/ACRPSAlbumAssetList/2024-daily-images/iran-azerbijan1.jpg
دراسات 28 مايو ، 2024

العلاقات بين أذربيجان وإيران في ظلّ تحدّيات القومية التركية

بيرم سنكايا

أستاذ مشارك في العلاقات الدولية في جامعة أنقرة يلدريم بيازيد. حصل على الدكتوراه من جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، حيث عمل أيضًا بوصفه مساعد باحث (2002-2011). كان باحثًا زائرًا في جامعة كولومبيا (2007-2008) وجامعة طهران (2003). وشغل منصب باحث زميل غير مقيم، في دائرة الشؤون الإيرانية في مركز الدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط بأنقرة في الفترة 2014-2017. تشمل اهتماماته البحثية السياسة الإيرانية والسياسات الخارجية والأمنية لإيران وسياسات الشرق الأوسط والسياسة الخارجية التركية. وهو مؤلف كتاب The RevolutionaryGuards in Iranian Politics: Elites and Shifting Relations (Routledge, 2015).

مقدمة

شكّل استقلال جمهورية أذربيجان في تشرين الأول/ أكتوبر 1991، والنزاع الذي تبع تلك المرحلة بين أذربيجان وأرمينيا بشأن إقليم ناغورنو قره باغ، مجموعة جديدة من التحدّيات للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وكان أحد هذه التحدّيات أنّ إيران باتت تواجه نزاعًا عسكريًا بين دولتين مجاورتين لها، ما أدّى إلى نشوء حالة من عدم الاستقرار قرب حدودها، سرعان ما لبثت أن تحوّلت إلى نزاعٍ طويل الأمد. صحيحٌ أنّ إيران ادّعت وقوفها على الحياد، إلّا أنّ أذربيجان اتّهمتها بتقديم دعمٍ ضمنيٍ لأرمينيا. أمّا التحدي الآخر، فتمثّل في صعود أبو الفضل إلجي بيك الشيبي إلى السلطة في باكو في حزيران/ يونيو 1992، ما أشعل فتيل ما يُسمّى بتهديد القومية التركية؛ تهديدٌ يُزعم أنه كان يستهدف السلامة الإقليمية الإيرانية. وكان الشيبي قوميًّا تركيًا مندفعًا، تنبّأ بسقوط إيران وأيّد "توحيد أذربيجان مع أذربيجان الجنوبية" (الواقعة في إيران)، ما أثار قلق المسؤولين الإيرانيين بشأن المخاطر الأمنية التي قد تنشأ عن أذربيجانَ قويّةٍ ومستقلّة. ومع ذلك، كانت العلاقات التي تربط بين باكو وطهران علاقات عملية، بخاصةٍ بعد استبدال الشيبي بحيدر علييف رئيسًا لأذربيجان في عام 1993. وعلى الرغم من التوترات العرَضية التي سادت بين الدولتين المتجاورتين بشأن الترويج الإيراني المزعوم للإسلام السياسي، وتعزيز إيران أنشطتها الاستخباراتية داخل أذربيجان، فضلًا عن الدعم الإيراني لأرمينيا في ما يتعلّق بنزاع قره باغ، ودعم أذربيجان المزعوم للقومية العرقية بين الأذريين الإيرانيين، فإنهما تمكّنتا من الحفاظ على علاقات مستقرة وعملية نسبيًا.

لكنّ العلاقات بين باكو وطهران شهدت توترًا ملحوظًا، وذلك مباشرةً بعد حرب قره باغ الثانية (27 أيلول/ سبتمبر - 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2020)، التي أطلقت عليها أذربيجان أيضًا اسم "حرب الـ 44 يومًا". وقد انتهت بتحرير أذربيجان للأراضي التي كانت قد احتلّتها القوات الأرمينية سابقًا. واستشاطت أذربيجان غضبًا من نشر إيران قوّاتٍ إضافيةً قرب حدودها معها، فضلًا عن المناورات العسكرية المتكرّرة التي تجريها إيران. في المقابل، رأت إيران أنّ العلاقات المتنامية بين أذربيجان وإسرائيل تشكّل "تهديدًا صهيونيًا" يقترب تدريجيًا من أراضيها. وأخيرًا، وردًّا على الهجوم على سفارة أذربيجان في طهران في كانون الثاني/ يناير 2023، علّقت أذربيجان أنشطتها الدبلوماسية، وسحبت دبلوماسيّيها من طهران. وبعد ذلك، اتّهمت باكو طهران بأنّها تُنشئ خلايا مسلّحة في أذربيجان، وأعلنت أنّ بعض الدبلوماسيين الإيرانيين "أشخاص غير مرغوب فيهم". وردّت إيران على هذا الإجراء بالمثل، لتكشف عن حدّة التوتر بين الدولتين.

تتناول هذه الدراسة تطوّر العلاقات بين أذربيجان وإيران بعد حرب قره باغ الثانية. وترى أنّ التوتّرات الأخيرة بينهما ناجمة عن عاملين مرتبطين. العامل الأول هو التحوّل الجيوسياسي في جنوب القوقاز الذي يتعارض ومصالح إيران؛ فقد كسرت الحرب حالة الجمود السابقة بين أذربيجان وأرمينيا، وجعلت الأولى القوة المهيمنة في المنطقة إلى جانب تركيا. أما العامل الثاني، فيتمثّل في إعادة إحياء هاجس فكرة القومية التركية، الذي خيّم على العلاقات بين باكو وطهران طوال القرن الماضي. وإضافةً إلى ذلك، فإنّ تصاعد النفوذين الأذري والتركي في جنوب القوقاز، ووجود ما يقارب من 25 مليون شخص ناطقين باللغتين التركية والأذرية في المنطقة الشمالية الغربية من إيران، والتي تُعرف بأذربيجان الإيرانية، قد أثبتا أنهما مصدران للتوتّر في العلاقات بين أذربيجان وإيران. وغالبًا ما تحدّث أعضاء من النخبة الأذرية، الذين تربطهم علاقات وثيقة بالرئيس السابق الشيبي، عن تقسيم إيران وتوحيد أذربيجان مع أذربيجان الجنوبية. وقد أدى هذا الأمر إلى تأجيج مخاوف طهران من أن تسعى باكو إلى تحريض الحركات القومية العرقية بين الأذريين الإيرانيين. وأدّت أيضًا السياسات القومية التركية أو القومية الأذرية المزعومة التي اعتمدتها باكو إلى إضفاء الطابع الأمني على العلاقات بين البلدين.