العنوان هنا
مقالات 28 نوفمبر ، 2012

ما الذي يجري في الكويت؟

الكلمات المفتاحية

سعد بن طفلة العجمي

تحصّل على درجة الدكتوراه في اللغويّات النظريّة من جامعة مانشستر في إنجلترا عام 1992، وهو حاصل على درجة البكالوريوس في اللغة الإنجليزيّة وآدابها من جامعة الكويت عام 1981. يعمل حاليًّا أستاذًا للّغويات والإعلام في جامعة الكويت. تحصّل على جائزة التدريس المتميّز في جامعة الكويت (2008). تولى منصب وزير الإعلام والثقافة في حكومة الكويت (1999-2000)، وعمل قبل ذلك في عددٍ من المواقع الأكاديميّة والسياسية، منها أستاذ اللغويات في جامعة الكويت، ومدرّس للّغة العربيّة في جامعة مانشستر في إنجلترا، ومستشار الشعبة البرلمانيّة في مجلس الأمّة الكويتي. أسّس إدارة الترجمة والترجمة الفوريّة في البرلمان الكويتيّ. وعمل مديرًا للمركز الإعلاميّ الكويتي في لندن (1997-1999).عضو لجنة الـ45، ورئيس المجلس الاستشاري للديمقراطيّة والانتخابات - السويد، وعضو مؤسّس للجمعيّة الكويتيّة لحقوق الإنسان، ومؤسّس للتجمّع الديمقراطي الكويتي، ومؤسّس للتحالف الديمقراطي الكويتيّ، وعضو في مظلّة العمل الكويتي (معك) وعضو المعهد الملكي البريطاني، ورئيس مجموعة مراقبة الخليج. رأس مجموعة تشكيل للإعلام (2004-2008)، وعضو مجلس أمناء مدرسة "ريبتون" البريطانية - دبي، ونشر أوّل جريدة إلكترونيّة في الكويت. له مقالات في عددٍ من الصّحف المعروفة، مثل "القبس" الكويتيّة، و"الجلف نيوز"- دبي، و"الشرق الأوسط" اللندنيّة و "الاتّحاد" الظبيانيّة، و"المدى" العراقيّة.

أعتقد أنّ من النزاهة الاعتراف للقارئ الكريم بدايةً أنّ كاتب هذه المقالة منحازٌ علنًا، ولديه وجهة نظرٍ يعبّر عنها بشأن ما يجري في الكويت، والمشهد باختصار أنّ الحكومة دعت إلى انتخابات يوم السبت المقبل أوّل كانون الأوّل / ديسمبر، وهي الانتخابات التي قرّرت معظم القوى السياسيّة الفاعلة مقاطعتها ودعت الشّعب الكويتيّ إلى مقاطعتها. وكاتب هذه المقالة من الدّاعين إلى المقاطعة كذلك.

لقد دعت الحكومة إلى انتخابات لاختيار أعضاء مجلس الأمّة، في ضوء تعديلٍ للقانون الانتخابيّ، انفردت بوضعه الحكومة ورأت فيه المعارضة ومعظم القوى السياسيّة - بما في ذلك تلك القريبة من الحكومة - انفرادًا غير دستوريّ بتعديل القانون خارج البرلمان. وينصّ التعديل على أن يعطي النّاخب صوتًا واحدًا بدلا من الأصوات الأربعة التي كان يمنحها له القانون السابق الذي أقرّه البرلمان في عام 2006، وجرت انتخابات 2008 و2009 وشباط / فبراير 2012 بناءً عليه.

ودافعت الحكومة عن قيامها بتعديل نظام التّصويت من دون عرضه على البرلمان، مشدّدةً على أنّ للأمير الحقّ المطلق في تعديله بموجب المادّة 71 من الدستور الكويتيّ ونصّها: "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمّة أو في فترة حلّه، ما يوجب الإسراع في اتّخاذ تدابير لا تحتمل التّأخير، جاز للأمير أن يُصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوّة القانون، على أن لا تكون مخالِفة للدّستور...".

