العنوان هنا
دراسات 17 يناير ، 2011

الأوهام والحقائق في العلاقات العربية الإيرانية

الكلمات المفتاحية

محمد حامد الأحمري

يكتب في القضايا السياسية والثقافية والإسلامية و الأدب، له مؤلفات منها: ملامح المستقبل، أقنعة الاحتلال، الحرية والفن عند علي عزت بيجوفتش، رؤية في المعضلة الشيعية، تخصص في التاريخ الحديث وكتب عن: العلاقات البريطانية الليبية 1939- 1952م، رسالة ماجستير، وله: الأحباس في مدينة الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي، رسالة دكتوراه. وتولى رئاسة التجمع الإسلامي لأمريكا الشمالية بين 1991-2003. يشرف على عدد من المواقع الإلكترونية ومنها موقع العصر.

 

هناك الكثير من الأوهام والحقائق المؤثرة في العلاقات العربية الإيرانية، من المهم تجليتها قبل الدخول في كثير من تفاصيلها، ويجري في كثير من الأحيان الإصرار على بقاء هذه القضايا ملتهبة ومختلطة، ومن أهمها أوهام أن العلاقات العربية-الإيرانية خلافات سياسية ومحلية وتاريخية وعقائدية وصرف النظر عن حقائق لاعبين آخرين بهذه العلاقات وإغراق مستمر في الأوهام المحيطة بهذه العلاقات.

ومن أهم هذه الأوهام أن يزعم المرء أنه يناقش سياسة لحكومة عربية مستقلة تجاه قضية كبيرة كهذه، ليس لأن طبيعة السياسة تعلقها بالطرف الآخر الخارجي المعادل أو الراجح في الكفة المضادة، كما هي طبيعة النقاشات السياسية ودراستها، ولكن لأنه يصعب رؤية وتحديد هذه السياسات لأن غالب التأثير فيها في مكان آخر خارج المكان المتحدث عنه أو مرتبط بطرف ثالث في العلاقة، قد يكون هو المؤثر الرئيس في العلاقة.

ثم إن ذلك يصبح أصعب على مراقب عربي ليس جزءا من حكومة أن يتحدث عن سياسة البلاد العربية في أي قضية، لأنه سيتحدث عن سياسات ينتقدها، ليس لخللها أو فسادها فقط، ولكن لأنه لا يراها معبرة بأي طريقة عن بلاده ولا عن قضايا سكان المنطقة وأحيانا لا تعبر عن حكامها أنفسهم إلى حد كبير، ولأن رؤية وتصور شعوب المنطقة ومثقفيها غير موجودة في الواقع السياسي ولا مستوعبة في سياق من السياقات إلا في مجال الجهد لتغييب مصالح الناس واشغالهم بمعارك ليست لهم. ولهذا يصعب القول بأن حكومات هذه البلدان تعبر عن قضايا المنطقة وتصوراتها ومصالحها.

ولعل من المهم التعرف على عدد من أهم المؤثرات في هذه العلاقة، ومنها:

المؤثرات الداخلية في المنطقة:

- آثار تلك اللحظة الثورية في إيران، وما تصنعه الثورات دائما بالشعوب الثائرة من ثقة وعزيمة ورغبة في التوسع، وتحول في اتساع رغبة الثوار أو طبيعة الثورات في ضرورة المواجهات مع الخارج بعد حسم المواجهات الداخلية، فكان لا بد من وجود مكان لتنفيس الانفجار الثوري البدني والثقافي في مكان ما، وكان العراق أولا، وكذا صعود القضايا المذهبية، وكان يوم القدس وكان الطمع في سحب الملفات والقضايا العربية وتحويلها إلى ملفات إسلامية إيرانية شيعية. وهذه قضايا مفهومة لدى دارسي قوانين الثورات إن كان لها فعلا هذه القوانين كما يرى "برنتن" في تحليله للثورات.

- الرصيد التاريخي لأمتين جارتين لم يصفُ الجو بينهما دائما، ولم يعد الدين قادرا على جمعهما بل تم استخدام الجغرافيا والتاريخ واللغة والمذهب والثروة والعلاقات الخارجية لإيقاد المزيد من الخلافات.

