماجستير في الدراسات الإسلامية، أستاذ جامعي، قسم الدعوة والإعلام والاتصال، مدرب ومستشار إعلامي في المركز الجزائري للتدريب والتطوير. الجزائر العاصمة. كاتب في عدد من الصحف الجزائرية. باحث في مركز الرائد للدراسات والبحوث، الجزائر. سابقا. محرر في غرفة أخبار قناة العالم، طهران. سابقا. مراسل ومدير مكتب قناة الجزيرة في أفغانستان، سابقا. مراسل تلفزيوني من العاصمة الباكستانية إسلام آباد. سابقا. صحفي في عدد من المجلات والجرائد سابقا. له العديد من الكتابات في المجال الفكري والأدبي كما نشر العديد من المقالات في عدد من وسائل الإعلام المطبوعة.

 

 على مدار التاريخ الإسلامي تميزت منطقة المغرب العربي، أو الرقعة الجغرافية المعروفة بهذا الاسم الآن، بخلوها شبه التام من الفرق والمذاهب الدينية التي ظهرت في بلاد المشرق العربي وبلاد فارس وما كان يعرف بما وراء النهر.

الاستثناء الأول هو فرقة الإباضية (الخوارج) التي ظهرت بقوة إبان حكم الدولة الرستمية للمغرب الأوسط، الجزائر (754-909م) ثم تراجعت إلى تخوم الصحراء بعد سقوط الدولة، وهناك أقامت لنفسها حواضر بعيدة عن الاحتكاك المباشر بالآخرين. والاستثناء الثاني هو الشيعة الفاطمية الذين قضوا على الدولة الرسمتية عام 909م، وأسسوا دولتهم في المغرب الأدنى، تونس، لكنهم انتقلوا إلى مصر بعد ستين سنة تقريبا.

وتأسيسا على ما سبق تظل بلدان المغرب العربي بعيدة بعض الشيء عن ذلك السجال الذي عرفه ويعرفه المشرق العربي، أو ما صار يعرف بالشرق الأوسط. ذلك السجال الدائر حول العلاقة بين الشيعة والسنة، ومع إيران وتصدير الثورة والامتدادات المذهبية للجمهورية الإسلامية في عدد من دول الخليج، فضلا عن العراق ولبنان.

في ذلك السجال ظلت دول المغرب العربي بعيدة إلى حد كبير، ربما بقدر بعد المسافة عن إيران معقل المذهب الشيعي الإثني عشري ومساحة التجسيد العملي التطبيقي له خاصة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.

وحتى عندما تظهر بعض الفقاعات الإعلامية من حين لآخر، في هذه الدولة المغربية أو تلك، حول ما يوصف بالخطر الشيعي أو ما شابه ذلك، سرعان ما تختفي لأن الخطر الحقيقي غير مطروح، وأي تغلغل للمذهب الشيعي في بلاد المغرب العربي لا يمكن تصديقه أو تحقيقه بالسرعة أو الكيفية التي يتصورها بعض المتخوفين من الفكر الشيعي، أو بعض صيادي المياه العكرة الذين يستغلون أي شيء لإثارة الأصوات ضد إيران لأغراض تخدم في الغالب أجندات الآخرين.

ومع أن ظروفا وأحداثا قد أدت إلى اهتزازات في العلاقات المغاربية الإيرانية وصلت إلى درجة قطع العلاقات، كما سيأتي تفصيله مع حالة كل دولة مغاربية، فإن السنوات الأخيرة قد شهدت تطورا في العلاقات المغاربية الإيرانية، وطرحت تساؤلات وأثارت مخاوف بعض القوى الإقليمية والدولية ذات العلاقة المباشرة بقضية الصراع مع إيران وبرنامجها النووي وأجندتها المفترضة إقليميا ودوليا.

المثير للاستغراب في تحذيرات البعض أنهم يتحدثون عن فتح مراكز ثقافية وتبادل علمي أكاديمي وسينما وغناء وأسابيع ثقافية، وكأنّ الثقافة الفارسية الشيعية آلة كاسحة يمكن أن تجتاح بلدان المغرب العربي في سنين معدودة فيتسارع الناس فرادى و جماعات إلى إعلان الولاء وحتى البيعة العامة لولاة الأمر في الإمبراطورية الفارسية المفترضة.

يتم الحديث أيضا عن محور إيراني مغاربي تكون حصة الأسد في مغانمه للجمهورية الإسلامية، وهو أمر ليس مستبعدا من الناحية الشكلية، لكنه غير مقلق لهذه الدرجة لأن دول المغرب العربي أيضا لها من المصالح والأوراق ما يمكن أن تلعبه في هذا الشأن سواء في توازنات علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أو في توسيع علاقاتها التجارية والاقتصادية والبحث عن آفاق جديدة تكون إيران إحدى بواباتها.