وقد تمحور الجدل الدستوريّ بين المعارضة والحكومة حول مسألة "الضرورة" التي ترى الحكومة أنّها ملحّة لمعالجة مثالب الانتخابات الكويتيّة الكثيرة، بينما ترى المعارضة أنّ بإمكان الحكومة الانتظار حتّى انتخابات مجلس الأمّة وفق النّظام القائم (أربعة أصوات في خمس دوائر). وقد عبّر عن ذلك العديد من أقطاب المعارضة، فقال النائب السّابق الدكتور فهد الخنة: "إنّ قانون الانتخاب لم يكن حادثًا ولم يُحدث شيئًا جديدًا وليس هناك فراغٌ تشريعيّ أو سببٌ آخر يستوجب الإسراع باتّخاذ تدابير لا تحتمل التأخير فقانون الانتخاب صدر في عام 2006 وتمّت انتخابات مجلس 2012-2009-2008 على أساسه لم يحدث جديد يوجب الإسراع بإصدار مرسوم الضرورة، بل إنّ الحكومة لم تقدّم أيّ مشروع قانون جدّي طوال المدّة السابقة والمجالس المتعاقبة لتعديل قانون الانتخاب وإن كانت ترغب في تعديله للصّوت الواحد أو أكثر فهو حقّها ولكن من خلال مجلس الأمّة والإجراءات التشريعيّة الأصيلة وليس عن طريق الاستثناء بإصدار مرسوم ضرورة لا تنطبق عليه شروط الاستثناء الدستوريّ..."[1].

في الجهة المقابلة من المشهد، سيّر المعارضون للتعديل الذي أدخلته الحكومة على القانون الانتخابيّ المسيرات بالآلاف، وحدثت صدامات بين قوّات الأمن والمتظاهرين، وجُرح عددٌ من المتظاهرين وبعض رجال الشّرطة بحسب ادّعاء الحكومة، واعتُقل عددٌ من المتظاهرين.

 من جانبه، كرّر أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مرارًا أنّ التعديل مسألة دستوريّة، وأنّ المحكمة الدستوريّة وحدها يمكن أن تبتّ في دستوريّته، وتقضي بوقف العمل به في حال وجدته غير مطابقٍ لأحكام الدستور، وحينها سوف يوافق الجميع على حكم المحكمة الدستوريّة. وقد توجّه بعض المعارضين فعلًا إلى المحكمة الدستوريّة للطّعن في عدم دستوريّة مرسوم تعديل القانون الانتخابيّ، وهو ما ينتظر أن تبتّ فيه المحكمة الدستوريّة بعد الانتخابات.

يرى المعارضون أنّ تعديل نظام التصويت في القانون الانتخابيّ ما هو إلّا حلقة في سلسلة من تعدّيات النظام الحاكم في الكويت للدّستور الذي أُقرّ قبل خمسين عامًا (1962)، ويسردون قائمة بهذه الانتهاكات، بدءًا بتزوير الانتخابات في عام 1967، وتعطيل الدستور وحلّ البرلمان في عام 1976، ثمّ تعطيل البرلمان في عام 1986، وطرح بديل له في عام 1990 سُمّي "المجلس الوطنيّ" الذي رأت القوى الدستوريّة أنّه برلمان شكليّ منزوع الصلاحيّات، وعدّت تنصيبه اعتداءً على الدستور وتزويرًا لإرادة الشّعب. وقد نظّمت المعارضة حينها ندواتٍ وتجمّعات سُمّيت "دواوين الاثنين"، ووقعت صدامات بسيطة، لكن الحكومة سارت في ترتيب انتخابات المجلس الوطنيّ التي قالت المعارضة حينها إنّ 70% من الناخبين قاطعوها، بينما قالت المصادر الحكومية إنّ أكثر من 60% شاركوا فيها.