- الوهن المزمن في الحكومات العربية القريبة وعدم وجود مبادرات ذاتية لاجتثاث نوازع العداء، من خلال حكومات قوية وموثوقة وذات مصالح ذاتية تدافع عنها وتستطيع توضيحها للعالم، وهذا من مظاهر غياب الحياة السياسية تقريبا في العالم العربي.

- انشغال إيران بالقيم العقائدية والخطاب الثوري الظلامي عن التوجه لصياغة مواقف عملية، فشعارات مواجهة الاستكبار والعداء للغرب جعل اللجوء للواقعية والتعامل العقلاني صعبة المنال، ومتهمة في الداخل الإيراني.

- التوجه الإيراني وموقفه من الحكومات العربية فهو مبني على أن هذه النظم الموجودة تمثل النظام القديم "الشاه" الذي ولدت الثورة على أنقاضه، فيراها أنظمة غربية بواجهات محلية، مفروضة على الناس وليست منطلقة لا منهم ولا من ثقافاتهم ولا من حاجاتهم.

- ورثت الثورة من النظام القديم للشاه -وربما مما قبله- نزعة المضاورة والكراهية العنصرية التي يثيرها مرة آداب ونصوص قديمة، وتثيرها نزعات قومية مليئة بالعنصرية، وتراث الفرق الدينية وميراث التنافر التركي الصفوي الذي كانت العراق غالبا ميدان مواجهاته وغرب إيران عموما.

- الموقف من القضية الفلسطينية، وسواء كان موقفا لذات القضية وعقيدة راسخة أو مراعاة للتدين الشعبي، أو مجرد وسيلة ضغط وانتقام من الغرب، أو تفاوض أو توسيع لدوائر التأثير والأمن فإنه يبقى من القضايا والأسلحة المؤثرة على مختلف الأصعدة، ويوم والى الشاه الصهاينة كانت قضية خلاف مع العرب، ويوم ناصرت إيران الفلسطينيين كانت الحكومات العربية تتجه للصف الآخر فعادت القضية لتكون محطة خلاف، أو حجة لبعضه.

- السيطرة على مناطق عربية كجزر الإمارات، وابقاء التهاون في حل تلك المشكلات، بل وربما البحث عن المزيد من ممتلكات جديدة في أماكن أخرى في العراق.

ثانيا: المؤثرات الخارجية:

- الاحتلال الغربي لثروات وسياسة المنطقة، وقد أصبحت أمريكا تفاوض الصين على نفط الخليج والعراق في المحادثات الأخيرة للضغط على الصين حتى تقبل العقوبات على إيران، وتبني حكومات عربية للموقف الأمريكي من الصين، وتعويض ما ينقص من نفط إيران بسبب الحصار وقد أصبح النفط في المنطقة تقريبا ملكا لأمريكا وتحت هيمنتها بلا شريك.

- المصالح المشتركة الأمريكية الإيرانية في أفغانستان والعراق، وتعقيدات تدبير الصراع الدائم حولها.

- الموقع المؤثر المشترك للعرب والإيرانيين من تجارة العالم، إذ يعبر عبر مضيق هرمز 40% من نفط العالم يوميا، وموقع قلب العالم حضاريا وتجاريا، ففي هذه المنطقة طريق الحرير و كذا في هرمز.

- الوجود الإسرائيلي، وهو عامل مهم بالتعاون مع الغرب في صرف الاهتمام من شروره العظمى إلى توجيه الاتهام والخوف إلى إيران، وتحسين الوجه العنصري والاحتلالي لإسرائيل، فهي قضية أساسية أن تجد الشعوب والحكومات العربية نفسها مشغولة بإيران على الحدود، وصامتة عما يحدث داخلها.