في الحديث عن العلاقات المغاربية الإيرانية يقع التركيز عادة على علاقات طهران مع الجزائر والرباط، لأن هذين البلدين هما مركز الثقل في المغرب العربي، سكانيا ومن ثم سياسيا واقتصاديا وتجاريا.. ولأن علاقات أي دولة مع هاتين الدولتين الجارتين في الوقت ذاته مسألة صعبة ومعقدة إلى حد كبير، وإذا حدث فيها توازن وثبات فإن الدولة صاحبة تلك العلاقة تستحق وسام العبقرية الدبلوماسية.. والسبب هو قضية الصحراء الغربية التي تعدّ حجر الزاوية في أي علاقة سياسية، ومعروف لدى العام والخاص أن تلك القضية محل خلاف وتباين حاد في وجهات النظر بين الجزائر والمغرب.

العلاقات المغربية الإيرانية:

يمكن النظر إلى العلاقات المغربية الإيرانية عبر أكثر من زاوية لكن مثار التميز فيها هو لجنة القدس التي يرأسها الملك المغربي، والدور الإيراني في قضية فلسطين عامة وما يفرضه ذلك من تقاطع وتداخل وخلافات في وجهات النظر.

والأمر الثاني هو طبيعة النظام المغربي فهو ملكي يستند إلى مرجعية دينية ونسب علوي شريف، ويتمسك الملك بلقب أمير المؤمنين، وفي المقابل نجد نظام الجمهورية الإسلامية قام على أسس دينية وما زال، لكنه جاء على أنقاض حكم ملكي كان على علاقة وطيدة بالحكم الملكي المغربي.. وإذا كان المذهب الشيعي وفكر الإمامية يقوم على ركيزة كربلاء والإمامين الحسن والحسين ووالدهما الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فإن من بين الركائز التي يقوم عليها الحكم في المغرب هو الأصل العلوي.

جاء حكم الجمهورية الإسلامية الذي قابله المغرب بالرفض، ثم وصل التوتر بين الطرفين إلى درجات عالية عندما أعلن المغرب منح حق اللجوء السياسي لشاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي، وبلغ التوتر ذروته فانقطعت العلاقات بين البلدين تماما عام 1981.

وظلت العلاقات بعد ذلك متأرجحة حيث لم يطبّع المغرب علاقاته مع إيران عبر تبادل السفراء، إلا في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وتطورت العلاقات إلى حد معقول في بعض المراحل خاصة في عهد الرئيس الإيراني محمد خاتمي الذي شهد نشاطا دبلوماسيا إيرانيا متزايدا على المستوى السياسي والفكري، وكذلك في الحقل الديني حيث شارك عدد من علماء الدين الإيرانيين في الأنشطة والدروس الحسنية التي تعقد منذ أيام الملك الحسن الثاني في شهر رمضان كل عام.

وبعد وصول العلاقات إلى هذا القدر من التقدم أو (الانفتاح السياسي) عادت الخلافات من جديد بعد التصريحات التي أطلقها علي أكبر ناطق نوري، رئيس التفتيش العام بمكتب المرشد العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية، بمناسبة الذكرى السنوية للثورة الإسلامية مطلع عام 2009.

تصريحات حول البحرين وتبعيتها السابقة لإيران أدت إلى قطع العلاقات بين إيران والمغرب بعد تضامن الأخير مع البحرين واستعماله لعبارات اعتبرتها طهران غير مقبولة.

العلاقات الإيرانية الجزائرية:

في العلاقات الجزائرية الإيرانية يمكن أن نبدأ من النهاية، أو الحاضر، فعندما يُستقبل الوزير الأول الجزائري أحمد أويحى رسميا في طهران يوم 21 نوفمبر 2010 الماضي، قبل بدء أشغال اللجنة المشتركة بين البلدين. بتلك الحفاوة وتصل الزيارة إلى نهايتها حيث التوقيع على عدد من اتفاقيات الشراكة في مختلف المجالات كالسكن، والفلاحة، والتعليم العالي، وتوسيع الإطار القانوني لعمل رجال الأعمال البلدين، والخروج بخارطة طريق تؤطر العمل المشترك بين الجزائر وإيران على مدار السنتين المقبلتين. عندما تحدث كل تلك التطورات، خاصة في ظل الانقطاع في العلاقات الإيرانية المغربية واشتداد السجال حول الصحراء؛ فإن ذلك قد يعني الكثير على طريق السير إلى الأمام في هذه العلاقات.

البعض يعزو الأمر إلى رغبة إيران في أسواق جديدة تخفف عنها الحصار، وآفاق أرحب تقول من خلالها للولايات المتحدة وغيرها إنها بخير وعافية اقتصاديا ودبلوماسيا، ورغبة الجزائر في تلك العلاقات لأنها تدرك أهمية إقامة صلات وروابط مع دولة إقليمية واعدة في المنطقة من خلال طموحاتها النووية والاقتصادية والسياسية المعلنة على الأقل.