ثمّ جاء الغزو العراقيّ للكويت في آب / أغسطس1990، فالتفّ الشعب حول قيادته الشرعيّة متناسيًا خلافاته الدستوريّة، وعُقد مؤتمر شعبيّ في جدّة في تشرين الأوّل / أكتوبر عام 1990 برئاسة أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، وبمشاركة القوى السياسيّة المعارضة كافّة، وتعهّد المشاركون في المؤتمر - حكومةً وشعبًا - بالالتزام بالدستور وعودة مجلس الأمّة بعد التّحرير، وهو ما تحقّق بعد تأخيرٍ حكوميّ لم يدم طويلًا، إذ جرت انتخابات مجلس الأمّة في تشرين الأوّل / أكتوبر 1992، أي بعد مؤتمر جدّة بسنتين.

 واستمرّت العلاقة بين مجلس الأمّة والحكومة في شدٍّ وجذب، فالحكومة ترى أنّ مجلس الأمّة معوِّق للتّنمية ومصدر تأزيمٍ وتوتيرٍ للبلاد، فيما ترى المعارضة والقوى السياسيّة أنّ الحكومة (ومن ورائها الأسرة الحاكمة في الكويت) لا تلتزم بمبادئ الديمقراطيّة، وأنّها تنصّلت من التزاماتها في مؤتمر جدّة. واستمرّت التجاذبات بين الطّرفين باستجوابات، ومماطلات حكوميّة في الإصلاح. وتجمّد المشهد بتكراره: حلّ المجلس وانتخابات جديدة، وتدخّلات في الانتخابات، ومماطلة في الإصلاح، ومجلس لا يستطيع ممارسة صلاحيّاته لعدم احترام الدستور والالتزام بجميع موادّه. في المقابل، استقالت حكومات تسع أُلّفت على مدى ستّ سنوات، وكلّ واحدة لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها. وبدأت روائح المال السياسيّ تزكم الأنوف: تضخّم الحسابات البنكيّة لنوّاب بالملايين، وجميعهم مؤيّدون للحكومة ولرئيسها السابق الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، وتحويلات "مشبوهة" بمئات الملايين لحسابات لم يجر التحقّق من أصحابها. واستقال ابن حاكم الكويت الأسبق الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح من الحكومة احتجاجًا على تلك التحويلات المشبوهة عبر السّفارات الكويتيّة التي لم يكن يعلم عنها شيئًا وهو الذي كان شغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجيّة في حينه[2].

بلغ الاحتقان السياسيّ ذروته بعد ذلك، وبدأ يبرز تيّار جيلٍ شابّ جديد، يرى في مجلس الأمّة أداةً غير فعّالة مع بقاء الأمور على ما هي عليه. وصار هذا التيّار يطالب بمزيدٍ من الإصلاحات السياسيّة التي تمنح المزيد من الحرّيات على حساب النظام، وهو ما يتيحه الدّستور في مادّته 175:

"الأحكام الخاصّة بالنظام الأميريّ للكويت وبمبادئ الحرّية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصًّا بلقب الإمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرّية والمساواة".

ورفْع الاحتجاجات المعارضة شعار "ارحل" ضدّ رئيس الوزراء الكويتيّ السابق - الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح - في عام 2009، قبل ثورات الربيع العربيّ، وقبل أن يحرق محمد البوعزيزي نفسه في تونس (17- 12 - 2010).

 وقد انتهجت الحكومة وقتها سياسةً عدّها معارضوها نهجًا قمعيًّا بالتصدّي العنيف للاحتجاجات والملاحقة والاعتقال ومحاولة إسكات المعارضة بالترغيب والترهيب، فهاجمت قوّات الأمن ديوانيّة النائب الدكتور جمعان الحربش (8-12-2010)، وتعرّض للسّجن كتّابٌ ومحامون وأساتذة جامعيّون أبرزهم الدكتور عبيد الوسمي، أستاذ القانون والنائب السابق في البرلمان المنتخب في شباط / فبراير 2012. كما سُجن عددٌ من الناشطين والمغرّدين من الحركة الشبابيّة. ويكاد لا يمرّ أسبوع من دون اعتقال مغرّد أو ناشطٍ سياسيّ بتهم أمن دولة: التعدّي على أمير البلاد وزعزعة استقرارها.