- وهناك التحريض الموقد للخلافات دائما، وهنا انموذج صادر من قبل أحد الديبلوماسيين البارزين، نشر بالانجليزية وبالعربية في مجلة شهيرة ولعله نشر بالفارسية أيضا وهو يحرض بفجاجة الطرفين كلا على الآخرمن قبيل النقل عن العرب أنهم يرون أو يشبهون الإيرانيين بالأفاعي والكاذبين، والمهرطقين، ويزعم أن العرب يتذمرون من سؤال يسأله الإيرانيون دوما بقولهم: سيدي هل أنت مسلم أم سني؟ ثم ينتقل فيسب العرب على ألسنة الإيرانيين بأنهم بدو قوضوا حضارتهم الفارسية، ولغتهم حينا من الدهر، يتساءل لماذا يتباكى الإيرانيون على قضية عربية؟ ولماذا يوم القدس يكون في إيران، أليس لإبعاد الحكومات العربية عن شعوبها، وإثارة المقموعين ضد القامعين، وإعادة إثارة الثورة الإيرانية في المناطق المجاورة، وتخويف من إيران التي ستستمر وتسير على شرعة إزالة الملوك كما حدث في إيران 1979، ومن قبل العراق 1959، وليبيا 1969، وأثيوبيا 1974، وأفغانستان 1973[1] (نسي اليمن 1962) وما دامت الثورة الإيرانية قد قضت على حاكم يشاركهم في المذهب نفسه وعراقته لألفين وخمسمائة سنة، فكيف بملكيات لمن يجاورون ويضاورون، وكذا يثير المقال نفسه قضايا الغزوات منذ ما قبل الإسلام والفتح الإسلامي، وقضايا اختلاف اللغتين والتنافس عليهما، ومقولات إيرانية تسخر بالعرب يراها خالدة.

النفط

ولا يمكن الحديث في علاقات المنطقة مع إيران بعيدا عن محور مصدر الطاقة الدولية في المنطقة وهو النفط، وكونه سببا حقيقيا للتوترات، ومخفيا أحيانا، ثم إن النفط هوالقوة التي كان من المفترض أن تجلب المهابة والمنعة والقوة للسياسة في البلدان العربية ولكن هذه القوة جلبت ضعفا سياسيا واجتماعيا في دول المنطقة، فأصبحت النعمة آفة للاستقلال ونافية لوجود قرار سياسي لأهلها على أراضيها في أغلب حكومات المنطقة.

فكما يصّدر النفط بعيدا لأقاليم بعيدة فإن القرار السياسي أصبح يصدّر أيضا معه إلى القوى الحامية له وإلى مناطق الإستهلاك، وتهاجر علاقاته معه إلى بلاد المشتري أو المنقب وإلى مصالح الشركات المالكة أو حيث تودع العائدات، وتؤمن العملات، والعمولات، فتذهب بعيدا قوة بلاد النفط بل وتصبح مصدر ابتزاز ومخافة بحجج الحماية.

 وبهذا يصبح الحديث عن سياسة محلية ضربا من التنجيم أو التوقع، إلا في حال المعرفة بسياسة وتوجهات الخارج المهيمن، وهنا يصبح لزاما على الباحث أن يوجد محاولة جمع بين المتناقضات أي بين حقيقة العلاقات المدبرة للمنطقة من الخارج، وافتراض أن هناك سياسة محلية وهدف للعلاقات كما يجب أن تكون. وأتعس من البحث عن سياسة محلية ذلك البحث في النظريات السياسية المشهورة عالميا في العلاقات الدولية بين الحكومات لتجد تطبيقا مفترضا لها هنا.

ولأننا نتحدث عن بلدان ليست مستعمرات صريحة وليست حكومات مستقلة تماما، بل منزلة بين المنزلتين. بل وأحيانا تكون الحكومات المحلية "أقنعة للاحتلال" يتستر وراءها ليقول عندكم حكومة وطنية أو جيش، بينما الجيش لحماية الاحتلال والحكومات لتصدير المال و وزارات الخارجية والسفارات لتسليم السياسة للخارج.

وهناك لبس مقصود آخر وهو أن على دول الخليج ان تحمي الأمن الصهيوني بطريقة غير مباشرة من خلال تحميلها عبء مواجهة التسلح النووي الإيراني ومواجهة هذا التسلح بتحمل تكاليف ضرب إيران أمنيا، أو شراء المزيد من السلاح، في الوقت الذي يصبح التسلح النووي الصهيوني معصوما من النقد والنقاش إذ ليس أمن إسرائيل مما يجب ان تتحمل عبئه حكومات وشعوب المنطقة، فإذا كان السلاح النووي الإيراني خطرا فإن أخطر منه الترسانة الجاهزة والمعتدية التي تحتل أراض عربية وتشرد شعوبا، وتنتهك كل المنظومات الأمنية والسياسية للشعوب العربية، وبالتوازي يجب العمل على إنهاء الخطرين لا أن ندخل في منظومة الخطاب الصهيوني لنستهلك أنفسنا في مواجهة سلاح ربما هو غير موجود إلى الآن -كما يقرر الأمريكيون- وننصرف عن الشر المدمر القائم.

