مقدّمة
تنبع المشكلة قيد التّناول هنا من سؤالٍ يكاد يكون فقد أهمّيته، لكثرة ما طُرح في العالمين العربيّ والإسلاميّ: لماذا يبقى الانطباع قائمًا بعدم وجود اختلاف بين موقفَي كلٍّ من الحزبين الديمقراطيّ والجمهوريّ بشأن الشّرق الأوسط، حتّى أنّه بالإمكان اعتبارهما متماثلين في بعض الحالات، على الرّغم من تناوبهما على السّلطة، وعلى الرّغم من الخلافات الأيديولوجيّة الخاصّة بأرضيّتهما الاجتماعيّة وقواعدهما الانتخابيّة؟
لمعالجة هذه المشكلة، نقترح مفهومًا لم يُستخدم على نطاقٍ واسع في تحليل العلاقات الدوليّة: الأطر المرجعيّة. إنّه مستمدٌّ من بحوث عالم الاجتماع تالكوت بارسونز. لماذا يعدّ هذا المفهوم مهمًّا في هذا السّياق؟ إنّه بالفعل مهمّ لأنّ هناك من بين العناصر التي لا تـُلاحظ بسهولة في العلاقات الدوليّة والتي، مع ذلك، تمارس تأثيرًا في المواقف في الولايات المتّحدة والشّرق الأوسط، ما يدعوه علماء الاجتماع بالأطر المرجعيّة ضمن النّموذج الوظيفيّ والتفاعليّ functionalist and interactionist paradigm. إنّ هذه الأطر المرجعيّة موجودة في كلّ المجتمعات. وهي تواجهنا في كلّ مرّة نتناول فيها موضوع النّخبة أو الطّبقة الحاكمة. سنسعى في الصفحات التالية لإظهار أنّ الصّعوبات الأولى التي واجهت سياسة الرّئيس جورج دبليو بوش في الشّرق الأوسط، وخاصّةً في مزاعمها عن الديمقراطيّة والهندسة الاجتماعيّة والتّنمية السياسيّة في المنطقة ربّما لا علاقةَ لها بالإستراتيجيّات الواسعة النّطاق والسّياسة الحكوميّة، إن هي كانت مرتبطة بعقول الناس وعلم النّفس والسّلوك. وهكذا فإنّ التحدّث بلغةٍ مشتركة لا يؤدّي بالضرورة إلى تحميل الكلمات المعنى نفسه. تكمن المشكلة في اختلاف الأطر المرجعيّة[1].
[1] Talcott Parsons, The Structure of Social Action, (New York: The Free Press, 1968), Volume 1: 28.