 وقد تشكّلت حركة شعبيّة مناهضة لهذا النهج الحكوميّ الجديد. وجاءت ردّة فعلها برفع سقف المطالب إلى المطالبة بالحكومة الشعبيّة والإمارة الدستوريّة التي تعطي آل الصباح الإمارة وتعطي الحكومة للشعب عبر ممثّليه المنتخبين. وكان بعض هذه الحركات الشبابيّة مؤقّتا، مثل "كافي"؛ وحركة "ارحل"؛ وشباب السور الخامس؛ وشباب "حراك"، وبعضها استمرّ مثل الحركة الديمقراطيّة المدنيّة "حدم"؛ ومظلّة العمل الكويتيّ "معك". كما شُكِّلت جبهات عمل عامّ، مثل "نهج" (غالبية تنظيماتها من الإخوان المسلمين وبعض أطراف الحركات السلفيّة)، وجبهة العمل الوطنيّ، وغيرها.

بدأ تيّار الحركات الشعبيّة والشبابيّة يعمل على بلورة مطالب إصلاحيّة أساسيّة، ويرفع مطالب جوهريّة برحيل رئيس الوزراء المتّهم بالفساد ورحيل مجلس الأمّة أيضًا، الذي رأى فيه المتظاهرون "عارًا" برلمانيًّا بسبب ما عُرف بفضيحة "القبِّيضة" التي تمثّلت في تضخّم الحسابات البنكيّة للنوّاب الذين ساندوا رئيس الوزراء السابق بملايين الدنانير الكويتيّة (الدينار الكويتيّ يعادل نحو 3.5 دولار أميركيّ). وما كان من أمير البلاد إلّا أن تجاوب مع مطالب الشعب الذي خرج بالآلاف مطالبًا برحيل مجلس الأمّة ومجلس الوزراء معًا، فقرّر حلّ المجلسين في تشرين الثاني / نوفمبر 2011.

ألّف الشيخ جابر المبارك الصباح بعد ذلك حكومةً جديدة، وأصدر مرسومًا بالدعوة لانتخابات شباط / فبراير 2012، والتي نتجت منها أغلبيّة معارضة للحكومة بلغت خمسةً وثلاثين نائبًا معارضًا من أصل خمسين يشكّلون مجلس الأمّة الكويتيّ. وبدأ المجلس الجديد تشكيل لجان تحقيق في قضايا فسادٍ ضخمة، وردت فيها أسماء وزراء ونوّاب سابقين إضافةً إلى رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد.

في هذه الأثناء، كانت قضايا دستوريّة قد رُفعت أمام المحكمة الدستوريّة بعدم دستوريّة الدعوة لانتخابات شباط / فبراير 2012، وجاء حكم المحكمة الدستوريّة إثرها مدوّيًا كالصاعقة في حزيران / يونيو 2012 بإبطال مجلس الأمّة الجديد ذي الأغلبيّة المعارضة، لأنّ الدعوة إلى الانتخابات التي انبثق عنها كانت من حكومة غير دستوريّة، إذ لم يجر تأليفها من جديد بعد استقالتها، ولم تؤدّ القسَم الدستوريّ أمام البرلمان.