لكن ذلك التبريرغير كاف لأن الزيارات والنشاطات الأخيرة بين البلدين تؤشر إلى علاقات مقبولة على الأقل، إن لم تكن تطمح إلى مستوى أعلى وتجاوز مرحلة الحساسيات السابقة. خاصة أننا ندرك خلفيات أحمد أويحى، الوزير الأول الجزائري، السابقة حول إيران وعلاقاتها المفترضة بالإسلاميين في الجزائر، أو ذلك الوهم الذي ترسخ عند البعض في مرحلة زمنية سابقة، حيث كان الوزير الأول في ذلك الوقت ضمن الفريق الذي يُوصف بالمتشدد في ملف الحوار مع الإسلاميين.

كما يمكن الحديث في هذه العلاقات عن تأثير ذلك الهاجس المخيف الذي ساد بعض الأوساط ذات الصلة بمجريات الأحداث مع بداية التسعينيات، الخوف من كل شيء فيه كلمة إسلامي، أو يقال إن له أجندة في دعم الإسلاميين. حتى لو كان أشبه بالمزاح السخيف على غرار ما نشرته جريدة غربية معروفة من أن إيران وعدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بخمسة ملايين دولار إذا وصلت إلى الحكم. والسؤال: إذا وصلت فما حاجتها إلى الصدقة الإيرانية وقد صارت مقدرات الدولة بين يديها؟

"إيران مستعدة لوضع خبراتها في مجال الطاقة النووية تحت تصرف الجزائر". هذا ما قاله الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وهو يستقبل وزير الطاقة والمناجم الجزائري السابق شكيب خليل المبعوث الخاص للرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2006. رسالة لا بد أن المرسل كان يعي جيدا ما يقصد من خلالها ويخطط ويستشرف، وأن المرسل إليه أيضا قد قرأها بقدر الأهمية التي تنطوي عليها والمخاطر التي يمكن أن تحملها على علاقات دولة ما زالت تعاني هواجس فتنة دامية ومشروع حرب أهلية كان سيأتي على الأخضر واليابس لو قُدّر له النجاح.

العلاقات الجزائرية الإيرانية كانت متميزة في عهد الشاه فقد رعت الجزائر اتفاقا إيرانيا عراقيا حول الخلافات الحدودية، وسارعت الجزائر إلى الاعتراف بثورة الإمام الخميني ونظام الجمهورية الإسلامية، والمرحلة السوداوية الوحيدة في تاريخ العلاقات بين البلدين بدأت في عهد رئيس الوزراء الجزائري الأسبق رضا مالك الذي اتهم إيران بدعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ سياسيا وإعلاميا، وانتهى الأمر إلى قطع الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في مارس/آذار 1993 واتهام إيران بالتدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية. وتخلّت الجزائر عن رعاية المصالح الإيرانية في أميركا.

وعندما كانت سنوات الدم والنار تلفظ أنفاسها الأخيرة في الجزائر بدأت خطوات إعادة الدفء في العلاقات بين البلدين، حيث توجت بإعادة العلاقات الدبلوماسية في سبتمبر/أيول 2000 وتم تبادل السفراء في أكتوبر/تشرين الأول 2001.

وظلت علاقات البلدين تعرف المزيد من التنسيق والتقارب خصوصا أن الرئيس بوتفليقة أكد أكثر من مرة على حق حكومات الجنوب في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، مما يعني ضمنا الوقوف إلى جانب إيران في موضوع ملفها النووي.

ورغم الصورة النمطية التي عادة ما تُتداول داخل بعض دوائر الحكم الجزائرية ووسائل الإعلام التي توصف بالإستئصالية، والتي مفادها أن إيران دولة أصولية، فقد بدأ المواطن الجزائري يشعر بالوجود الإيراني في حياته اليومية من خلال السيارات والسلع والموسيقى والفن.

وهكذا نلاحظ بوضوح آثار العلاقة حيث تستفيد الجزائر اقتصاديا وتجاريا وتتمدد مشرقيا، وهو أمر يروق لبعض دوائر صنع القرار في السلطة لأنها غير مرتاحة لجهود البعض الذين دأبوا على سحب البلاد نحو الضفة الشمالية فقط ثقافيا وسياسيا واقتصاديا.
أما إيران فتستفيد الكثير حيث تدافع الجزائر عن سلمية المشروع النووي الإيراني أمام الولايات المتحدة التي تجمعها بالجزائر علاقات حسنة تتشابك فيها قضايا أمنية واقتصادية وسياسية.

عوامل ومؤثرات في مسار العلاقات المغاربية الإيرانية:

هناك عدد من المؤثرات والعوامل في مسار العلاقات المغاربية الإيرانية منها:

- دعاوي التشيع ونشر المذهب الشيعي في بلدان المغرب العربي.
- انتشار الفكر الوهابي السلفي خاصة في الجزائر وتأجيجه للرأي العام ضد الشيعة.
- التعاطف الشعبي مع حزب الله اللبناني وأي دولة أو حزب يدعم فلسطين عموما وغزة خصوصا.
- استمرار الجمود في هياكل اتحاد المغرب العربي مما يؤخر أي تنسيق في العلاقة المغاربية مع إيران.
- تصاعد التوتر في ملف قضية الصحراء الغربية واستغلال إيران له لاستمالة هذه الدولة أو تلك.