إن التهويل من الخطر الإيراني حقيقيا أو وهميا يهدف بشكل مباشر إلى تنصيب إسرائيل لتكون إدارة وعقلا سياسيا مدبرا للحكومات العاجزة، ونقل التأثير في القيادات والتوجيه لتعريف المصالح والمخاطر إلى الحكومة الصهيونية، وقد بدرت بوادر كثيرة جعلت الصهاينة يحتلون منطقة الفراغ السياسي الهائل في البلدان العربية التي ما إن جرّمت المشاركة السياسية والمعارضة، وحرمت شعوبها من كل حقوقها، فانتقل التوجيه والتخويف والتطمين والثقل السياسي إلى الخارج وتنازلت القوى العظمى بحكم الانحياز للصهاينة والبعد والتعقيد والتكاليف الكثيرة للتدخل التفصيلي فقد استطاع اليهود ملئ الفراغ السياسي الذي صنعته الحكومات العاجزة أو المشغولة بتدمير البنى السياسية في الداخل -وهناك استثناءات قليلة تخضع غالبا للقدرة الفردية للحاكم- في منطقة تحب أن تسلم نفسها للسياسة الأمريكية وحتى لو تركت لها الهيمنة الخارجية فسحة، أو إمكانا للمباردة، فإن بنيتها تحول دون ذلك لأسباب من العجر المستمر وعدم الثقة الذاتية، والخوف من دخول شعوب هذه المنطقة على خط الوعي والمشاركة في فهم وممارسة السياسة الدولية، فيصبح التجهيل والابعاد لأهل الحق عن حقهم في الفهم وممارسة الوعي السياسي هو في حد ذاته عنصر أساسي في السياسة الخارجية.

ومن المهم ملاحظة أن السياسة الإيرانية تجاه العرب ليست كلها سياسة إيرانية تجاه قضايا عربية، بل هي أحيانا كثيرة مواجهة للغرب على بلاد عربية ومجاورة لهم، واستمرار لخطاب ثقافي وبنية أساسية في المواقف الإيرانية، فقد قامت الثورة الإيرانية على مواجهة الاحتلال الغربي المقنع بقناع الشاه وعلى السيطرة على حكومتها وعلى ثروتها وعلى شعبها، ولم يكن غريبا أن تعتمد المواجهة كعقيدة من عقائد الثورة، فكانت كراهية أمريكا وقصة اسقاط حكومتها لمصدق عام 1953 تاريخا مهما عند الثورة، إذ يصف الخميني أمريكا "بالشيطان الأعظم" ويقول خامنئي: "إيران تحتاج إلى عداوة أمريكا" وفي رأي جنتي: "إذا وصل الموالون لأمريكا إلى الحكم لا بد أن نقول وداعا لكل شيء، وبعد كل ذلك فإن مضادة الأمركة من الملامح الأساسية للحكومة الإسلامية"[2]

ولا يستنكر الغموض والتخفي في السياسة الإيرانية فليست سياسة مفهومة دوليا؛ مما يجعل بعضهم يقول عن إيران إنه يجب البحث عنها تحت سؤال: "هل إيران قضية أم حكومة" أي أنها قضايا ومشكلات، وخصومات وعناد للمخاصمين، ومشكلات مذهبية وعنصرية وأن الإيرانيين يعرفون ما لا يريدون ويغيّبون أو لا يعرفون ما يريدون.

ومن المهم أيضا استيعاب حقيقة مستمرة منذ بدء الثورة وهي وجود تنوع واختلاف في السياسات والآراء حول أشياء كثيرة، وقد كان الخميني قادرا على حسم الخلاف لأسباب عديدة فإن الذين من بعده يشهدون مزيدا من التمزق وتعدد مراكز القوى، وسيزيد هذا مع تراجع أهمية جيل مؤسسي الثورة، وصعود الجيل الثاني الوارث الطموح والمختلف والأقل شرعية في البنية فتبقى السياسة والمال والعلاقات لا الخطاب المقدس مصدر مشروعيته أكثر تأثيرا.