قوبل هذا الإبطال الدستوريّ بمعارضة شعبيّة وبرلمانيّة، ولكن الجميع انصاع للأمر وإن كان انصياع المعارضة على مضض. وبدأت الحكومة حملةً شعواء ضدّ القانون الانتخابيّ عبر مؤيّديها وإعلامها، الذين ألصقوا بهذا القانون تهمًا عديدة من قبيل أنّه يكرّس الطائفيّة والقبليّة والواسطة والمحسوبيّة، بل وحتّى شراء الأصوات! ووافقت المعارضة الحكومة على ضرورة التعديل بما يضمن العدالة والنزاهة وينهي الظواهر السلبيّة للنظام الانتخابيّ السابق، شريطة أن يمرّ التعديل عبر البرلمان. وذكّرت المعارضة أنّها حاولت أكثر من مرّة تعديل القانون الانتخابيّ عبر البرلمان من دون جدوى وفي غيابٍ حكوميّ واضح. وبدأت المعارضة استباق الأجواء لإدراكها نيّة الحكومة من تعديل نظام التصويت في القانون الانتخابيّ، فأطلقت حملة لجمع التوقيعات الشعبيّة لوثيقة تسمّى "وثيقة الأمّة" في رمضان الماضي، ويتعهّد موقّعو الوثيقة بمقاطعة الانتخابات إن عدّلت الحكومة القانون الانتخابيّ خارج إطار الدستور وخارج مجلس الأمّة، في مخالفةٍ للمادّة 79 من الدستور التي نصّها: "لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمّة وصدّق عليه الأمير".

وأصدرت المحكمة الدستوريّة حكمها في دعوةٍ رفعها بعض المعارضين، وقضت بالإبقاء على الدوائر الانتخابيّة الخمس كما هي ما لم يجر تعديلها في البرلمان. ولكن الحكم أبقى الباب مواربًا - بحسب فقهاء الحكومة الدستوريّين - في شأن حقّ الحكومة في تعديل نظام التّصويت، وهو ما قامت به الحكومة، فكان القشّة التي قصمت ظهر أيّ أمل للتّوافق بين الحكومة والمعارضة.

سيّرت المعارضة مسيرات شعبيّة احتجاجًا على ما أسمته انقلابًا على الدستور، وتلاعبًا بإرادة الناخبين خارج إطار الدستور. وكشاهد عيان، كان قريبًا من الحدث في أكثر من نقطة لتجمّع المتظاهرين، أقول إنّ الكويت لم تشهد في تاريخها مسيرات بحجم تلك المسيرات، وخصوصًا تلك التي سُمّيت "مسيرة وطن1" في 21 تشرين الأوّل / أكتوبر الماضي. وقامت قوّات الشغب بإطلاق القنابل الصوتيّة والقنابل المسيلة للدموع وضرب المتظاهرين، واعتقال عددٍ منهم، وبالذات النّاشطين منهم، ووُجّهت تهم لهم ولنوّابٍ معارضينَ أبرزهم المعارض الشعبيّ المعروف مسلم البراك الذي قُدّم للمحاكمة بتهم الإساءة للأمير ولمسند الإمارة.

في المقابل، وقفت القوى السياسيّة الشيعيّة بشكلٍ عامّ إلى جانب الحكومة، مع استثناءاتٍ محدودة لقوى شيعة تعارض الحكومة[3]. وهناك أيضًا قوى يسمّيها المعارضون "قوى السّلطة" اصطفّت مع الحكومة، إضافةً إلى بعض المنتفعين الذين لا يريدون مجلس الأمّة ولا الرقابة الشعبيّة على المشاريع ذات المخصّصات الماليّة الضخمة.

واتّهم مؤيّدو الحكومة المعارضة بالعمالة للخارج، وبالتآمر ضمن مخطّط الإخوان المسلمين، ووصفوهم بالانقلابيّين الذين يسعون للسيطرة على الحكم، وتدعمهم في ذلك دولة قطر، لكن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح نفى تدخّل قطر في الشأن الكويتيّ. وعلى الرغم من النّفي الأميريّ، وأنّ أجهزة الأمن لم تعتقل أحدًا من هؤلاء الانقلابيّين المزعومين من الإخوان المسلمين، إلّا أنّ مؤيّدي الحكومة استمرّوا في اتّهام المعارضة بالتّآمر والعمالة للخارج.

ويستمرّ المشهد الكويتيّ في الاحتقان، ففي وقت كتابة هذه المقالة، ينقسم الكويتيّون إلى معارضة تطالب بمقاطعة الانتخابات وتتّخذ من اللون البرتقاليّ شعارًا لها، وتدعو لمسيرة "وطن 3" يوم الجمعة المقبل 30 تشرين الثاني / نوفمبر، أي قبل يومٍ واحد من الانتخابات، وفي الطرف المقابل هناك موالاة تنادي بالمشاركة في الانتخابات، وتحذّر المعارضة من أيّ محاولة لعرقلة إجرائها.

 غريبةٌ هي الحال الكويتيّة، والأغرب هو الانقسام الكويتيّ: حكومة تطالب الشعب بالمشاركة في انتخاب برلمان يشرّع له القوانين ويرفض - ولو نظريًّا - تولّي الحكومة إصدار القوانين، ومعارضة - يرى مراقبون أنّها عارمة شعبيًّا - ترفض المشاركة في الانتخابات، وترى أنّها محاولة حكوميّة لإنتاج برلمانٍ مُوالٍ يجري تعديل الدستور من خلاله، والقضاء على الحرّيات العامّة والصلاحيّات التشريعيّة الشعبيّة.

تكمن غرابة الحال الكويتيّة في أنّ شعوب الربيع العربيّ خرجت تطالب بإجراء انتخاباتٍ برلمانيّة شعبيّة، بينما الشعب الكويتيّ - أو قل معظم قواه السياسيّة - يرفض المشاركة في هذه الانتخابات ويراها محاولة قديمة تجاوزها الزمن للتلاعب بنتائج الانتخابات مقدّمًا.

سيكون يوم السبت المقبل المحكّ الرئيس لحجم المشاركة الانتخابيّة، فغالبيّة القوى المدنيّة والدينيّة الكويتيّة وكبرى القبائل أعلنت مقاطعتها للانتخابات، وستبقى فقط مسألة الشفافيّة في إعلان نسبة المشاركة الفعليّة في التصويت. ويبدو أنّ الحكومة نفسها تتوقّع أن تكون النسبة متدنّية، إذ سارعت إلى التخفيف من وطأة ذلك، فقد أعلن وزير الإعلام الشيخ محمد المبارك الصباح أنّ "المهمّ هو قانونيّة الانتخابات بغضّ النظر عن نسبة المشاركة فيها". ورأى معارضو الحكومة في ذلك إعلانًا مبكرًا لفشل الحكومة.

 وبغضّ النظر عن الانتخابات ونتائجها، فإنّ الأنظار تتّجه نحو المحكمة الدستوريّة وحكمها في مسألة "الضرورة" من عدمها لإصدار قانون الانتخاب المعدّل، أي في دستوريّته. وفي حال قضت المحكمة بعدم دستوريّة التعديل، تصبح الانتخابات ونتائجها مُلغاة، ويعاد العمل بالقانون الانتخابيّ السابق. فهل يحلّ ذلك الأزمة في الكويت؟

 أعتقد أنّ الأمور تتّجه بالبلاد نحو حلولٍ جذريّة، على الرغم من أنّ المعارضين يرون في ما يجري حراكًا شعبيًّا ستقود تطوّراته الطبيعيّة إلى مثل هذه الحلول الجذريّة، فيما ترى الحكومة في إجراءاتها تصحيحًا لمسار الديمقراطيّة الكويتيّة، لكن الأكيد أنّ النظام الديمقراطيّ الكويتيّ لن يعود إلى الوراء. وهذا ما على الجميع في الكويت إدراكه والتّعامل معه.

 


[1] فهد الخنة، " العودة إلى الحقّ"، جريدة الوطن (الكويت)، 24/11/2012:

http://alwatan.kuwait.tt/ArticleDetails.aspx?Id=235235

[2]  "هالاستقالة 'غير‘"، موقع الآن، 18/10/2011:

 http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=85716&cid=30

[3]  "من هم حلفاء السلطة بانقلابها الثالث على الدستور؟"، موقع الآن، 26/8/2012:

 http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=117785&cid=52