ويأتي عامل مهم آخر وهو أن الصراع على الوصول إلى محبة الغرب ليس ثقافة عربية خاصة، بل لها جذور أقوى في إيران وقد يجد العرب أن الإيرانيين يسبقون الغرب متسلحين بحقائق جديدة هي ما حدث في العراق، وما نراه يحدث في أفغانستان، فإن الفشل الأمريكي في أفغانستان والفشل مع نتنياهو والأزمات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها الحكومة الأمريكية في كل مكان قد تعطي الدور لحكومات وشركاء أقوياء محليين ويشاركون في بعض المبادئ السياسية لتأمين النفط والاستقرار مقابل تنازلات من الطرفين، والتعاون على حل مشكلات أكثر إلحاحا.

وإذا كانت مشكلات العرب مع إيران كثيرة فليس من الحكمة أن نحمل فوق ظهورنا المزيد من أحقاد العالم الغربي وخلافاته مع إيران، ولنميز بين مشكلاته ومشكلاتنا، ولا يليق أن نكون قنطرة ولا ميدان معركة لتصفية خصومات الآخرين على حسابنا. ولا نستفيد من المزيد من توتير الأوضاع ولا إلى المزيد من الأحقاد، فإذا كان عقلاء الغرب يحذرون شعوبهم من مزيد من المواجهات والأحقاد بين أمريكا والعالم الإسلامي لأنه لم يعد بعيدا، فإننا أحوج لوعي هذا الدرس.

ومن هنا تجنب استخدام إعلام المنطقة للتغير في الثقافة الإيرانية من إسلامية إلى ليبرالية أو غربية فليست هذه معركتنا، بل تحميل لنا أن نقوم برغباتهم وإن أضرت بنا، لأنها قد تزرع بديلا قوميا غربيا متطرفا يصعب الحوار معه، بل قد يكون البديل الإيراني للحكومة القائمة قوميا متطرفا يتصالح مع الآخرين ويكون شرطيا للمنطقة إن لم يتحول إلى مالك لها متذرعا في تحالفه مع المحتلين الغربيين بالليبرالية ويقترب من إسرائيل وأمريكا على حساب البلدان العربية التي ستكون "نظاما قديما" في المنطقة.

ومن هنا ياتي دور الإحياء السياسي للوعي العام في الأمة العربية والمشاركة الشعبية الواعية في الحياة السياسية فلم تعد فقط مهمة للحكومات بل ضرورة وجودية. وليس من المعقول مزيدا من العبث المتطاول بصراعات مذهبية أو صراعات إسلامية وليبرالية في مواجهة أزمات كبرى كهذه. ولأن المنتج السياسي الإيراني القادم قد يكون خليطا من التيارين وإن كان يغلب أن تكون الحكومات القادمة في إيران أكثر علمانية وربما ديمقراطية قومية تتبنى سياسات أكثر براجماتية وتغربا.

وإن من المهم في هذه الظروف تشجيع أفكار واجتهادات التنوير والإصلاح والتجديد الفكري في المدرستين الشيعية والسنية، فهما كفيلتان بتخفيف المخاطر المذهبية والخلافات، إذ الاجتهاد يعني المزيد من التسامح، وإذا كانت كلمات قالها متطرف من الشيعة قد أثارت أزمة دينية واجتماعية فإن الموقف الذي برز من القيادات السنية والشيعية كان جيدا ضد التطرف المذهبي ويفيد في ايجاد أجواء نقية وصافية، وربما لم تكن له آثارا سياسية مباشرة ولكن كانت له أبعادا شعبية واسعة، ويصلح انموذجا لشكل من التعاون على مواجهة المتطرفين المثيرين ويقرب المسافات ويقلل من الأزمات، ويدل على أن الكثير عندما نكون نحن فقط أطرافه يمكننا التغلب على بعض مصائبه.

________________________________________
[1] هذا من التحريض مثلا ومنه في الموضع نفسه هذا في مقال كتبه من قال إنه كان رهينة سابق وعمل كنائب لمساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، ويدرس في الأكاديمية البحرية الأمريكية، في إيران جون ليبرت، في مجلة فورن بوليسي، ترجمته الجرية الكويتية، 6 ديسمبر 2010، واعادت نشره إيلاف على موقعها.
John Limbert, Foreign Policy.
[2] Sadjadpour, Karim. The Sources of Soviet Iranian Conduct George Kennan's Fifteen Lessons for Understanding and Dealing With Tehran, Carnegie Policy Outlook, December 2010